تواصلت هجمات الطائرات المسيرة التابعة للدعم السريع على عدة مواقع هامة مستهدفة مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الحالية مع تحليق شبه دائم، ومحاولات للتصدي من قبل دفاعات الجيش. في نفس الوقت، هاجمت المسيرات قبل أيام ثلاث محطات تحويلية للكهرباء في أم درمان، شملت محطة ود البخيت، ومحطة القلعة، ومحطة المرخيات، مما أدى لإظلام شبه كامل للعاصمة الخرطوم.

أما في كردفان، فبعد سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود، تم تعيين قائد للمدينة على غير عادة الدعم السريع الذي يهاجم المدن دون التمركز فيها، حيث عين اللواء حامد عبد الغني تيراب قائداً لها. وواصلت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الخوي للمرة الثالثة خلال شهرين بعد تبادل السيطرة مع الجيش، وارتكبت خلال سيطرتها نهباً واسعاً وقتلاً للمدنيين، وتم توثيق فيديو لتصفية عناصر من الجيش بعد حشد قواتها من مدن غبيش والمجلد بغرب كردفان، ومن مدينة الدبيبات من اتجاه جنوب كردفان.

يبدو أن المنطقة ذات أهمية عالية في هذا التوقيت للدعم السريع لدرجة حشد قواته من محور الفاشر باتجاه غرب كردفان، ما يسمى محلياً بـ”الفزع”. هذه الأهمية تأتي في سياق السيطرة على معاقل الجيش في مدينة الأُبيض، من ثم إسناد قواتها في العاصمة التي بدأت إعادة تموضعها في جنوب وغرب أم درمان وتحديدا مناطق الجموعية والصالحة والفتيحاب.
هذا التموضع صاحبته عمليات انتقامية بحق المواطنين من إعدامات ميدانية مباشرة على غرار سيطرتها السابقة التي حاولت فيها المليشيات التعاطي مع المواطنين، على الرغم من فشلها، إلا أنها هذه المرة، تركت للمواطنين خيارين فقط: إما الموت أو الفرار، وهي وقائع أثبتتها الأحداث المفجعة في مناطق الصالحة والجموعية، وأكدتها استهداف محطات الكهرباء لتهجير المدنيين.
هذه الأحداث أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. بعد عودة أعداد مقدرة من السودانيين إلى ديارهم بعد سيطرة الجيش، بدأ المواطنون بالنزوح للمرة الثانية، وآخرون عادوا للملاجئ، على الرغم من محاولتهم الحثيثة للتكيف مع الوضع الإنساني المزري في السودان. لجأ العائدون إلى اعتماد المطابخ الجماعية التي أصبحت تدار بشكل شبه كامل من قبل المغتربين، خاصة بعد توقف التمويل الرئيسي من الولايات المتحدة الأمريكية والاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للطاقة للمواطنين.
إن محاولة التكيّف هذه قد تنهار بمجرد إطلاق أول طلقة للدعم السريع، خاصة مع نواياه المعلنة للانتقام، كما حدث في الصالحة وأثناء انسحابه في بداية العام الحالي.
أحداث متسارعة وضربات موجعة
الأربعاء، شنت قوات الدعم السريع هجمات عنيفة ومتعددة في ولايات شمال وجنوب كردفان، مستهدفةً المدنيين وأماكنهم. ففي شمال كردفان، هاجمت قوات الدعم السريع قرية أم تقر الواقعة شمال شرق مدينة الأبيض، حيث اقتحمت السوق، وقتلت أربعة مواطنين وأصابت آخرين، ونهبت متاجر السوق، كما قامت بحرق عدد من المنازل ونهب المواشي والأغنام.
وفي نفس اليوم، استهدفت قوات الدعم السريع قرية الشقة العمدة شمال غرب مدينة الدبيبات في جنوب كردفان، حيث قتلت خمسة مواطنين، وأصابت آخرين، إلى جانب التنكيل بالأهالي ونهب ممتلكات القرية.
كما شنت قوات الدعم السريع قصفًا مدفعيًا مكثفًا على الأحياء السكنية بمدينة الأبيض، خصوصًا نواحي مدينة بارا، مما أسفر عن استشهاد أربعة مواطنين، وإصابة ثمانية آخرين بإصابات متفاوتة، يتلقون العلاج في مستشفى الأبيض التعليمي، إضافة إلى وقوع أضرار مادية جسيمة في عدد من المنازل في مناطق متفرقة داخل المدينة.
وفي تصرف انتقامي آخر، أعدم أفراد من الدعم السريع الصيدلي أحمد محمد علي رمياً بالرصاص في ميدان منطقة قليصة بولاية غرب كردفان، كما أصابوا شابين إصابات بالغة، وذلك بتهمة التخابر مع الجيش .
نزوح جديد ومعاناة متكررة
أدى استهداف محطات الكهرباء وعودة موجات العنف إلى نزوح مئات المدنيين مجددًا، بعد أن كانوا قد عادوا إلى ديارهم مع سيطرة الجيش. ولكن الوضع الميداني المتقلب وانهيار الحد الأدنى من الأمان أعاد الناس إلى الملاجئ، حيث تحاول المجتمعات التكيف مع أوضاع إنسانية شديدة التدهور، بالاعتماد على مطابخ جماعية، تديرها جهود المغتربين، في ظل توقف شبه تام للتمويل الدولي، خاصة من الولايات المتحدة. كما تحولت ألواح الطاقة الشمسية إلى المصدر الرئيسي للطاقة.
إلا أن هذه المحاولات البسيطة للتأقلم تبدو هشّة في مواجهة أي تصعيد جديد من الدعم السريع، الذي أظهر نوايا واضحة للانتقام، كما حدث في الصالحة وفي أثناء انسحابه من بعض المناطق بداية العام.
تتزامن هذه التطورات الميدانية مع أزمة سياسية ودبلوماسية خانقة، إذ تزايد نفوذ التيارات المتشددة داخل الطرفين، ورُفضت كل المبادرات للتفاوض أو التهدئة. في المقابل، بات التيار الشعبي أكثر ميلًا نحو القبول بأي حل، ينهي الكارثة، بعد أن طال أمد الحرب، ودخلت عامها الثالث دون أفق للحل، وسط انهيار متسارع لكل مظاهر الحياة المدنية في السودان.