مثل فيروس كورونا المستجد تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد في مصر، حيث بات القطاع الاقتصادي بين مطرقة الخسائر وسندان تلف المنتج، وهو الأمر الذي راحت معه الدولة تبحث عن بدائل لتخطى الأزمة بعدد من الطرق، كان أبرزها مبادرة “مايغلاش عليك” التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأشرف مجلس الوزراء على تنفيذها، لدعم المنتج المحلى وتحفيز الاستهلاك في مواجهة الجائحة.
للمبادرة عدة مزايا جعلت الإقبال عليها كبيرًا، منها نسبة الخصم التي استفاد منها جميع المواطنين، فضلًا عن الخصم الإضافي المخصص لحاملي البطاقات التموينية، والذي يبلغ حده الأقصى 200 جنيه للفرد و1000 جنيه للبطاقة التموينية، وذلك لمدة 3 أشهر قابلة للتجديد مرة أخرى في ضوء ما تحققه من نتائج إيجابية في رفع معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وهو ما حفز الكثيرين على الشراء من الشركات والمؤسسات المنتجة داخل المبادرة.
سلع المبادرة
تنوعت السلع المطروحة في مبادرة “مايغلاش عليك” منها أجهزة التلفاز ومكيفات الهواء والثلاجات والغسالات والسخانات، ومختلف أنواع الأجهزة الكهربائية إضافة إلى الكثير من الأجهزة الإلكترونية من “موبايل” و”تابلت”، وكذلك أدوات المطبخ وقطاع الكهرباء والمواد الكيميائية والأثاث.
وعن نسبة الخصم، فقد تمثلت في نسبة تتراوح من “20 لـ 40%” على بعض المنتجات فضلا عن 10% إضافية لحاملي البطاقات التموينية والمقدر عددهم وفقًا لآخر الإحصاءات بـ61 مليون مواطن.
ويشارك في المبادرة حتى الآن أربعة بنوك وهي الأهلي المصري والتجاري الدولي وبنك القاهرة، وبنك مصر، وهذه البنوك لا تقدم تمويلًا للمبادرة فقط، بل أيضًا تمويلات استهلاكية على فترة سداد تُقدر بنحو 24 شهرًا.
كما يمكن للشركات المشاركة أيضًا، ولكن عليها الالتزام بشروطها المتمثلة في أن يكون المنتج محلى بنسبة لا تقل عن 25%، وألا يندرج ضمن المنتجات الغذائية، وأن تكون شركات مصرية.
دراسة حول المبادرة
قدمت وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة حول مبادرة “مايغلاش عليك”، حيث عرضت الأسباب التي دفعت الدولة الى إلى إطلاقها، وحجم المبادرة وتأثيرها على الاقتصاد المحلي وفيما يلي أبرز ما جاء في الدراسة:
أكدت الدراسة أن انتشار فيروس كورونا المستجد في أواخر عام 2019، أدى إلى تدهور الاقتصاد العالمي بسبب تباطؤ النمو، وإعاقة التبادل التجاري بين الدول بسبب القيود التي فرضتها الدول على حركة الطيران الدولي، مما نتج عنه انخفاض الطلب على السلع والخدمات، بالإضافة إلى انخفاض المعروض من السلع والخدمات بسبب خلل في القوة العاملة إما نتيجة لإصابة العاملين بالفيروس، أو للحصول على إجازة لرعاية ذويهم.
كما أدت الجائحة إلى تغيير في أولويات المستهلكين وتفضيلاتهم، حيث قل الطلب على الاستهلاك، وهو ما استدعى وجود مبادرة دعم المنتج المحلي وزيادة الاستهلاك، لذلك أطلقت الحكومة عدة مبادرات لدعم الاستهلاك المحلي وخلق الطلب باعتباره أحد أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت إن الحكومة أطلقت المبادرة لدعم المنتج المحلي وتشجيع الاستهلاك، مشيرة إلى أنها تهدف إلى تشجيع المواطنين باختلاف قدراتهم المالية وشرائحهم الاجتماعية على زيادة الاستهلاك نظرًا لدوره المهم كأكبر مكونات الناتج المحلي الإجمالي في مصر، مما يعمل على انتعاش السوق المحلية مرة أخرى، وزيادة خطوط الإنتاج داخل المصانع، وبالتالي زيادة معدلات التوظيف مما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
عناصر رئيسية
وتقوم هذه المبادرة على عدد من العناصر الرئيسية، أولها تقديم خصومات بنسبة 20% من الصناع والتجار المشاركين خلال فترة المبادرة، بالإضافة إلى تقديم دعم مالي من الدولة لحاملي البطاقات التموينية الذين يصل عددهم إلى 64 مليون مواطن، على أن تتحمل الخزانة العامة للدولة هذا الخصم الإضافي بقيمة إجمالية قدرها 12 مليار جنيه من موازنة العام المالي الحالي 2020/ 2021 لدفع عملية الشراء ولضمان تحريك الأسواق بقيمة تتجاوز مبلغ الدعم.
كذلك تشجيع البنوك على تقديم قروض استهلاكية بفائدة مخفضة، علاوة على قيام أجهزة الدولة المختلفة بتقديم كافة أوجه الدعم لمبادرة تحفيز الشراء والاستهلاك المحلي.
وتتيح المبادرة خدمة التقسيط لعملاء بطاقات الائتمان على فترة من 12 وحتى 24 شهرًا بحد أدنى 500 جنيه، أما بطاقات الخصم والمدفوعة مقدمًا فتوفر لها المبادرة قرضًا شخصيًّا بحد أدنى 5 آلاف جنيه وبحد أقصى 25 ألف جنيه لمن يرغب وتنطبق عليه شروط منح القرض وفقًا لسياسة البنك وبسعر عائد مماثل للمتفق عليه مع جهة العمل، على أن تصل فترة التقسيط حتى 24 شهرًا.
وبالنسبة لشركات تمويل المستهلكين؛ فتُمنح تمويلًا بحد أقصى قدره 100 ألف جنيه للعميل بحد أقصى 24 شهرًا، وبدون مصاريف إدارية طوال فترة المبادرة.
وبحسب وزارة المالية تم تسجيل 4 آلاف و231 منتجًا، بالإضافة إلى 1178 تاجرًا بعد اعتماد بياناتهم من اتحاد الصناعات، واتحاد الغرف التجارية.
وعن مشاركة بعض البنوك المصرية وشركات التمويل الاستهلاكي في تحمل جزء من عبء التكلفة التمويلية لهذه المبادرة مع الحكومة المصرية، تقول الدراسة إن الهدف من ذلك هو تخفيف الأعباء التمويلية عن كاهل الدولة من جهة، وتوسيع القاعدة التمويلية للمبادرة من جهة أخرى.
توقعات
يقول “فتحى الطحاوي” نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن مبادرة “مايغلاش عليك” التى انطلقت في الآونة الأخيرة لتنشيط الاستهلاك لن تعالج الأزمة.
وتابع أن “الحل يتمثل في العودة للإجراءات من خلال العمل على تنظيم المعارض المتخصصة للسلع، فضلًا عن إيجاد الأدوات التى تضمن فتح مساحة التقسيط للمواطن، فالقوى الشرائية لن تنشط الا بتوفير السيولة وتخفيض أسعار المنتجات”.
واعتبر “أن تراجع المبيعات ناتج عن التكلفة الإضافية التي تتحملها الأسرة المصرية في ظل أزمة كورونا من إنفاق على المطهرات والكمامات وغيرها من مستلزمات الوقاية والحماية والنظافة الشخصية التي يُقدر متوسطها بنحو 800 جنيه شهريًا وهو ما جعل الأولوية في الإنفاق تبعد عن توفير أدوات الرفاهية وأصبح توفير احتياجات الأسرة هو الأهم وصاحب ذلك الاستغناء عن كل أدوات الرفاهية لحين عبور المحنة بسلام”.
أما دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فتقول إنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة كبيرة في مبيعات الكثير من الشركات المنتجة والمراكز التجارية وتجارة التجزئة، مما يساهم بشكل أساسي في الحفاظ على العمالة، بل وزيادة فرص العمل المتاحة في هذه المصانع والشركات المشاركة، وبالتالي زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة النمو الاقتصادي، وتحريك عجلة الإنتاج في السوق المصري من خلال تحفيز المستثمرين في هذه المجالات على التوسع في أنشطتهم الإنتاجية، وضخ استثمارات جديدة وتوفير فرص عمل، وتقليل فاتورة الواردات، مما يعمل في النهاية على تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن انتشار جائحة كورونا، بحسب الدراسة المنشورة.