تعرضت مدينة بورتسودان لهجوم هو الأخطر منذ بداية الحرب في السودان، باستخدام الطائرات المسيّرة من قبل قوات الدعم السريع في الرابع من مايو 2025. استهدفت هذه الضربات مطار المدينة، الميناء الجنوبي، ومستودعات الوقود، وتسببت في أضرار بالغة أدت إلى توقف حركة الطيران، واندلاع حرائق ضخمة، ونزوح مئات السكان من حي ترانسيت القريب من الميناء. واستمرت الحرائق في مستودعات الوقود أربعة أيام قبل السيطرة عليها، ما يعكس حجم الدمار الهائل وفشل أنظمة الدفاع في حماية المنشآت الحيوية في المدينة. كما شمل القصف مواقع مدنية مثل فندق كورال وقصر الضيافة.

صورة لحريق المستشفيات
صورة لحريق المستودعات

الهجوم على بورتسودان يمثل تحوّلًا نوعيًا واستراتيجيًا في مسار الحرب. المدينة كانت حتى ذلك الحين تُعتبر “منطقة آمنة”، وهي مركز الإدارة الحكومية وشريان الإمداد الرئيسي عبر البحر الأحمر. هذا التصعيد يُظهر تنامي قدرات الدعم السريع في استخدام المسيّرات كأداة فعّالة لتوجيه ضربات بعيدة المدى تستهدف البنية التحتية للدولة، في تكرار لأسلوب حروب غير متماثلة يهدف إلى الضغط على السلطة المركزية وخلق حالة من الفوضى العامة. توقيت الهجوم، الذي جاء ردًا على استهداف الجيش لمطار نيالا، يؤكد اعتماد الدعم السريع على “الردع بالردع”، كاستراتيجية لترسيخ معادلة الرعب في المناطق الخاضعة للحكومة.

سحب السفراء وإعلان العداء

تفاعلت هذه الضربات سريعًا على المستوى السياسي والدبلوماسي، حيث اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح والمعدات، ما دفع مجلس الأمن والدفاع لإعلان الإمارات “دولة عدوان” وقطع العلاقات الدبلوماسية معها. في الوقت ذاته، تحدثت تقارير عن وجود دعم تركي للجيش شمل طائرات بيرقدار، في حين ظهر حديث عن طائرة إسعاف تركية وصلت إلى مطار بورتسودان، بعدما شاع عن تعرض وفد تركي لإصابات أثناء القصف. هذا التصعيد يخرج النزاع السوداني من إطاره المحلي إلى صراع إقليمي مفتوح، تدخله أطراف متعددة، تسعى لتأمين مصالحها عبر دعم أطراف النزاع. اتهام الإمارات وتوثيق منظمة العفو الدولية لتورطها في تزويد الدعم السريع بقنابل GB-50A ومدافع AH-4، يعد سابقة خطيرة، ويؤشر إلى احتمال تدويل الحرب ومساءلة قانونية على المستوى الدولي. قطع العلاقات مع أبوظبي، يفتح بابًا لتدهور العلاقات الإقليمية الأوسع، وربما إعادة تموضع السودان في محاور سياسية بديلة. في المقابل، دعم تركي واضح للجيش يضع أنقرة في موقع الطرف المشارك، وإن كان بصورة غير معلنة رسميًا. هذا التداخل يزيد من تعقيد المشهد السياسي، ويخلق بيئة حروب بالوكالة في السودان، لا تختلف كثيرًا عن سيناريوهات اليمن أو ليبيا.

المدنيون يدفعون ثمن التصعيد

لم تتوقف الهجمات على بورتسودان، بل شملت مدنًا ومناطق أخرى مثل كسلا، وأم روابة، وتندلتي، وكوستي، إضافة إلى استهداف الميناء النهري وتدمير مستودعات الوقود فيه. هذه الهجمات أدت إلى موجة نزوح جديدة. من بورتسودان، خاصة مع انقطاع الكهرباء والمياه، وعودة طوابير الوقود والمخابز. المدينة التي كانت ملاذا آمنا للنازحين، أصبحت الآن منطقة غير مستقرة تشهد قصفًا يوميًا من مسيّرات مسلحة بقنابل دقيقة التوجيه. وهو ما يجعل بورتسودان تمثل اليوم “الخاصرة الرخوة” للنظام السوداني المعترف به دوليًا. استهداف المدينة بهذا الشكل يعني توجيه ضربة للرمزية السياسية والوظيفية للدولة في ظل غياب العاصمة الخرطوم. كما أن الاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية يعكس نمطًا واضحًا في سلوك قوات الدعم السريع، يرتكز على فرض حالة من الشلل العام والإرباك الدائم لمراكز اتخاذ القرار. الأزمة الإنسانية الناتجة عن هذا التصعيد تشبه إلى حد كبير مراحل متقدمة من الانهيار المدني، خاصة مع تدهور الإمدادات الأساسية وتوقف الخدمات. هذا السيناريو، قد يدفع بورتسودان إلى ذات المسار الذي عرفته مدن مثل الجنينة ونيالا، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لتثبيت خطوط حمراء واضحة، تحظر استهداف المدنيين والمنشآت الحيوية تحت أي ذريعة.