شهدت منطقة صالحة جنوب أم درمان في 27 إبريل 2025، واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين منذ اندلاع الحرب. ففي ذلك اليوم، وخلال محاولة عشرات الأسر مغادرة المنطقة، قامت قوات الدعم السريع باعتراضهم، واعتقال عدد كبير من شبابهم، بلغ عدد القتلى المؤكدين حتى الآن 31 شخصًا.

صورة توثق لحظة اقتياد الضحايا لاعدامهم
صورة توثق لحظة اقتياد الضحايا لإعدامهم
صورة توثق الشروع في حرق جثث الضحايا بعد اعدامهم
صورة توثق الشروع في حرق جثث الضحايا بعد إعدامهم

الضحايا جُرّدوا من ملابسهم، وتم ضربهم وإذلالهم بطريقة مهينة أمام ذويهم، حيث أُجبروا على السير شبه عراة في طابور أشبه بـ”قطيع يُساق نحو الذبح”، قبل أن يتم إطلاق الرصاص عليهم بدم بارد.

عقب تنفيذ الإعدام الميداني، جمعت الجثث فوق بعضها البعض تمهيدًا لحرقها، في مشهد يعكس القسوة المتعمدة والإصرار على التمثيل بالجثث. ولم يسمح لأهالي المنطقة بدفن القتلى.

لا يمكن فهم هذه الجريمة كفعل انتقامي منفرد أو حادثة ميدانية، بل هي حلقة جديدة في سلسلة ممنهجة من الجرائم التي تتبع نمطًا واضحًا من الإرهاب الميداني. هدف هذا النمط هو كسر الروح المعنوية للسودانيين، ومنع أي نوع من الاصطفاف المجتمعي خلف الجيش، سواء من باب الحماية أو الدعم.

الجريمة تحمل توقيعًا واضحًا للقائد عبد الرحمن جمعة، وهو ذاته من أشرف على تنفيذ جرائم إبادة جماعية في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور. من أبرز جرائمه هناك، تصفية والي غرب دارفور خميس أبكر، وتصوير واقعة قتله والتمثيل بجثته، إلى جانب تصفية شباب قبيلة المساليت وتهجير عشرات الآلاف من النساء والأطفال والمسنين نحو دولة تشاد.

عبدالرحمن جمعة - قائد الدعم السريع بامدرمان
عبد الرحمن جمعة- قائد الدعم السريع بامدرمان

نقل عبد الرحمن جمعة إلى أم درمان، بعد تقهقر قوات الدعم السريع في العاصمة، لم يكن مجرد تبديل في القيادات، بل خطوة استراتيجية لإعادة تطبيق سياسة “الأرض المحروقة” في مناطق حضرية مكتظة، ضمن خطة كسر المجتمع بالقوة والترويع.

إعادة الانتشار والتوسع تكتيك الدعم السريع في جنوب وغرب أم درمان

بعد معارك عنيفة في بداية العام، نجح الجيش السوداني في استعادة أجزاء واسعة من جنوب أم درمان، بما فيها منطقة صالحة، في شهر فبراير الماضي. لكن المشهد لم يستقر طويلًا. استطاعت قوات الدعم السريع إعادة تموضعها وفتح خطوط إمداد جديدة من خلال مناطق غرب أم درمان المتصلة جغرافيًا بولاية شمال كردفان عبر طريق الصادرات، ومن خلال امتداد نفوذها في ولاية النيل الأبيض.

هذا الامتداد مكنها من إرسال تعزيزات مستمرة، والتوسع مجددًا نحو الجموعية جنوب شمال أم درمان، حيث شرعت في تنفيذ حملة تهجير قسري للسكان، خصوصًا في القرى الزراعية والمناطق المفتوحة ذات القيمة الاستراتيجية.

التحول الأخطر كان بقيادة عبد الرحمن جمعة في صالحة، حيث اعتمد خطة تقسيم المنطقة إلى منطقتين:

صالحة الشمالية: تم طرد المدنيين منها وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة لقوات الدعم السريع.

صالحة الجنوبية: تم تجميع النساء والأطفال والشيوخ فيها، بينما جرت تصفية أو اعتقال كل من يُشتبه بانتمائه للجيش، أو بمجرد كونه شابًا قادرًا على حمل السلاح.

هذا التقسيم ليس عبثيًا، بل يستند إلى تصور واضح لتحييد الخطر المحتمل، واستخدام المدنيين كأدوات ضغط وسيطرة. كما جرى ارتكاب انتهاكات جنسية وجرائم اغتصاب ممنهجة ضد النساء، في تكرار واضح لأساليب الترويع التي سبق استخدامها في دارفور وغيرها من مناطق النزاع، والتي تهدف ليس فقط إلى الإذلال، بل إلى تحطيم نسيج المجتمع المحلي من الداخل.

 الترويع عبر الإعلام: الجريمة كأداة حرب نفسية

ما يميز مجزرة صالحة عن غيرها من المجازر ليس فقط فظاعتها، بل الطريقة التي تم بها توثيقها ونشرها. إذ قامت قوات الدعم السريع بتصوير الجريمة منذ لحظة الاعتقال وحتى الإعدام، وبثت المقاطع بشكل متعمد على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل، في محاولة واضحة لترويع الشعب السوداني وإرسال رسالة مباشرة: لا أمان لكم حتى في وجود الجيش.

بعض المقاطع أظهرت وجوه جنود معروفين تابعين للدعم السريع، سبق أن وثقوا مشاركتهم في معارك في دارفور ومناطق أخرى. إلا أن قوات الدعم السريع، وفي بيان رسمي، نفت علاقتها بالحادثة، وادعت أن الأفراد الظاهرين في الفيديوهات لا ينتمون لها، بل أنكرت حتى صلة القائد الميداني الذي أصدر الأوامر.

هذا النفي، في ضوء الأدلة البصرية القاطعة، لا يعكس فقط الاستهانة بالرأي العام، بل يكشف عن سياسة ممنهجة لتضليل الإعلام المحلي والدولي، وخلط الحقائق على الأرض، بهدف إضعاف أي جهد قانوني أو حقوقي للمساءلة والمحاسبة.

إلى جانب ذلك، يعكس نشر المقاطع بشكل مدروس– لا عفوي– أن قوات الدعم السريع تعتبر الرعب الإعلامي جزءًا من أدوات الحرب، لا يقل أهمية عن السلاح والتمركز. إنها تستخدم مشاهد القتل كسلاح نفسي يفتك بالمجتمع من الداخل، ويزرع الخوف في نفوس كل من يحاول المقاومة أو حتى البقاء في أرضه.