موضوع شائك، وأمر لا بد من الخوض فيه، إذ أن الملكية العامة المقررة دستوريا كحق للمواطنين كافة، ولا يقلل من حقهم أن يكون للقادمين من الأجيال المقبلة حق في تلك الأصول والأموال العامة، بحسب كونها ثروات للبلاد، لا بد من الحفاظ عليها وتنميتها، والتي أقرتها المدونات الدستورية، والتي كان آخرها الدستور المصري لسنة 2014، والذي جاء في المادة 32 منه، أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. وإذ أن للمال العام أهمية تنبع من كونه مالاً متعلقاً بحقوق جميع المواطنين بالدولة، ولذلك ارتباط مباشر بمصلحتهم وقضاء حوائجهم، ولذا كان من الأوجب على المشرع أن يفرد له من النظم القانونية ما يكفل له حماية خاصة به للحفاظ عليه من أوجه العبث وأن يكون له سياجاً محكماً من الفعالية العالية في محاولة للإحاطة بأوجه النشاط المختلفة للدولة والمهام الملقاة على عاتقها. وحيث أن مصادر العام المملوك للدولة متعددة، وفي الأغلب لن نستطيع حصرها، ولكن يمكننا القول بأنها تتأسس على النظم التي تنبني عليها طبيعة ملكية الدولة لهذه الأموال، فالدولة تستصدر ما تراه متماشياً ومتناسباً مع أنظمة وتشريعات، يستنبط منها القواعد الضابطة للملكية العامة، ومن ذلك ما تراه الدولة من تخصيص أو تأمين لوسائل الإنتاج، أو ربما يستهدف إنشاء كيانات بملكية مختلطة أو ملكية تعاونية، وعليه فالأموال العامة التي تقوم الإدارات العامة على إدارتها والتصرف فيها تكون الأرض أهم أعمدتها، بما تختصه من خيرات من معادن وثروات، أو ما على سطحها من نبات أو مداخيل البيع أو التأجير أو ثروات حيوانية أو مائية من أنهار وبحيرات، ومما تحتضنه من ثروات حية أو ثروات معدنية.
وهذا ما يوجب على الدولة أن تولي رعايتها لثروات البلاد عنايتها المطلقة، ولا أقصد بتلك الرعاية أن تحافظ فقط على حالتها التي هي عليها، وهي ما يطلق عليها عناية وقائية، بل يجب أن تنطلق رعايتها إلى السعي نحو تطويرها وزيادتها قدر المستطاع، وقد أفرد المشرع الدستوري نص المادة 32 من الدستور المصري الأخير لهذا المقام، وأرى أننا نضع النص الدستوري كما هو قبل الحديث عن أي شيء، وذلك لجودته وتفريده لما أقصده من العناية بالثروات والمال العام، كما يجب إعمال قواعد الإفصاح، وتفعيل الحق في المعرفة، والحصول على المعلومات وكشف مضمون تلك التسويات التي أجريت في جرائم، أو مخالفات، أو وقائع فساد على المال العام، من شأنها إتاحة الرقابة الشعبية على التصرفات الواردة على المال العام الذي هو ملك للشعب في المقام الأول، ويضاف إلى هذا تمكين الرأي العام من إنزال أحكام موضوعية في مدى قيام الدولة بواجباتها في حماية المال العام، ونهوضها بواجباتها نحو حماية المقومات الاقتصادية للمجتمع، وضمانها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومما لا شك فيه، أن اطلاع الرأي العام سواء كانوا من الخبراء والاقتصاديين أو المواطنين على تفاصيل قرارات التصالح واجب في ظل انعدام الحد الأدنى من الشفافية حول محتوى، ومضمون القرارات الصادرة باعتماد هذه التسويات.
ومن هذا الطرح، فقد أصدر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي قرار رقم 160 لسنة 2025 بإزالة صفة النفع العام عن عدد 7 قطع أراضي من أصول هيئة النقل العام بالقاهرة، وهي: جراج ترام العباسية وجراج وورش ترام بورسعيد وجراج ترام حلوان وجراج أتوبيس بورسعيد وأرض المنيب وجراج الجيزة وجراج الملاكي بسراي القبة.
وهذا ما يؤكد ما سبق قوله من تحكمية في المال العام، فيجب أن تتوقف الحكومات عن سيطرة أجهزتها التنفيذية على مقدرات ثروات البلاد الطبيعية دونما رقيب، ولا بد أن تأتي الدساتير في صياغاتها على نصوص قاطعة الدلالة بتشكيل لجان خاصة أو هيئات ذات استقلالية عن السلطة التنفيذية تكون مسئوليتها الأساسية أو وظيفتها هي حسن استغلال وإدارة الثروات الطبيعية، وكيفية توزيع العوائد الناتجة عن ذلك بشكل عادل، يجعل في الأوطان تنمية حقيقية، ويكون هناك مردود على الأفراد، بما يحسن مستوى معيشة المواطنين، ويبعد هذه الثروات عن سوء الإدارة والاستغلال الحكومي، ومن الممكن أن تكون تبعة هذه اللجان أو الهيئات للسلطة التشريعية مباشرة، وأعتقد أن ذلك يحقق الرقابة الشعبية المأمولة على هذه التصرفات.
أما عن المستوى القانوني، فإن النصوص القانونية قد سكتت عن رسم أي حدود لما يمكن أن تفعله السلطة التنفيذية في المال العام، وهو ما يوحي بأن يد السلطة هنا مطلقة، لا حد لها، وهو ما يبدو واضحا من استخدام تلك المساحات الفارغة من الزاوية التشريعية وإصدار قرارات جمهورية؛ بسحب أو إزالة صفة النفع العام، وهي الصفة التي تستوجب الحماية الدستورية للمال العام، وتحويله إلى مال خاص مملوك للدولة، وبالتالي تستطيع التصرف فيه بشتى طرق التصرف المخولة للمال المملوك للدولة ملكية خاصة. وإذ أنه ومن الناحية الفقهية القانونية يحتاج إلى العمل على وضع قواعد تحدد، وتنظم حدود دور السلطة التنفيذية في مدى جواز تصرفها في المال العام بصورة مطلقة، ويكون ذلك بمقتضى القرارات الجمهورية التي تسحب عن المال العام صفة النفع العام، وهو مكمن ولب الخطورة على المال العام وثروات البلاد بشكل تام، وإن كنت أرى أن ذلك الموضوع لا بد من معالجته بشكل كامل في المدونات الدستورية، بحيث لا يكون هناك أية وسيلة تسمح باستصدار تلك القرارات، دونما تحقيق أي مصلحة عامة حقيقية، ودون أن يكون مرجع الأمر ومنبته هو الشعب صاحب السلطة الحقيقية.
ومن هنا، ولما كان للمال العام أهمية تنبع من كونه مالاً متعلقاً بحقوق جميع المواطنين بالدولة، ولذلك ارتباط مباشر بمصلحتهم وقضاء حوائجهم، ولذا كان من الأوجب على المشرع أن يفرد له من النظم القانونية ما يكفل له حماية خاصة به للحفاظ عليه من أوجه العبث، وأن يكون له سياجاً محكماً من الفعالية العالية في محاولة للإحاطة بأوجه النشاط المختلفة للدولة والمهام الملقاة على عاتقها. وحيث أن مصادر المال العام المملوك للدولة متعددة وفي الأغلب لن نستطيع حصرها، ولكن يمكننا القول بأنها تتأسس على النظم التي تنبني عليها طبيعة ملكية الدولة لهذه الأموال، فالدولة تستصدر ما تراه متماشياً ومتناسباً مع أنظمة وتشريعات يستنبط منها القواعد الضابطة للملكية العامة، ومن ذلك ما تراه الدولة من تخصيص أو تأمين لوسائل الإنتاج، أو ربما يستهدف إنشاء كيانات بملكية مختلطة أو ملكية تعاونية، وعليه فالأموال العامة التي تقوم الإدارات العامة على إدارتها والتصرف فيها، تكون الأرض أهم أعمدتها بما تختصه من خيرات من معادن وثروات أو ما على سطحها من نبات أو مداخيل البيع أو التأجير أو ثروات حيوانية أو مائية من أنهار وبحيرات، ومما تحتضنه من ثروات حية أو ثروات معدنية.