باتت شركة “ناس للاستثمارات القابضة المحدودة” الإماراتية على بعد خطوات من الاستحواذ على حصة تصل إلى 90% من أسهم شركة “سماد مصر – إيجيفرت”، بعد موافقة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية على الصفقة التي تأتي ضمن مسلسل الاستحواذ الخليجي المستمر على شركات المخصبات الزراعية.

تمتلك “ناس” الإماراتية والأطراف المرتبطة بها حوالي 32.5% في شركة “سماد” بعدد 3.12 مليون سهم، لكنها تريد أن تكون صاحبة الحصة الحاكمة في الشركة بشراء 57% من باقي الأسهم دفعة واحدة، لترفع إجمالي حصتها إلى 90% في شركة تمتلك بدورها حصصا في شركات مهمة للأسمدة.

تملك شركة “إيجيفرت” حصصا، بعدد من الشركات بقطاع الأسمدة، مثل شركة “بولي سيرف” للأسمدة بنسبة 7.7% وشركة أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيماوية بنسبة 0.07%، ومصر للأسمدة والكيماويات والمخصبات الزراعية بنسبة 2.7%، والشركة المصرية للاستثمارات والمشاريع الزراعية بنسبة 7.5% والشركة العربية للكبريت والخامات والكيماويات المصحونة بنسبة 50%.

هل يخدم رأس المال الخليجي الصناعة؟

كالمعتاد، أعلنت شركة “ناس” عن خطة للتوسع الاستثماري، وتنويع الأنشطة، وتعظيم الحصة السوقية، مع التركيز على إعادة الهيكلة الإدارية والمالية باستخدام أفضل المعايير والممارسات الدولية، وتعظيم الإيرادات، وتحسين ظروف التشغيل، وضمان تدفقات نقدية مستقرة، فضلاً عن إعادة توزيع الأصول غير المستغلة لزيادة الكفاءة التشغيلية والربحية.

لكن التجارب الخليجية السابقة لا تضمن تحقيق ذلك الهدف، فشركة أبو قير للأسمدة، التي تسيطر الإمارات والسعودية على حصة كبيرة منها، أعلنت التراجع عن إنشاء مجمع لإنشاء الميثانول والأمونيا بدعوى نقص الغاز، رغم قدرة الدولتين الخليجيتين على توفير الغاز المسال للشركة لتحويله لغاز طبيعي، بمنتهى السهولة.

في الربع الأخير من 2024، حققت الإمارات ثاني أعلى معدل لصادرات الغاز المسال في 2024، عند 1.51 مليون طن، مقابل 1.49 مليون طن في الربع المقارن من عام 2023، وكانت وجهة تلك الصادرات الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وشهد 2024 نجاح شركة أرامكو السعودية، إضافة كميات كبيرة من الغاز، تبلغ 15 تريليون قدم مكعبة قياسية إلى الاحتياطيات المؤكدة بحقل الجافورة للغاز غير التقليدي، لتصل احتياطياته إلى 229 تريليون قدم مكعبة، و75 مليار برميل من المكثفات.

الخليج يمتلك حصصا ضخمة بشركات الأسمدة

قبل عامين، استحوذت السعودية والإمارات على نسبة 45% من شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”، تنقسم بين 20% للصندوق السيادي الإماراتي. و25% لصندوق الاستثمارات السعودي، كما استحوذت الدولتان أيضًا على نسبة 41.3% من شركة أبوقير للأسمدة. وتنقسم بين نسبة 19.8% لصندوق الاستثمارات السعودي. ونسبة 21.5% للصندوق السيادي الإماراتي.

وتراجعت أرباح “موبكو”، بنسبة 63% خلال الربع الأول من العام الجاري، لتصل 2.81 مليار جنيه، مقارنة بربح 7.64 مليار جنيه خلال الفترة نفسها من 2024 بسبب خسائر فروق العملة، وذلك رغم ارتفاع المبيعات إلى 6.34 مليار جنيه، مقابل 4.79 مليار جينه في الفترة المقارنة ذاتها.

كما استحوذ صندوق أبوظبي، السيادي المملوك لدولة الإمارات، قبل عامين أيضا، على 271.57 مليون سهم في شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بما يعادل 21.5% من إجمالي الأسهم، بجانب 20% في شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو“، ما يعادل 45.8 مليون سهم بسعر 5.817 دولارات بقيمة إجمالية 266.6 مليون دولار.

لكن الشركة السعودية المصرية للاستثمار، وهي شركة سعودية مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، قلصت أخيرا، حصتها في شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية من 1.5% إلى 0.54%، وباعت 9.579 مليون سهم من أسهم الشركة مقابل 555.894 مليون جنيه، بمتوسط سعر البيع 58.03 جنيه للسهم الواحد.

لا تزال للمجموعات المرتبطة بالشركة السعودية المصرية للاستثمار تعادل 20.4%، بينما تبلغ حصة شركة الفا أوريكس ليمتد، التابعة للصندوق الإماراتي على 21.5%، ولا تزيد حصة الهيئة المصرية العامة للبترول عن 19.11%. وبنك ناصر الاجتماعي 5.9%

تراجع صادرات السماد المصري وارتفاع السعودي

ورغم الحديث عن ضخ استثمارات جديدة بعد الاستحواذات، تراجع إجمالي قيمة صادرات الأسمدة المصرية من الأسمدة بنسبة 15.5% ليسجل 2.18 مليار دولار، مقابل 2.58 مليار دولار خلال 2023، بانخفاض 399.88 مليون دولار، وفقا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في خطوة تم تفسيرها بانخفاض الأسعار العالمية بنسبة تجاوزت الـ49% مقارنة بعام 2023.

وفي الوقت ذاته، تسابق السعودية الزمن لتكثيف الإنتاج المحلي، وأبرمت شركة “التعدين العربية السعودية” (معادن) عقوداً بأكثر من 900 مليون دولار مع شركتين صينيتين وثالثة تركية لتطوير مشروعها الثالث لتصنيع الأسمدة الفوسفاتية بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 3 ملايين طن سنويا ما يزيد من الإنتاج المحلي.

كما تحتل السعودية المركز السادس ضمن أكبر مصدري للأسمدة في العالم، وتعتبر الأسمدة رابع أكثر المنتجات تصديرًا لها بقيمة بلغت 6.4 مليار دولار عام 2023، وتذهب الصادرات بشكل أساسي إلى الهند (2.4 مليار دولار)، والولايات المتحدة (844 مليون دولار)، والبرازيل ( 804 مليون دولار)، وأستراليا (665 مليون دولار)، وتايلاند (532 مليون دولار).

ويرى الخليجيون، أن مستقبل قطاع الأسمدة بمصر واعدا، فالطلب العالمي متزايد عليها مع الحاجة لزيادة الإنتاجية، كما أن الاستهلاك المحلي مرتفع في مصر مع انخفاض خصوبة  التربة منذ بناء السد العالي، أي أن الربحية مضمونة سواء للبيع المحلي أو للتصدير.

كيف أثرت الاستحواذات الخليجية على العملة؟

برى بعض الخبراء، أن الاستحواذات الأجنبية تسبب ضغطا على سعر الصرف على المدى البعيد، فالمستثمرون يحصلون على أرباحهم في كل عام بالعملة الصعبة، وربما كان ذلك سببا في ارتفاع سعر صرف الدولار في أوقات بعينها، تتماشي مع تحويل الأجانب ومنهم الخليجيين حصصهم من الأرباح بالدولار بالخارج.

وسبق أن تعثرت صفقة بيع المصرف المتحد لصندوق الاستثمارات العامة التابع لصندوق الثروة السيادي السعودي؛ بسبب خلاف على القيمة العادلة للبنك والمرتبطة بسعر صرف الدولار مقابل الجنيه وقت إتمام الصفقة، وفي إبريل 2023، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال“، أن دول الخليج اشترطت لمساعدة مصر خفض قيمة عملتها حينها.

كما اشترطت دول الخليج قبل سنوات وصول الحكومة المصرية لاتفاق مع صندوق النقد من أجل ضخ استثمارات في  مصر حينها، خاصة تخفيض الجنيه الذي يجعل الأصول المصرية أرخص عند تقييمها بالعملة الصعبة.

على سبيل المثال، “سماد مصر” حققت صافي ربح بلغ 111.11 مليون جنيه خلال 2024، مقابل أرباح بقيمة 66.42 مليون جنيه في 2023، كما ارتفعت مبيعات الشركة خلال العام الماضي إلى 295.99 مليون جنيه مقابل 285.19 مليون جنيه في 2023 بزيادة تناهز 4%، وحال امتلاك “ناس” نسبة ٩٠٪ فستحصل على ٩٠٪ من توزيعات الأرباح التي تصرفها سماد مصر، والتي سيتم تحويلها بالدولار إلى الإمارات، ما يخلق طلبا على العملة الأمريكية، ويخفض سعر صرف الجنيه.