كتبت- إيمان رشدي

تباطؤ غير مسبوق ربما هو الأعلى منذ سنوات في مؤشر التنمية البشرية حول العالم خلال عام 2024.

فما هو مؤشر التنمية البشرية

 هو مؤشر مركب، يعبر عن مستوى رفاهية الشعوب في العالم، تقاس من خلاله حريات الإنسان واحتياجاته الأساسية ورفاهيته..

كشف التقرير الصادر خلال هذا الشهر عن  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2025 حول التنمية البشرية في العالم، أن العالم الآن يشهد تقدماً ضعيفاً بشكل غير متوقع في معدلات التنمية.

يأتي ذلك في إطار دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يعمل على تعزيز التعاون العالمي بشأن إدارة الذكاء الاصطناعي، وتحقيق التوازن بين الابتكار والالتزام بحقوق الإنسان في ظل التطور التكنولوجي.

التقرير في نسخته الخامسة والثلاثين، صدر بعنوان “الإنسان والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي“، تناول بالتحليل التقدم في مستويات التنمية البشرية عبر مجموعة من المؤشرات، كما رصد إنجاز الدول في مجالات الصحة والتعليم، إلى جانب مستويات الدخل.

 أشار التقرير، إلى أن عام 2024 سجل الانخفاض الأكبر منذ عام 1990 في التقدم المتعلق بمستوى التنمية البشرية في جميع مناطق العالم، وبالأخص المنطقة العربية.

 في حين يشهد العالم أجمع تقدما ضعيفا بشكل غير متوقع في معدلات التنمية البشرية، بدلاً من تعاف مستدام عقب الأزمة الاستثنائية التي شهدتها الفترة 2020-2021- جائحة كورونا–.

وباستثناء سنوات الأزمة تلك، فإن الارتفاع الضئيل في التنمية البشرية العالمية الذي سجله تقرير هذا العام يمثل أقل زيادة، تم رصدها منذ عام 1990، إضافة إلى اتساع فجوة التفاوت بين الدول الغنية والفقيرة.

تقرير مؤشر التنمية البشرية لعام 2025
تقرير مؤشر التنمية البشرية لعام 2025

وهو ما يطرح تساؤلا، حول ما الذي يجعل العالم يشهد هذا الانخفاض غير المسبوق في معدلات التنمية البشرية على الرغم من التقدم المذهل في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

فبينما يتقدم الذكاء الاصطناعي بسرعة البرق، تتباطأ التنمية البشرية، وهو ما يجعل شعوب العالم تقف على مفترق طرق.

فهل سيعيد الذكاء الاصطناعي ترتيب مستقبلنا، ونسير نحو مستقبل يسوده عدم المساواة وتتآكل فيه الحريات؟

يشير أخيم شتاينر- مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أنه إذا أصبح معدل التقدم البطيء المسجل لعام 2024 هو الوضع الطبيعي الجديد، فقد يتأخر إنجاز أهداف جدول أعمال التنمية المُحدد له عام 2030 عقودًا طويلة، مما يجعل عالمنا أقل أمنًا، وأكثر انقسامًا، وأكثر عرضة للتهديدات الاقتصادية والبيئية.

تفاوتات إقليمية… لماذا تواجه المنطقة العربية بطئا في التنمية؟

تواجه إفريقيا تحديات هيكلية كبيرة في مؤشر التنمية، حيث يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانية تحسين التعليم والصحة والزراعة، لكن الأزمة تكمن في البنية التحتية المتعلقة بالكهرباء والإنترنت، حيث تشكل حواجز كبيرة أمام الوصول والاستخدام العادل لكافة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أما عن شرق آسيا، فأوضح التقرير، أنها تمثل قوة عالمية في هذا المجال، حيث تلعب الصين دورا مركزيا في أبحاث الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تعاني من نقص الاستثمار في سلامة الذكاء الاصطناعي، وفي المقابل تواجه أمريكا اللاتينية بطئًا في النمو وتفاوتات كبيرة هي الأخرى.

وفيما يخص منطقتنا العربية، أوضح التقرير، أن الدول العربية وإن كانت تحاول أن تحقق تقدما في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي، وبالأخص في دول الخليج– السعودية والإمارات على سبيل المثال- إلا أن المنطقة العربية ككل تواجه بطئا في تعافي مؤشر التنمية البشرية منذ عام 2020– جائحة كورونا– وما زالت تعاني من فجوات رقمية مستمرة، وقيودا تتعلق بالنوع الاجتماعي، حيث أشار التقرير، إلى أن النساء العربيات يواجهن حواجز اجتماعية، تعرقل مساهماتهن في الثورة الرقمية.

كما سلط التقرير الضوء على اختلاف واضح في واقع الذكاء الاصطناعي والتنمية البشرية في الدول العربية، ففي حين حققت بعض دول الخليج مثلا تقدماً كبيراً في الاستثمارات الرقمية، وأسهمت في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي واسعة النطاق، بقيت معظم الدول العربية الأخرى تعاني من فجوات كبيرة في الاتصال الرقمي والتعليم.

كما أظهر التقرير، أن المنطقة العربية تفقد الكثير من كفاءاتها الرقمية؛ بسبب هجرة المواهب، ما يزيد من الفجوة في قدرات الذكاء الاصطناعي، حيث تدرج الدول العربية ضمن المناطق التي تواجه خسائر كبيرة في مواهب الذكاء الاصطناعي؛ بسبب هجرة العمالة الماهرة إلى مراكز التكنولوجيا العالمية.  

وهو ما يساهم في اختلال التوازن في خبرات وقدرات الذكاء الاصطناعي بين البلدان وبعضها البعض.

يأتي ذلك على الرغم من تلقي منطقة الشرق الأوسط استثمارات بنحو 6.5 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024، وهو ما يجعلها ثالث أعلى منطقة من حيث حجم الاستثمار العالمي.

مستويات التنمية.. أقل من المتوقع

يشير التقرير أيضا إلى أن التعافي من الانخفاض في مؤشر التنمية البشرية، ومحاولة الصعود به في الدول العربية لا يزال بطيئا، بسبب تأثيرات متعددة من بينها التقلبات الاقتصادية، والاضطرابات الجيو سياسية التي تشهدها المنطقة الآن، وهو ما كان سببا لأن تكون مستويات التنمية في المنطقة أقل من المسار المتوقع لها قبل عام 2019.

كما سلط التقرير الضوء على الاختلافات الجوهرية في الوصول الرقمي، فبينما تتمتع بعض الدول العربية بانتشار شبه شامل للإنترنت، تواجه دول أخرى فجوات كبيرة في الاتصال كالمجتمعات الريفية.

وهو ما سبق وأشار الية تقرير أصدره مركز التنمية والدعم والإعلام– دام- ومنصة مصر 360، فيما يتعلق بالحقوق الرقمية داخل مصر، حيث أوضح أن هناك عدم مساواة في وصول المواطنين إلى الإنترنت، وإن كانت الأغلبية تستطيع الوصول إلى الإنترنت المحمول، إلا أنهم يواجهون صعوبة في الوصول للإنترنت الثابت.

رغم ذلك قد سجلت مصر تقدمًا ملحوظًا في تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٢٥ الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث ارتفع مؤشر التنمية البشرية إلى ٠٫٧٥٤ في عام ٢٠٢٣.

الجدير بالذكر، أن بين عامي 1990 و2023، تغيّرت قيمة مؤشر التنمية البشرية في مصر من 0.572 إلى 0.754، أي بنسبة تغيير بلغت 31.8%.

وعليه يشدد التقرير، على أن الذكاء الاصطناعي ليس قوة محايدة، بل انعكاس للقيم التي تحكم المجتمعات، وحث برنامج الأمم المتحدة على تعزيز التعاون الدولي في إدارة هذه التكنولوجيا، بما يخدم أهداف العدالة وحقوق الإنسان، محذراً من أن الفشل في ذلك سيؤدي إلى “خيبة أمل تنموية” على مستوى العالم.  

ودعا التقرير إلى اتباع منهج يرتكز على دور الإنسان في مجالات الذكاء الاصطناعي، وهو أسلوب من شأنه أن يحدث تغييرا جذريا في طرق التنمية.

ويقترح التقرير ثلاثة مجالات حاسمة الأهمية للعمل.

أولا: بناء اقتصاد يتعاون فيه الناس مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من التنافس معه.

ثانيا: دمج دور فاعل للإنسان في دورة حياة الذكاء الاصطناعي الكاملة، من التصميم إلى التنفيذ.

ثالثا: تحديث أنظمة التعليم والصحة لتلبية متطلبات القرن الحادي والعشرين.

https://hdr.undp.org/system/files/documents/global-report-document/hdr2025overviewpreliminaryar.pdf%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1