كتبت- دعاء عبد المنعم
مليون و422 ألف فتوى، صدرت خلال عام 2024، عن دار الإفتاء المصرية، وشكلت فتاوى الأسرة 67% من إجماليها.
مؤخرا، وافق مجلس النواب نهائياً على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، والذي قال إنه يستهدف مواجهة الفتاوى التي تصدر بغير ضابط أو إطار قانوني.
القانون الجديد الذي ينتظر تصديق رئيس الجمهورية، اختص بالفتوى الشرعية “العامة” كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر، ودار الإفتاء المصرية.
وألزم القانون المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، عند نشر أو بث الفتاوى الشرعية أو استضافة أشخاص للإفتاء الشرعي أو تنظيم برامج للفتوى الشرعية، بأن يكون ذلك من خلال الفئات المشار إليها في المادة (3) من القانون.
ووفقا للمادة الثالثة من القانون، يتولى اختصاص الفتوى الشرعية “العامة” هيئة كبار العلماء بالأزهر، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، بينما يختص بالفتوى الشرعية “الخاصة”، كل من: هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية، أو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أو اللجان المشتركة التي يتم إنشاؤها، أو أئمة الأوقاف الذين ينطبق عليهم الشروط والمنشأة بموجب أحكام المادة الرابعة من هذا القانون.
عقوبات
وحدد القانون عقوبة من يخالف قواعد نشر فتوى غير المختصين، وفقا للمادة الثامنة، والتي تنص بالحبس مدة لا تزيد علي 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العود تضاعف العقوبة، وفي جميع الأحوال يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري المخالف بذات العقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، إذا ثبت علمه بها، وكان إخلاله بالواجبات التي تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم في وقوع الجريمة.
اعتراضات.. ما قبل الإقرار
قبل إقرار القانون وأثناء مناقشته في البرلمان، واجه اعتراضا من الأزهر على المادة الرابعة بالخصوص إنشاء لجان فتوى تابعة لوزارة الأوقاف، وتم التعديل لتصبح مشتركة من الأزهر والإفتاء والأوقاف، ونصت المادة الرابعة بعد التعديل على:
تنشأ بقرار من الوزير المختص بشؤون الأوقاف داخل وزارة الأوقاف لجان مشتركة من الأزهر والإفتاء والأوقاف، برئاسة ممثل الأزهر، ويشترط فيمن يلتحق بهذه اللجان الشروط والضوابط:
ألا يقل السن عن 30 سنة.
أن يكون من خريجي إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر.
ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية.
أن يكون معروفًا بحسن السمعة معروفًا بالتقوى في ماضيه وحاضره.
أن يكون له إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية.
اجتياز برامج التدريب والتأهيل التي تعدها هيئة كبار العلماء.
التصديق على اجتياز البرامج من هيئة كبار العلماء، وتضع شروطا وحالات.
الترخيص ونوعه ومدته، ولا يعد الترخيص بالفتوى عبر الوسائل الصحفية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا إذا ذكر ذلك صراحًة، في حالة المخالفة يحق لهيئة كبار العلماء إصدار مذكرة لوقف الترخيص.
يتم تحديد أماكن عمل ومقرات عمل هذه اللجان بالتنسيق بين الأزهر ودار الإفتاء المصرية والأوقاف.
كما حدد القانون في حالة تعارض الفتاوى الشرعية، يرجح رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر.
كما لقى القانون اعتراضات من بعض البرلمانيين ومؤسسات أخرى، حيث طلب نقابة الصحفيين تعديل المادة الثامنة من القانون، لحذف بند الحبس حال نشر وسائل الإعلام المختلفة فتاوى صادرة عن غير المختصين، والاكتفاء فقط بالغرامة، بسبب عدم دستوريتها، حيث تتعارض ومادة 71 من الدستور المصري، التي تمنع الحبس في النشر.
وتنص مادة 71 من الدستور على “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون”.
رغم الاعتراض وافق البرلمان على القانون دون تعديل المادة.
فوضى الفتاوى.. والترند
وكان المؤشر العالمي للفتاوى التابع لدار الإفتاء المصرية، كشف خلال عام 2024، عن دارسة تحليلية لعينة من الفتاوى المضللة، قدرت بـ300 فتوى ورأي، وأن حوالي 39% من الفتاوى العشوائية نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و28 % عبر المواقع الإلكترونية والمنتديات، و22% عبر البرامج الفضائية، و11 % عبر تطبيقات الهواتف.
وكشف عن أسباب فوضى الفتاوى الخاصة بالمفتي -أي من يقوم بالإفتاء وليس من يشغل منصب المفتي- ويأتي أبرزها التطور التكنولوجي، واتساع الفضاء الرقمي، وتصدُر غير المؤهلين للفتاوي، والتشويش على المؤسسة الدينية الرسمية المسئولة عن الإفتاء، والتسرع في إصدار الفتوى، وطلب الشهرة والترند، والتعصب المذهبي وعدم التوسط.
بينما أوضح أسباب فوضى الفتاوى بالمستفتي وهي: الجهل الديني، والاستفتاء دون الحاجة بغرض المجادلة، والاعتماد على الشبكة العنكبوتية في الحصول على الفتاوى، والتساهل في الاستفتاء، والخلط بين المفتي -أي من يصدر الفتوى- وغيره.
وفي حين كشف عن الأسباب المتعلقة بالوسيلة الإعلامية، وهي: استخدام الفتوى لأغراض تجارية، وعدم وعي بعض الإعلاميين بالارتباط الزمني للفتوى وطرحها للمستفتي، والسعي خلف شخصيات مثيرة للجدل للوصول إلى الترند.
وذكر التقرير وجود ثلاثة منابع لفوضى الفتاوى وهي: فتاوي الشائعات التي تهدف إلى إثارة الفتن، وفتاوى الترندات التي تهدف إلى تحقيق الشهرة والانتشار السريع على حساب الثوابت الدينية، وفتاوى المنابر الإلكترونية التي تعتمد على منصات التواصل الاجتماعي، لكي يكون مثلث فوضى الفتاوى (الشائعات، الترندات، المنابر الإلكترونية).
واعتبر المؤشر العالمي للفتاوى التابع لدار الإفتاء المصرية، أن أبرز الفتاوى السلبية التي أحدثت جدلًا كبيرًا، وتسببت في فوضى دينية ومجتمعية، كانت الفتوى التي تجيز سرقة المياه والكهرباء والغاز، والفتوى الأخرى التي طالب مُصدِرُها فيها بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
تنظيم أم تقييد
لم يقوض القانون، حسب صُناعه حرية البحث العلمي، وفتح باب الاجتهاد، حيث تنص المادة الأولى منه على عدم سريان أحكامه على حرية تناقل الفتاوى الشرعية، والدعوة أو إعداد الرسائل والدراسات والأبحاث العلمية في مجال الفتوى، وتسري أحكام القانون فقط على الفتوى الشرعية والمتخصصين بها، وتأتي هذه المادة من منطلق مادة 23 من الدستور، والتي تنص على “تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين”.
هيئة كبار العلماء.. المرجعية واليد العليا
تتعدد صلاحيات هيئة كبار العلماء بالأزهر، فأصبحت المسئولة عن إصدار الفتاوى الشرعية العامة والخاصة، كما أنه يتم ترجيح رأيها في حال تعارض الفتاوى الشرعية، كما أنها تُعد برامج التدريب والتأهيل باللجان المشتركة والتصديق على اجتياز البرامج، ويحق لها إصدار مذكرة لوقف الترخيص في حالة المخالفة.
وليس جديدا على العالم الإسلامي سن مثل هذه القوانين في هذا المجال، ففي المملكة الأردنية الهامشية صدر قانون للإفتاء عام 2006، والذي ينص كما القانون المصري الجديد على عقوبة الحبس عن مخالفة إصدار الفتاوى لغير المختصين.
ويبقى في الأخير كما في الأول السؤال:
هل ينهي القانون الجديد عصر فوضى الفتاوى؟ هذا ما ستأتي إجاباته سريعة في مستقبل غالبا لن يكون بعيدا.