ثروة معمارية في وسط البلد لا تقدر بثمن، جعل البعض يشبهها بـ “باريس الشرق”، بل وأكثر قيمة منها.
نبأ وقوع عقار بشارع قصر النيل وسط القاهرة، جعل الأمر أشبه بتهديد لتلك الثروة العقارية، والتساؤل: أين ذهبت مشاريع تطوير القاهرة الخديوية لجعلها منبر سياحي ومنطقة لا تخص طبقة بعينها فقط؟
سبب انهيار عقار قصر النيل
بحسب مقاول رفض ذكر اسمه، كان العقار المنهار قائمًا على مساحة 1500 متر ومبنية مثل غيرها من العقارات التراثية بوسط البلد على نظام الحوائط الحاملة وليس العمدان الخرسانية، وهو ما جعله ينهار فور إزالة حائطًا حاملاً، بعد شراء مقاول لشقتين وأراد توسعتهما وفتحهما على بعضهما.
وأشار المقاول إلى أن العقار المنهار كان لعدد كبير من الورثة، كل وريث يبيع نصيبه إذ استطاع تخليصه من المستأجرين القدامى، لافتًا إلى أن حالته جيدة للغاية وكان به عددًا من الشروخ البسيطة التي كان يمكن معالجتها.
مزيد من الانهيارات في وسط البلد التراثية
تعد عقارات وسط البلد قيمة للوطن والقاهرة، هذا ما أخبرنا به المهندس سيف أبو النجا، رئيس جمعية المعماريين، مؤكدًا أنه لا يتوقع انهيارات بعقارات وسط البلد، كونها مبنية بنظام لا يجعلها عرضة للانهيار، موضحًا أن الحوائط الحاملة أكثر متانة من الأعمدة الخرسانية.
وأضاف أن صاحب عقار قصر النيل بإحضار مقاول وليس مهندسًا لإجراء التعديلات المرغوبة، مشيرًا إلى أن هناك فارقًا بين المهندس والمقاول، فالأول ضليع في التعامل مع الفنيات، والمقاول له طرقه لإنهاء الإجراءات مع الحي.
وأشار “أبو النجا” إلى أن مباني وسط البلد على أسس عالية من الجودة في التصميم المعماري، وإنشائي والتنفيذي، صممها مهندسون، ومقاولون إيطاليون، ويونانيون، ومصريون، موضحًا أننا نملك ثروة عقارية عالمية ليس لها مثيل إلا في بلجيكا، وفرنسا، وإن كنا نتفوق على بعضها.
وعن مخاطر تلك العقارات، يقول “أبو النجا” بالطبع لانعدام الصيانة فمثلاً الشركات المملوكة لـ”مصر للتأمين”، تعمل الحد الأدنى من الصيانة، كما أن هناك ملاكًا أجانب غير المتواجدين بمصر لم يطبق عليهم التأميم ولا يريدون التفريط في عقاراتهم، ويؤجرنها كاملة بثمن بخس يصل إلى 100 دولار تصل لهم كحوالة.
ولفت إلى أن قانون الإيجار القديم لا يسمح لصاحب العقار بصيانة المبنى، من خلال إيجار للوحدة قد يصل لـ4 جنيهات.
الإيجارات القديمة
يقول رئيس جمعية المعمارين، إن “الموضوع أكبر بكثير من كون عقارات وسط البلد مخصصة للسكن”، مضيفًا: قيمتها العقارية تجعل شققها فندقية”.
وطالب بأن “تصبح وسط البلد مركزًا ثقافيًا وتنويريًا، تليق بالقاهرة العظيمة، العالم كله يحترم ويهاب القاهرة”.
وأضاف أن الجمعية تبنت مشروع تمليك العقارات التراثية لعدد من الجمعيات الثقافية واستغلالها تجاريًا وجعلها فنادق واستراحات على سبيل المثال، مثل باقي بلدان العالم.
تطوير 300 عقار لخلق مساحات سياحية
أكد محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، أنه جارٍ تطوير تلك المنطقة منذ عامين، والانتهاء من تطوير 300 عقار بواسطة المحافظة والجهاز القومي للتنسيق الحضاري.
وأضاف: هناك فرصة كبيرة لاستعادة قلب مدينة القاهرة، خاصة أنه جار الاستعداد لنقل الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة، وكل المباني التي كانت مستغلة في أنشطة لا تتلاءم مع طبيعتها المعمارية سيتم إعادتها للاستفادة منها وخلق مساحات خضراء وسياحية مختلفة.
إدارة أصول مصر العقارية
تعد شركة مصر لإدارة الأصول العقارية، هي إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال، وتقع تحت مظلة “مصر للتأمين”، وتمتلك الشركة 680 عقارًا منها 182 عقارًا ذات طابع معماري متميز وتمتلك 70 عقارًا سكنيًا بوسط البلد.
استحوذت الشركة على 9 آلاف مترًا مربعًا من الوحدات العقارية التابعة لها، والتي تم تأجيرها في الماضي لصالح شركات تحت مظلة قانون الإيجار القديم دون الإعلان عن القيمة التي تم الاستحواذ بها على تلك الوحدات.
ولفت عبد الناصر طه، عضو الاتحاد الدولي للعقارات، ورئيس شركة مصر لإدارة الأصول سابقًا، إلى أن طريقة الاستحواذ تتم بالتفاوض مع المؤجرين من الشركات والأفراد من خلال الحصول على نسبة من العوائد على تأجير تلك الوحدات بعد التطوير.
وتابع قائلاً: إن الدولة تحاول الحفاظ على ثروتها العقارية بمنطقة وسط البلد، إلا أن كل عقار يلزمه ميزانية مخيفة للتفاوض مع المؤجرين بالإيجار القديم.
عائق كبير
يشكل قانون الإيجار القديم الحالي أزمة تؤرق الكثير من الملاك والمطورين العقاريين بوسط البلد، الذين يشكون من قلة المبالغ المالية التي يحصلون عليها من المستأجر، وأصبح أحد أهم القوانين الملحة التي تحتاج إلى تعديل يضمن العدالة بين المالك والمستأجر، إلا أن تعديل القانون يؤجل في كل دور انعقاد بدعوى أنه يحتاج إلى حوار مجتمعي موسع وتوافق حول صيغة نهائية تحقق الصالح العام.
ويعلق “طه” قائلاً: إن الآلية في تطوير عقارات وسط البلد هو أن المالك من ينفق، وهناك علاقة غير مرتبة بين المالك والمستأجر في قانون الايجارات القديم.
وتابع: ” تعديل القانون حل جزئيًا الشخصيات الاعتبارية والذي يقوم على تقنين الإيجارات ورفعها لأصحاب الشركات والمحلات وذوي المنفعة التجارية للوحدات”، موضحًا أما بخصوص الوحدات السكنية فلم تمسهم التعديلات بسوء.
وأشار إلى أن هناك ترميم يحدث لواجهات العقارات فقط، دون ترميم الأساسات والحوائط وهو ما يهدد بانهيارات قادمة، مطالبًا بضرورة تعديل قانون الإيجار القديم ووجود علاقة عادلة بين المالك والمسـتأجر.
“الإسماعيلية” تستحوذ على 25 عقارًا بوسط البلد
تعتزم شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري استثمار نحو 150 مليون جنيه في تطوير عددًا من العقارات التراثية المملوكة لها بمنطقة وسط البلد، العام الجاري، وفقا لكريم الشافعي، رئيس مجلس إدارة الشركة.
وأكد “الشافعي” أن الشركة تمتلك 25 عقارًا بوسط البلد، انتهت من صيانة 7 عقارات، سيتم طرحها أمام الشركات الإدارية والتجارية المتخصصة بأنظمة الإيجارات الحديثة.
كيف يتم التطوير العقارات؟
أوضح “الشافعي” أن شركه تهتم كثيرًا بوسط البلد، موضحًا أن تكلفة الصيانة تختلف من عقار لآخر على حسب ما يحتاج له من الناحية الإنشائية وخدمات وكهرباء ومياه، ويراعى الحرص على الشكل الجمالي للواجهات التي نعيدها لأصلها التراثي.
وأشار إلى أن الشركة تقوم بأعمال الصيانة بعد تخليص العقار من الورثة، وقد يصلوا إلى 129 وريثًا، وفي كثير من الأحيان يتم تخليصها من المستأجرين بالإيجار القديم أو شرائها بالمستأجرين، لافتًا إلى أنهم يمثلوا عائقًا كبيرًا لشركات التطوير والاستثمار العقاري بوسط البلد.
وتابع: هناك بعض الأمور البيروقراطية التي عطلت الاستثمار في وسط البلد، مشيرًا إلى أن محافظة القاهرة عرقلت نشاط الشركة، وأعطتنا ترخصيًا بعد أشهر عدة.
ملاذًا آمنًا
يقول “الشافعي” إن الشركة لديها رؤية محددة في جعل وسط البلد ملتقى لكل فئات المجتمع، وليست محصورة لفئة بعينها، لتصبح منطقة خدمات مختلفة من ترفيه، ومسارح، وسينمات.
وأشار إلى أن المنطقة كانت مزدحمة قبل 30 عامًا، ولم يكن هناك رصيفًا، أما الآن الأمر مختلفًا، وسنجعلها خالية من التحرش بالفتيات والسيدات.