لم تأبه الهيئة التشريعية كثيراً، بما تم توجيهه إلى المشروع الحكومي بقانون العمل، على الرغم من كثرة الاعتراضات المجتمعية، والمطالبة بإعادة طرحه للنقاش المجتمعي، أو السجال العام، كسبيل لتنقية القوانين مما بها من سلبيات، تعوق مدى تحقيق التشريعات للمطالب المجتمعية، وذلك حيث يشكل قانون العمل الجديد أحد أهم القوانين الاجتماعية، بحسب أن العمل أول مفردات الحياة، ومن المفترض أن يهتم قانون العمل الجديد بتوفير العديد من الحقوق التي يحتاج لها العامل، والتي لم تكن متوفرة في القانون القديم، والذي يخلق بيئة وظيفية جاذبة للقطاع الخاص الذي ظل طاردًا لموظفيه خلال الفترات السابقة، إذ أن الأصل يجب أن تتجه القواعد القانونية، بما تستحدثه من تشريعات إلى حماية الشرائح المجتمعية المختلفة، وحين تنظيم الهيئة التشريعية لقواعد قانونية ذات بعد اجتماعي أو تتماهى مع الاحتياجات الاقتصادية للجماعة، فإنه يجب أن تتجه هذه التشريعات لحماية الطبقة الأقل حماية، أو تسعى بما تنظمه من قواعد قانونية مستحدثة إلى حماية المكتسبات المجتمعية على أقل تقدير، إن لم تكن تزيد عليها.

ولكن وبعد إصدار قانون العمل الجديد، والذي يحمل رقم 14 لسنة 2025، ما زالت حقوق الفئة الغالبة والمستحقة للحماية، وهم فئة العمال محل شك أن تكون قد حظيت بما هو مستحق من أوجه حماية، في ظل ما صدر من نصوص قانونية حوتها مدونة قانون العمل، فيكفي أن نضرب لذلك مثلا، فيما استحدثه بخصوص العلاوة، إذ كانت القوانين السابقة تنص على أن يكون حدها الأدنى لا يقل عن 7 %، ولكن جاء القانون الجديد ليجعلها 3 % في ظل ظروف اقتصادية، كادت أن تحيق بالطبقة العاملة والمتوسطة والدنيا، كما أن ما يضيف لمدى هامشية تلك القيمة هو أنها مرتبطة بالأجر التأميني، والذي عادة ما يكون أقل بكثير من الأجر الفعلي الذي يتقاضاه العامل، وهو ما يجعل من تلك النسبة لا قيمة لها في الحياة الواقعية، وفي ذات سياق الدخول أو الأجور، فإن المشرع قد وضع هيكلًا للأجور في قانون الخدمة المدنية، بناءً على الدرجات الوظيفية، على عكس قانون العمل، إذ تغافل المشرع عن وضع هيكل للأجور. علاوة على ذلك، قانون العمل السابق الصادر عام 2003، ينص على أن الأجر يشمل كل ما يتقاضاه العامل نقديًا أو عينيًا، ذلك بخلاف ما أتاحته المادة الثانية عشر من قانون العمل لأصحاب الأعمال من التهرب من هذه العلاوة تحت بند تعرض المنشأة لظروف اقتصادية يتعذر معها صرف العلاوة.

ذلك بخلاف أحكام تشغيل أو تدريب الأطفال التي وردت في المواد 61 وما بعدها من هذا القانون، والتي أباحت تدريب الأطفال بداية من سن الرابعة عشر، حتى مع الاستثناءات التي أوردتها المادة 64 من القانون، والتي تضمنت عدم جواز تدريب الأطفال في الأعمال والمهن التي من شأنها أن تعرض صحتهم البدنية أو النفسية أو سلامتهم أو أخلاقهم للخطر. إلا أنه لم يقم بتحديد أو تعريف  لتلك الأعمال، وترك تحديدها لقرار يصدر من الوزير بالتنسيق مع المجلس القومي للأمومة طبقا لمراحل السن المختلفة.

وهذا لا يجب ان يكون متروكا هكذا دونما تحديد، فعلى الرغم من إقرار القانون لسن الرابعة عشرة، وهو سن صغيرة لقبول تدريب الأطفال، وهو الأمر الذي يسمح بالتسريب من التعليم، وكذلك يجعل من صحة الأطفال عرضة للخطر على النحو الذي جرمته نصوص قانون الطفل.

ولكن الأدهى هو ما نجده في النصوص المتعلقة بعلاقة العمل أو عقد العمل، والتي، تسير بمنطق، قر واستثنى، وهو ما يجعل من تلك الصياغات المفتوحة سبيلا لإنهاك حقوق العمال، وعلى سبيل المثال ما ورد في المادة 91 من القانون، والتي نصت على أنه لا يجوز أن يتم تكليف العامل بعمل غير المتفق عليه، ثم استثنت، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، منعًا لوقوع حادث، أو لإصلاح ما نشأ عنه، أو في حالة القوة القاهرة.

وهو الأمر الذي يصدق على ما جاء النص عليه في المادة 95 من هذا التشريع المستحدث، والتي تنص على بقاء العامل الذي يتلقى تدريبا على نفقة صاحب العمل، أن يبقى لدى رب العمل المدة المتفق عليها، وهو ما يجعل الأمر في قبضة صاحب العمل بخصوص تحديد المدة، بحسب ما يتراءى له، كما أنه يمنع العامل من ترك العمل قبل تلك المدة المحددة، إلا بعد سداد ما تكلفه رب العمل من نفقات التدريب، بخلاف سماحه لرب العمل بالمطالبة بالتعويض عن ذلك.

الأمر يصعب ويطول، ولكنه في مجمله يسير في خطى حماية رؤوس الأموال والعسف بمصالح، بل بمصائر العمال، على الرغم من كونهم الفئة المستحقة للحماية، أو على أقل تقدير أن تكون الأمور بشكل متوازن ما بين طرفي العلاقة دون الجور على أي طرف منهما. وهذا ما يمكننا من قول إن المشكلة التشريعية في قانون العمل تكمن في استقواء رؤوس الأموال وسيطرتها على السوق، وتأثيرها على الحياة العامة بشكل كبير وتدخلها في غالبية القرارات الاقتصادية والسياسية، كما أن هناك شريحة ليست بالقليلة من أصحاب رؤوس الأموال يمثلون كتلاً برلمانية، ومدى توافق الحكومة بنوابها مع هذه الكتل الرأسمالية ومدى تعارضها هو الفيصل الحقيقي في كيفية الحفاظ على حقوق العمال في مشروع قانون العمل الجديد، وإن كانت الرؤى على الأفق تذهب إلى حالة توافقية بين حقوق العمال وحقوق أصحاب الأعمال، لكن يجب أن تكون الغلبة لأصحاب الأعمال مما يجور أو يضعف موقف العمال في نصوص مشروع القانون، لكن الأمثل أن تميل الكفة نحو حماية فئة العاملين من تحكمية السوق وفرض آلياته عليهم، بما يضر حقوقهم في المجمل، كما وأن دولة القانون يجب أن تتسم بجملة مبادئ، تُجسد من خلالها الحقوق والحريات الإنسانية في الدولة على أساس المواطنة، وهذه الحقوق لا تتحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة القائم أو وفي قوانينها، ولا يتحقق ذلك بمجرد مصادقة الدولة على اتفاقيات ومواثيق دولية بشأن تلك الحقوق والحريات، بل إن ذلك لا يتحقق إلا من خلال نظام حكم يعترف في إطار قانوني وتطبيقي بحق المواطنين، بأنهم أصحاب ومصدر السلطة الحقيقية. وتصبح الدولة الديمقراطية مرادفة لدولة القانون في سياق نظام سياسي، يقوم على مفهوم المواطنة، هذا التنظيم القانوني والسياسي هو الدولة الديمقراطية- دولة القانون- التي تعترف بخضوع سلطة الحكم للقانون، كحال خضوع المحكومين له، حيث تشكل حقوق وحريات المواطنين في هذا القانون قيوداً على الدولة.