كتبت- إيمان رشدي
لاحظت والدته رفضه دخول الحمام، وبعد محاولات لمعرفة السبب، اعترف الطفل بتعرضه لاعتداء جنسي من أحد العاملين بالمدرسة الخاصة التي يدرس بها، هكذا بدأت قصة ياسين صاحب الخمسة أعوام.
حادثة فردية سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام، وأصبحت حديث المصريين على مواقع التواصل مصحوبة بتعاطف كبير.
حادثة ياسين ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فقد تلقى الخط الساخن لنجدة الطفل ما يقدر بـ21 ألف بلاغ خلال عام 2024، تتعلق بمخاطر، شملت العنف الجنسي والجسدي والإهمال.
وقال “صبري عثمان”- رئيس الخط- أن العدد الفعلي أكبر بكثير من تلك الأرقام، موضحا أن السبب من وراء ذلك يرجع إلى خوف الأسر من الوصمة الاجتماعية.
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإن ما يقرب من 120 مليون طفل حول العالم قد تعرضوا لشكل من أشكال التحرش الجنسي.
وفي الدول العربية، تفيد تقارير صادرة عن المجلس العربي للطفولة والتنمية، بأن أكثر من 80% من حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال لا يتم الإبلاغ عنها.
ففي مصر وحدها، تشير الإحصاءات الصادرة عن المجلس القومي للأمومة والطفولة إلى أن البلاغات حول التحرش بالأطفال ارتفعت بنسبة 35% في العامين الماضيين
تشير الأرقام السابقة إلى تصاعد مقلق في حالات هتك العرض والاعتداء الجنسي على الأطفال، ومما يثير الدهشة، أن الأرقام السابقة ربما تبدو أعلى بكثير، نظرا لأن العديد من حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال تلك لا يتم الإبلاغ عنها “خوفاً من الفضيحة” تحت غطاء التستر الاجتماعي.
وتعرف الأمم المتحدة الاعتداء الجنسي على الأطفال، بأنه فرض أفعال جنسية، أو أفعال ذات طابع جنسي من قبل شخص أو أكثر على طفل دون سن البلوغ، ويشمل ذلك أيضا استخدام الأطفال المواد الإباحية، والاعتداء الجنسي من قبل البالغين، والتحرش الجنسي بالطفل.
ومع ازدياد الأعداد وانتشار تلك الوقائع، يطرح التقرير تساؤلا حول فعالية المنظومة القانونية والاجتماعية في حماية الفئة الأكثر ضعفًا في المجتمع.
مفترسون جنسيين.. من يوصف بأنه معتدي
تشير الوقائع إلى أنه لا يوجد وصف ثابت لمن هو معتدي جنسيا على الأطفال لا عمريا ولا حتى من حيث العلاقة بالأسرة.
فقد لا يكون المعتدي محل شبهات أو حتى تظهر علية علامات دالة، ففي كثير من الحالات يكون المعتدي آخر شخص، نتوقع أن يصدر منه هذا الفعل؛ لأنه فرد من العائلة أو صديق مقرب لها، ويعتبره الأهل والطفل شخصًا موثوقًا به.
العديد من الوقائع الآن تصدر عادة، مما يكون من أقارب الأطفال، وهو شخص يستطيع الاقتراب من الطفل والاختلاط به، وفي أحيان أخرى يكون من العاملين أو العاملات بالمنزل، أو المدارس والنوادي التي لا يكون عليها رقابة مناسبة.
فمن المراقب المالي داخل المدرسة، والذي يبلغ من العمر 79 عاما، يقوم بالاعتداء مرارا وتكرارا على طفل، لم يتجاوز الست سنوات داخل حمام المدرسة.
إلى الثلاثيني العاطل، والذي يبلغ من العمر 36 عاما، بعد أن تشاجر مع زوجته في نهار رمضان، وخرج من منزله؛ ليقوم بعد ذلك بالاعتداء على طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية داخل حمام عمومي تابع لمسجد.
إلى مدرب كرة القدم بأحدي نوادي محافظة الإسكندرية، والذي قام بهتك عرض طفلين، أحدهما يبلغ من العمر 10 أعوام، وشقيقه 12 عامًا، بأن تحسس أجزاءً حساسة بجسديهما أثناء التدريب.
هل تعتبر البدوفيليا سبب لانتشار تلك الظاهرة
البدوفيليا هي أحد الاضطرابات النفسية، والتي يكون فيها لدى الفرد البالغ اهتمامًا جنسيًا تجاه الأطفال الذين لم يصلوا سن البلوغ، ومن الممكن أن يتضمن هذا الاهتمام الاعتداء الجنسي على الأطفال، بالإضافة إلى القيام بعدد من الممارسات أو السلوكيات الجنسية غير الطبيعية مع الأطفال.
وفقاً لموقع psychcentral يُصنف اضطراب التحرش بالأطفال كنوع من أنواع اضطراب الشذوذ الجنسي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وهو الأداة التشخيصية الأساسية لأخصائي الصحة النفسية في الولايات المتحدة.
فإن كانت البدوفيليا سببا، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة، أن كل منحرف جنسي ينطبق عليه الاضطراب النفسي، أو أن يكون مصاب بالبيدوفيليا.
أحكام نادرة لكنها بدأت بالظهور
بدأت عقوبة التحرش وهتك العرض كجنحة إلى أن تم تغليظها، وتحولت إلى جناية بعد أن وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري عام 2021 على مشروع قانون يدعو إلى تعديل قانون العقوبات الخاص بالتحرش الجنسي.
فحسب قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، الخاص بالتعرض للغير والتحرش الجنسي، فإن العقوبة وفقا للمادة 306 تصل إلى سنة حبس وغرامة تعادل 10 آلاف جنيه.
ومع تغير الوضع عمل المشرع المصري علي معالجة جريمة التحرش الجنسي تلك في عام 2014، من خلال تغليظ العقوبة، حيث تم إصدار تعديلات على قانون العقوبات تضمنت توسيع نطاق تعريف التحرش وتشديد العقوبات.
وفقًا للتعديل الحديث لقانون العقوبات المصري، تم النص على معاقبة مرتكبي هتك عرض الأطفال دون 18 عامًا بالسجن بين 7 إلى 15 عامًا من السجن.
وتٌشدد العقوبة، إذا كان الجاني ممن لهم سلطة على الطفل، مثل الأب أو المدرس أو أي شخص، يقع على عاتقه مسؤولية رعاية الطفل، نظرًا لاستغلاله الثقة التي الممنوحة له.
وفي بعض قضايا هتك العرض قد تصل العقوبة للإعدام، كما أن القانون يشدد العقوبة، كلما كان سن الطفل أو الطفلة أصغر، فإذا كان الطفل أو الطفلة أقل من 7 سنوات يعاقب المتهم بعقوبة أقصى، وتشدد العقوبة، إذا فقدت الضحية عذريتها، كل قضية تختلف حسب تفاصيلها.
تنص المادة 267 من قانون العقوبات المصري المعدل رقم 141 لسنه 2021، على أن من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، وتُشدد العقوبة إلى الإعدام إذا كانت المجني عليها لم تتجاوز 18 عامًا، أو إذا كان الجاني من أصولها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها، أو ممن لهم سلطة عليها، أو كان خادمًا لديها، أو إذا تعدد الجناة.
بينما المادة 268 من القانون ذاته، تنص على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد، وتشدد العقوبة، إذا كانت الضحية دون 18 عامًا أو كان الجاني ممن ورد ذكرهم في المادة 267، وإذا اجتمع الظرفان، أي صغر سن الضحية وانطباق صفة الجاني، تكون العقوبة السجن المؤبد.
ويكمن الفرق بين التحرش وهتك العرض؟
التحرش هو جريمة ترتكب من قبل بالغ ضد بالغ، سواء بالقول أو بالملامسة، وقد تتحول إلى جريمة هتك عرض في حالات الاعتداء على المناطق الحساسة أو الاغتصاب.
وهتك العرض، في هذا السياق يقصد به ملامسة الجاني لأعضاء عفة المجني عليه دون رضاه، وقد يكون المجني عليه ذكرًا أو أنثى، ولم يفرق القانون بين الجريمة الكاملة أو الشروع فيها في تطبيق العقوبة.
وعند الأطفال فالأمر يختلف، فبمجرد ملامسة جسده أو مناطقه الحساسة، يعد جريمة هتك عرض وفقًا للقانون، وذلك لأن جسد الطفل يتمتع بحرمة مشددة، كونه غير قادر على حماية نفسه أو إدراك الاعتداء الواقع عليه.
المعالجة تحتاج تغييرا ثقافيا عميقا
لا يزال الحديث عن الجنس أو الاعتداء الجنسي في العديد من المجتمعات المصرية من الممنوعات، وهو ما يمنع الأطفال من فهم مفهوم اللمس غير الآمن أو الإبلاغ عنه
يُضاف إلى ذلك
ضعف التواصل بين الأهل والأطفال، حيث يتردد الطفل في مشاركة أو سرد تجربة مؤلمة؛ خوفًا من العقاب أو حتى اللوم، وهو ما ينبغي معالجته اجتماعيا بزيادة كافة وسائل الوعي المطلوبة سواء داخل المدارس أو في المنزل.
كما أن المدارس يجب أن تتحمل مسؤولية توعية الطلاب حول حقوقهم وسلامتهم الشخصية، مع إدخال برامج تدريب إلزامية للمعلمين والعاملين على كيفية التعامل مع هذه القضايا واكتشافها مبكرًا.
وهو ما يتطلب تركيب كاميرات مراقبة في المناطق الحساسة بالمدارس، وإجراء فحوصات نفسية دورية للعاملين كمحاولة للحد من ارتكاب هذه الجرائم.
كذلك، يتعين على وسائل الإعلام إضافة إلى الدراما، أن تلعب دورا أكبر في التوعية وكسر حاجز الصمت.