شهدت البورصة «الخميس» سلسلة صفقات من الحجم الكبير لنقل حصص حكومية من الهيئة القومية للبريد إلى وزارة المالية بقيمة تناهز 9 مليارات جنيه، ما أثار تساؤلات حول تزامن نقل ملكية تلك الشركات مع وجود بعثة صندوق النقد الدولي بمصر، التي تنتقد “تأخر” الحكومة في تقليص دورها بالاقتصاد.

تضمنت الصفقات بيع 147.04 مليون سهم بالشرقية للدخان “إيسترن كومباني” بقيمة 4.8 مليار جنيه، و35.3 مليون سهم بشركة “أبوقير للأسمدة” بقيمة 1.75 مليار جنيه، و51.98 مليون سهم بـ”الإسكندرية لتداول الحاويات” بنحو 1.2 مليار جنيه، و11.3 مليون سهم بـ “القابضة المصرية الكويتية” بقيمة 286.8 مليون جنيه.

كما تضمنت الصفقات أيضًا: 11.4 مليون سهم بـ”سيدي كرير للبتروكيماويات” بقرابة 237.6 مليون جنيه، و14.5 مليون سهم بـ”موبكو” بقيمة 555.6 مليون جنيه، و9.4 مليون سهم في “المصرية للمنتجعات السياحية” بقيمة 80 مليون جنيه، و44.14 مليون سهم بـ”أموك” بقيمة 327.7 مليون جنيه. وتأتي هذه الصفقات ذات الوزن الكبير في الوقت الذي طالبت فيه خبيرة وأكاديمية بارزة الحكومة أن تتوخى الرشد في التنفيذ.

من اشترى ومن باع؟

لا تشترط آلية “الصفقات الكبرى” الإعلان عن اسم المشتري أو البائع، كما لم تصدر أي من الشركات التي شملتها عمليات البيع نموذج إقرار إفصاح، يتضمن التغير الذي حدث في ملكيتها، ما جعل المشتري غير معروف.. ونظام الصفقات ذات الحجم الكبير، وهو نظام الهدف منه تنفيذ الصفقات ذات الأحجام الكبيرة لتحييد أثرها على سعر الورقة المالية بالسوق، أي أن الهدف منها إجراء صفقة، بدون أن ينعكس ذلك الأمر على سعر السهم في البورصة وقت التنفيذ.

تبين أن البائع والمشتري، كانت الحكومة نفسها، فالبائع كان الهيئة القومية للبريد التي تخارجت من رأسمال تلك الشركات لصالح صندوق يتبع وزارة المالية، وفاء لمديونيات مستحقة، وفي إطار فض التشابكات المالية بين الجهات الحكومية.

باعت الهيئة القومية للبريد، الخميس، نحو 4.9% من أسهم “إيسترن كومباني”، و2.8% من أسهم شركة “أبوقير للأسمدة”، و1.7% من حصتها بـ”شركة الإسكندرية لتداول الحاويات”، و3.4% من “شركة أموك”، بالإضافة إلى 1.5% من “سيدي كرير”، و1.1% من أسهم “القابضة المصرية الكويتية”، و0.7% من “موبكو”.

الغريب، أن تلك الحصص التي تم بيعها، كان «البريد» قد اشتراها في نهاية العام الماضي من بنك الاستثمار القومي، وهو بنك حكومي أيضًا في ديسمبر من العام الماضي، قبل أن يعيد بيعها خلال خمسة أشهر فقط من الشراء.

كان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد عقد اجتماعا خلال مارس الماضي لمتابعة التشابكات المالية بين الهيئة القومية للبريد، وبنك الاستثمار القومي، وتم عقد اجتماع ثان في 19 مايو الجاري، لاستعراض موقف تنفيذ بروتوكول تسوية مديونية الهيئة القومية للبريد لدى بنك الاستثمار، بما يُسهم في فض التشابكات المالية بين الطرفين، ويحل مشكلات مُتراكمة منذ سنوات.

هل تعيد “المالية” البيع؟

مع أيلولة حصص البريد لوزارة المالية، فمن المحتمل أن تعيد وزارة المالية طرحها أمام مستثمرين رئيسيين، أو في إعادة بيعها في البورصة لاستئناف تنفيذ برنامج الطروحات، خصوصًا مع قرب نهاية العام المالي الحالي.

ما يرجح التوقعات في هذا الصدد، أن العديد من الشركات التي تم بيع حصص فيها “الخميس” تم استهدافها من قبل رأس المال الخليجي قبل سنوات، كشركة “الشرقية للدخان” التي تمتلك فيها شركة جلوبال للاستثمار الإماراتية 30%.

من بين الشركات التي ضمتها مبيعات الخميس أيضًا: شركة الإسكندرية لتداول الحاويات التي اشترت فيها الإمارات 476.7 مليون سهم بقيمة إجمالية 186.1 مليون دولار، وشركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية التي اشترت فيها 126.2 مليون سهم من أسهمها، وكذلك شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو” التي اشترت الإمارات فيها 45.8 مليون سهم بقيمة إجمالية 266.6 مليون دولار.

عالية المهدي: على الحكومة أن تكون رشيدة

تقول الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الحكومة إذا كانت مصممة على تنفيذ برنامج الطروحات، فلتكن رشيدة في تنفيذه، فإذا كان صندوق النقد يريد تقليل وزن المؤسسات العامة في النشاط الاقتصاد، لكن ذلك لا يعني التخلص من الشركات بلا قيد ولا شرط.

أضافت المهدي، أن البيع يجب أن يكون مقننًا ومفيدًا للشعب المصري، قبل أن يكون مفيدًا للحكومة والصندوق والمشترين، وذلك عبر دعوة لثلاث شركات مستقلة لتقييم كل أصل من الأصول، وأن يتم الاستقرار على أفضل التقييمات، مقترحة طرح جزء من الأسهم لا يقل عن 30٪؜ في البورصة للجمهور، خاصة في حالة الشركات الكبرى ذات النشاط الاحتكاري، وقد يكون على مراحل.

حال الإصرار على البيع لمستثمر رئيسي، يكون ذلك مقترنًا بعدة شروط أهمها، أن يتم ضخ استثمارات سنوية تقدر بقيمة متفق عليها خلال السنوات الخمس الأولى من الشراء، وألا يتم بيع الأصل لأي مستثمر آخر قبل السنوات الخمس الأولى، وبدون موافقة الحكومة، وتكون أولوية الشراء للشركات المصرية، بحسب المهدي.

من ضمن شروط البيع لمستثمر رئيسي “الحديث لا يزال لعالية المهدي” ألا يتم الاستغناء عن العمالة، بل يتم تدريبهم وتجديد العقود لهم وفقا لمقتضيات الحد الأدنى للأجر المحدد بواسطة الحكومة، وأن يتم إعادة استثمار 20٪؜ من الأرباح بعد دفع الضريبة داخل مصر.

مدبولي: الطروحات مفيدة

من الجانب الحكومي كان الدكتور مصطفى مدبولي، قد قال خلال لقائه ببعثة صندوق النقد الدولي قبل خمس أيام، إن الحكومة المصرية ملتزمة باستمرار العمل على برنامج الطروحات المهم الذي سيفيد الاقتصاد المصري في المقام الأول على المدى القصير والمتوسط والطويل، فضلًا عن أنه يعطي مساحة أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بمجالاته المختلفة.

وذكر مدبولي إنه على مدار السنوات الثلاث أو الأربع الماضية نجحت الحكومة في تنفيذ 21 صفقة ضمن برنامج الطروحات الحكومية مقابل 6 مليارات دولار، مشيرًا في هذا الصدد إلى التعاون القائم بين مصر ومؤسسة التمويل الدولية التي تعمل كمستشار استراتيجي للحكومة في برنامج الطروحات.