كتبت- دعاء عبد المنعم

ارتفعت الانتهاكات ضد العاملين بالمجال الصحفي والإعلامي خلال عام 2024، مقارنة بعام 2023، حيث شهد عام 2024، حوالي 781 انتهاكا ضدهم، بينما خلال عام 2023 شهد حوالي 335 انتهاكا بنسبة ارتفاع 44.6%، في تعبير عن المسار الصعب الذي تقطعه المهنة في خطواتها الدؤوبة نحو أداء الرسالة المنوطة بها.

المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الصحفيون حاليًا، تفاقمت هي الأخرى، فالتطور الهائل في الوسائل التكنولوجية الحديثة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الصحفي، زاد الطين بلة مع غياب الأساس القانوني المنظم لهذه العملية.

ظهور الذكاء الاصطناعي وتطوره المستمر جعل الصحافة عالميًا تشهد تحولا جذريا على جميع الأصعدة، وظهر ما يُعرف الآن بـصحافة الذكاء الاصطناعي، كل هذا جعل التساؤل مطروحاً، هل تموت الصحافة كمهنة؟ وما هو مصير حرية الصحافة في مصر؟ علما أن هناك دولا تحتكر خدمات تقنية حديثة للذكاء الاصطناعي ويترافق ذلك مع غياب العدالة في توزيع هذه الخدمات بين الدول، بالإضافة إلى غياب الأطر الدولية القانونية المنظمة في هذا الشأن.

تجربة بلا صحفيين

نجحت بعض المؤسسات الصحفية في العالم في توظيف الـ (AI)- اختصار Artificial Intelligence أي الذكاء الاصطناعي- في إنتاج المحتوى الصحفي، حيث أصدرت الصحيفة الإيطالية “إل فوليو”، أول صحيفة مطبوعة في العالم تعتمد على الذكاء الاصطناعي بالكامل، واقتصر دور الصحفيين فقط على طرح أسئلة على أدوات الذكاء الاصطناعي وقراءة الإجابات.

ومن التجارب العربية في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى الصحفي، موقع الدستور الأردني، وموقع الشرق القطري وقناة العربية السعودية.

ومن المواقع المصرية التي استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي، موقع القاهرة 24، حيث بلغ عدد الموضوعات المنشورة بواسطة الذكاء الاصطناعي 2787 محتوى صحفيا خلال الفترة من يناير حتى مارس عام 2023، وكان أكثر هذه الموضوعات اقتصاديا.

واعتمدت جريدة “المصري اليوم” على تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء خدمة جديدة، تسمي “اسأل المصري اليوم”، تقوم على خاصية البحث بالمعنى، وتعتمد على روبوت للمحادثة يرد أوتوماتيكيا.

قصور

برغم التجارب الفردية الناجحة لبعض الصحف المصرية في توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي، ما تزال الصحافة في مصر تعاني من القصور في هذا المجال.

يذكر الخبراء أن هناك 300 مؤسسة صحفية على مستوى العالم تستخدم الذكاء الاصطناعي، وأن 70% من محتوى الـ(AI) يتعلق بالرياضة والاقتصاد والطقس، وأقرت هذه المؤسسات أن أرباحها زادت 60% بعد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وأن 80% من المؤسسات الصحفية المصرية لا تستخدم الذكاء الاصطناعي، مما يعكس اتساع التفاوت بين المؤسسات هنا وهناك.

وذكر آخرون أن المؤسسات الصحفية في مصر تحتاج إلى أكثر من 10 سنوات حتى نعتمد سياسة للذكاء الاصطناعي في الصحافة، فلا توجد تجارب جادة وضخ استثمارات لذلك، بل مجرد محاولات فردية، في حين أوضح البعض أن الاتجاهات العمل بـ(AI) في الصحافة تتمثل في 3 محاور، وهي: إنتاج المحتوى وتحليله وتخصيص المحتوى من خلال رصد السلوكيات، ووضع القصة الرئيسية وفقًا لاهتمامات المستخدم، وتوسيع نطاق المحتوى بلغات مختلفة، وجاء ذلك على هامش المؤتمر السادس للصحافة المصرية بنقابة الصحفيين.

ورغم تنافس المؤسسات الصحفية العالمية اليوم لمواكبة التطورات التكنولوجية وإنتاج محتوى صحفي بأعلى جودة بأقل الإمكانيات إلا أن ما تشهده الصحافة في مصر العكس تماما، إذ ما زال الحديث عن القيود التي تفرض على إصدار التراخيص للمواقع والمنصات الالكترونية والإعلامية، ويصاحب ذلك أزمة تدهور حقوق الصحفيين.

غياب الإطار القانوني

يحكم قانون الهيئة الوطنية للصحافة، وقانون رقم 180 لسنة 2018، حركة تنظيم الإعلام والصحافة في مصر، وتسري أحكام قانون الوطنية للصحافة على المواقع الإلكترونية الصحفية المملوكة للدولة، وهي المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة، بينما تسري أحكام القانون 180 لسنة 2018، على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية، ويستثنى من ذلك الموقع أو الوسيلة أو الحساب الإلكتروني الشخصي، ما لم ينص القانون المرافق على خلاف ذلك.

ورغم أن القانون ينص على أن الهيئة الوطنية تتولى إدارة المؤسسات التي تدخل ضمن اختصاصها، وتعمل على تطويرها ودعم عمليات التحديث التكنولوجي بها، إلا أنها لم تدعم أي تجربة في مجال الذكاء الاصطناعي في هذه المؤسسات.

ولا يوجد في قوانين الهيئة الوطنية للصحافة والقانون رقم 180 لسنة 2018، قواعد عامة، تحدد العلاقة بين استخدام الذكاء الاصطناعي وعالم الصحافة والإعلام، ولم يتم استحداث أي تشريعات جديدة بخصوص هذا المجال.

كما لا يوجد بنية تحتية واضحة للذكاء الاصطناعي في الصحافة المصرية، مع غياب التخطيط الجيد من القائمين عليها للتطورات التكنولوجية، كما لا يوجد تدريبات كافية للصحفيين على استخدام أدوات الـ (AI) في الصحافة، ولا يوجد دليل للأسس الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

كما لا يتم إعداد طلاب الإعلام والصحافة على استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال،

حرية الصحافة في مهب رياح الذكاء الاصطناعي

على مدار الثلاث سنوات السابقة، شهدت حرية الصحافة في مصر انحدارًا شديدًا، حيث حصلت مصر على مراكز شديدة التراجع وفقا للمؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة “مراسلون بلا حدود”، في عام 2022 حصلت مصر على المركز 168، وفي عام 2023 المركز 166، وفي عام 2024 المركز 170 من أصل 180 دولة، لتصبح مصر من الدول التي عجزت عن حماية الصحافة.

وتعرف “منظمة مراسلون بلا حدود” حرية الصحافة بإنها هي الإمكانية الفعلية للصحفيين، بشكل فردي وجماعي، لاختيار وإنتاج ونشر المعلومات التي تصب في المصلحة العامة، وذلك في استقلال عن التدخل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودون أي تهديدات لسلامتهم الجسدية والعقلية.

وأكد التقرير على زيادة الانتهاكات ضد حرية الصحافة في مصر، وأوضح أن هناك انعدام للتعددية في الصحافة المصرية، وأن الصحف التابعة للدولة هي الأكثر انتشارا، بينما تعاني الصحف المستقلة الأخرى من الملاحقات القضائية والحجب غير القانوني.

 وهنا قد يبرز استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى، ما قد يمكن من إنتاج محتوى بصورة موضوعية واقعية بعيدًا عن التحيزات والمصالح، وخاصة المصالح السياسية، مما يدعم ضمان استقلال حرية التعبير عن التدخلات السياسية.

وبالرغم من استخدام أدوات (AI)، تساعد الصحفيين في توفير الوقت والجهد وزيادة الإنتاجية وتقليل الخسائر، والمساهمة أيضًا في تطوير المحتوى وزيادة فاعليته إلا أن مؤشرات تطورها مستقبلًا تنطوي على مخاطر، إذ قد يتم الاستغناء عن العنصر البشري في المستقبل، وتغيير مخرجات المواد الصحفية، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي إنتاج محتوى صحفي أوتوماتيكي بدون الحاجة إلى الصحفيين. وقد تتخذ بعض المؤسسات الصحفية مستقبلًا، إجراءات لتقليص العاملين بها ومع عدم وجود قواعد قانونية ملزمة بحماية هؤلاء العاملين.

وأيضًا يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الإبداع والابتكار البشري في إنتاج المحتوى الصحفي، فإن (AI) مجرد خوارزميات مبرمجة على نصوص يتم إدخالها. لذا قد يدعم الذكاء الاصطناعي حرية الصحافة والتعبير أو يقوضها، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في استقلالية وصول المعلومات وضمان حيادية الآراء وقفًا لوقائع يتم إدخالها إلى أدوات الـ (AI)، وترجمتها إلى نصوص أو قد يحدث العكس تمامًا.

الممارسات اللا أخلاقية

وقد يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة تحديات أخلاقية، تتعلق بالجانب المهني والأمانة، وأيضا الأثر على حقوق الملكية الفكرية، كل هذا يؤدي إلى معضلة أخلاقية، حيث قد يدعي بعض الصحفيين نشر تقارير مستخدمين الذكاء الاصطناعي بالكامل في كتابة هذه التقارير، معلنين بأنها باجتهادهم الشخصي، ما يعتبر غشا وخداعا الجمهور، وقد يستخدم البعض أدوات (AI) في زيادة نشر خطاب الكراهية كـنشر خطابات الكراهية مؤخرًا ضد اللاجئين في مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يستخدمه البعض في نشر تقارير وأخبار مزيفة من أجل الشهرة والمال.

لذا يمثل عدم وجود إطار قانوني وأخلاقي بكيفية استخدام المؤسسات الصحفية والإعلامية المصرية الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الصحفي والإعلامي تحديات جديدة لمؤسسات الدولة والقائمين على الصحافة والإعلام.