كتبت- إيمان رشدي
تفاجأت آية– السيدة العشرينية– بطبيبها يخبرها أن هناك خطورة على حياة الجنين، وهو ما يتطلب الولادة القيصرية.
لتصبح مجبرة على الخضوع لعملية الولادة القيصرية دون تفكير أو انتظار، بعدما كانت تؤيد الولادة الطبيعة، لما لها من تأثير إيجابي على صحة الأم والطفل.
وتذكر آية، أنها قبل يوم واحد فقط من موعد العملية القيصرية، أرادت أن تطمئن على جنينها، وتلجأ إلى طبيب آخر.
وبمجرد التصوير بجهاز السونار لجنينها، أكد أنها ليست بحاجة إلى إجراء العملية القيصرية، ووضع الجنين جيد، ليتضح لها بعد ذلك، أن بعض الأطباء يفضلون إجراء عملية الولادة القيصرية، ربما لسهولتها أو لارتفاع تكلفتها، والتي تبلغ ضعف الولادة الطبيعية.
تشير الأرقام إلى ارتفاع نسب العمليات القيصرية، حيث أصدرت وزارة الصحة عام 2023 إحصائية، أعلنت خلالها، أن مصر تحتل المرتبة الرابعة في العالم في معدل إجراء هذا النوع من الولادة، حتى باتت الولادة القيصرية هي الأساس والولادة الطبيعية هي الاستثناء.
الإحصائية السابقة أوضحت أن نسبة العمليات القيصرية تقارب خمسة أضعاف المعدل الموصي به من قبل منظمة الصحة العالمية، والذي يتراوح بين 10% و15%.
النسب لم ترتفع بشكل كبير فحسب، بل حدث الارتفاع خلال وقت قصير، فبعد أن كانت عمليات الولادة القيصرية تشكل 52% من إجمالي الولادات عام 2014، جاء عام 2021 لتصبح 72%.
وكشفت دراسة أصدرتها منظمة الصحة العالمية– المكتب الإقليمي للشرق الأوسط– فيما يتعلق بانتشار عمليات الولادة القيصرية داخل مصر، أن معدل الولادة القيصرية أعلى في المناطق الريفية من المناطق الحضرية، كما أظهرت الدراسة ارتباط معدلات الولادة القيصرية المرتفعة ارتباطًا وثيقًا بالشرائح الاجتماعية العليا، وانخفاض عدد الأطفال.
” كارثية”.. يجب التصدي لها
هكذا وصفت نائبة وزير الصحة والسكان المصري الدكتورة عبلة الألفي نسبة الولادة القيصرية داخل مصر خلال ورشة عمل، تم تنظيمها من قبل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، مؤكدة أن مصر من أعلى معدلات العالم في الولادة القيصرية.
وقد بلغت أعداد المواليد الجدد في العام الماضي مليوني طفل، من بينهم 72 في المائة بولادة قيصرية، وهو ما يشكل نحو مليون ونصف المليون طفل.
ربما تعود تلك النسب المرتفعة إلى أسباب عدة مشتركة بين الأطباء والسيدات، فغياب المعلومات المرتبطة بمخاطر الولادة القيصرية، ربما تدفع بعض النساء لاختيار الولادة القيصرية، بديلا عن الولادة الطبيعية، باعتبارها النموذج الأسهل، بل والأسرع وبلا ألم كما يعتقدن.
تكمن الخطورة في استسهال عمليات الولادة القيصرية بشكل عام، وعدم الانتباه لمخاطرها، فالسيدات يطلبن من الأطباء عدم الخضوع للولادة الطبيعية، رغم أن قرار الولادة القيصرية يجب أن يخضع لقرارات وآليات طبية، وليس للتفضيلات الشخصية.
على الجانب الآخر، تفتقر المنظومة الصحية لمقومات الولادة الطبيعية، وأبرزها عدم وجود مختصات مدربات لمساعدة الطبيب، ومرافقة السيدة خلال عملية التوليد.
المستشفيات وبالأخص الحكومية منها، ما زالت غير مجهزة لتستمر سيدة لفترة قد تزيد عن 12 ساعة في ممارسة تمارين، تواجه من خلالها آلام وتقلصات الولادة، خصوصاً مع انخفاض الكادرات الطبية والتمريض، علاوة على خوف ورهبة السيدات من الولادة الطبيعية لغياب التوعية.
الأكثر ربحية
وتقول عضوة لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، الدكتورة إيرين سعيد، إن للأمر جانباً مادياً أيضاً، فحتى لو تساوى أجر الطبيب في العمليتين، فإنه يستطيع في مقابل الوقت الطويل الذي يجري فيه عملية طبيعية واحدة، أن يحصل على أضعاف الرقم عن طريق إجراء أكثر من عملية قيصرية في زمن عملية طبيعية واحدة، خصوصاً في العيادات الخاصة.
فالعمليات القيصرية بشكل متزايد، تصنف على أنها الخيار الأكثر ربحية، وقد أوضحت دراسة أجريت عام ٢٠١٧، أن النساء اللواتي يلدن في المستشفيات الخاصة أكثر عرضة للخضوع لعمليات قيصرية مقارنة بغيرهم من المستشفيات العامة، حيث تضاعف معدل العمليات القيصرية في المرافق الخاصة بأكثر من أربعة أضعاف بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠١٤.
ويمكن إرجاع ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في المستشفيات الخاصة إلى عدة عوامل منها، عدم الالتزام باللوائح الحكومية، وتفضيل الجمهور للمرافق الخاصة التي تتميز بتقنيات طبية متطورة ورعاية أكثر بالمرضي، وخاصةً في حالات مضاعفات الولادة.
على الرغم من ارتفاع تكاليفها ومخاطرها الصحية، ينظر إلى العمليات القيصرية بشكل متزايد، على أنها الخيار الأكثر راحة وأمانًا، نظرًا للاعتقاد السائد، بأن الأطباء يفضلونها ووفقًا لمسح أجرته وزارة الصحة المصرية عام ٢٠١٥ ، تعتقد ثماني من كل عشر نساء متزوجات تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٤٩ عاما، أن الأطباء يفضلون هذه النوعية، وعليه تجد العديد من العائلات نفسها مضطرة إلى اختيار عمليات الولادة القيصرية المكلفة- والتي غالبا ما تكون غير ضرورية.
وقد عزز هذا بدوره نهجا قائما على الربح في قطاع الرعاية الصحية، حيث ينظر إلى العمليات القيصرية بشكل متزايد، على أنها الخيار الأكثر ربحية.
عنف ضد النساء
اتجاه عالمي ينظر للعمليات القيصرية بوصفها عنفاً ضد السيدات اللاتي يتعرضن لجراحة وتخدير دون الحاجة لذلك، وعليه تصنف الولادة القيصرية دون مبرر طبي أحد أشكال العنف الممارس ضد النساء.
فيما جاءت توصيات منظمة الصحة العالمية؛ لتؤكد على أنه يجب أن تتوقف الولادة القيصرية دون ضرورة طبية؛ نتيجة الأضرار الجسدية، بل والنفسية على حياة النساء.
أفادت منظمة الصحة العالمية، أن العديد من النساء يتعرضن لسوء المعاملة أثناء الولادة في مرافق الرعاية الصحية، وهو ما يعرف بالعنف التوليدي، فما هو العنف التوليدي؟
يعد العنف التوليدي أحد أنواع العنف ضد المرأة، حيث يمكن أن تتعرض النساء في أثناء الولادة لأنواع مختلفة من العنف، مثل عدم احترامهن والإهانات اللفظية، والعنف الجسدي وغير ذلك من الإجراءات الطبية الغير ضرورية مثل، العمليات القيصرية غير الضرورية، أو أن يحتجزن في مرافق بسبب عدم دفع المال.
فهذه بعض أنواع العنف ضد المرأة التي يتم إهمالها، وما يعقد القضية بشكل أكبر هو نقص المعلومات والوعي، ما يجعل من الصعب منع هذا النوع من العنف والقضاء عليه.
حيث يشكل العنف التوليدي مجموعة من العوامل المختلفة، كما تلعب الأعراف الاجتماعية دورًا مهمًا في قبول العنف ضد المرأة، وعادة ما تظل النساء صامتات بشأن العنف الذي يواجهن في المستشفيات؛ لأنهن يعتبرنه أمرا طبيعيًا، ويرجع ذلك إلى الصورة النمطية لديهن حول عملية الولادة، وهو ما يستوجب إدراك أهمية كسر حاجز الصمت، وبدء توعية النساء حول مخاطر تلك العملية.
وفي إطار التوعية الصحية، توصي العديد من المؤسسات بوقف الولادة القيصرية في مصر، باعتبارها أحد أشكال العنف ضد النساء، وضرورة التوقف عن هذا الإجراء إلا للضرورة الطبية.