وجدت الحكومة ضالتها في الصكوك الإسلامية كوسيلة جديدة للحصول على التمويل دون زيادة الدين العام، وذلك بعد قرار نقل ملكية 173.3 مليون متر مربع من أراضي منطقة رأس شقير بالبحر الأحمر، لصالح وزارة المالية لإصدار صكوك بضمانها، كوسيلة لسد عجز الموازنة العامة للدولة دون زيادة الدين العام.

تعتبر وزارة المالية إصدار الصكوك السيادية وسيلة؛ لتنويع موارد الاقتصاد المصري، باعتبارها تتمتع بهياكل تمويلية متنوعة ما بين صكوك إجارة وصكوك وكالة وصكوك مضاربة وصكوك مشاركة، فضلا عن الصكوك الهجينة، وتقتصر الأصول التي يتم استخدامها في الصكوك على الملكية الخاصة للدولة والمتمثلة في مساهمات الدولة، وليس الملكيات العامة، بجانب اقتصار الصكوك على حق الانتفاع فقط، دون التطرق الى حق الرقبة أي الملكية.

ارتفع حجم الدين الخارجي لمصر بنحو 2.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالي الحالي ليصل إلى نحو 155.204 مليار دولار مقابل نحو 152.9 مليار دولار في بنهاية العام المالي 2023- 2024، بينما بلغ الدين العام (الداخلي + الخارجي) نحو 9.515 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2024.

تُغني “الصكوك” وزارة المالية عن الاقتراض، ودفع المزيد من الفوائد التي تلتهم حاليا أكثر من نصف مصروفات الموازنة العامة للدولة، فالمستثمرون بموجب تلك الصكوك سيدفعون مبلغا كبيرا للدولة بالجنيه أو الدولار، مقابل حق الحصول على الأرض، لمدة قد تكون في الغالب 10 سنوات، وذلك بديل عن الفائدة.

تقوم الصكوك على تحويل جزء أو مجموعة من الأصول المحددة غير السائلة، والمُدِرة للدخل والتي تكون مملوكة للمؤسسة أو الدولة إلى أوراق مالية، تقوم على الشراكة في منافع هذه الأصول خلال فترة زمنية محددة، وبعد انتهاء مدة الصك، الأصل_ مثل الأرض) ترجع ملكيتها للدولة، مثلما كانت؛ لأن المستثمر علاقته بها انتفاع فقط، وليس شراء أو امتلاك.

“المالية” تعود للصكوك بعد 28 شهرًا

طرحت وزارة المالية في فبراير 2023 أول إصدار للصكوك الإسلامية السيادية في تاريخ مصر بقيمة 1.5 مليار دولار، والذي شهد إقبالًا ملحوظًا، حيث بلغت طلبات الاكتتاب نحو ٦,١ مليار دولار، بما يعني تغطية الاكتتاب بأكثر من أربع مرات، وتقدم أكثر من 250 مستثمرًا بمختلف أسواق المال العالمية، وجذب الإصدار قاعدة جديدة من المستثمرين بدول الخليج وشرق آسيا إلى جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ممن يفضلون المعاملات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

يقول د. أحمد شوقي، خبير الصيرفة الإسلامية، إن إصدار مصر للصكوك السيادية رسائل إيجابية عن قدرة الاقتصاد المصري على خفض أعباء الدين، مؤكدا وجود خلط كبير بين التصكيك والتوريق، فالتصكيك هي تحويل أو تقسيم أصل أو أكثر إلى وثائق اسمية متساوية القيمة، ويشترك حَمَلتُها في الأرباح والخسائر، ويتم دعم الصكوك بأصول أو حق منفعة بأصول ملموسة كالأراضي والعقارات والمشروعات والسلع؛ وغيرها، وليس محفظة ديون أو أموال وتدفقات نقدية.

أضاف أن التوريق أمر مختلف، إذ يعني بيع الديون لغير أصحابها “أو أطراف أخرى غير المقرضة”، ويقوم التوريق على تجميع مجموعة من الديون المتشابهة أو المتجانسة والمضمونة كأصول في دين واحد معزز ائتمانيًا، ثم عرضه على المؤسسات والجمهور من خلال منشأة متخصصة للاكتتاب في شكل أوراق مالية، وذلك تقليلا للمخاطر، وضمانا للتدفقات النقدية المستمرة (من أبرز صوره العقارات ببيع صاحب شركة عقارات شيكات العملاء لشركة، تتولى هي التحصيل مقابل حصولها على فائدة، ومن خلاله تقوم شركة العقارات بالحصول على قيمة الشيكات نقدا “كاش”، على أن تعطي فائدة للمشتري الذي ستنتقل له المديونية).

الصكوك تجذب مستثمري الدول الآسيوية الإسلامية لمصر

تلقى إصدارات الصكوك انتشارا بدول جنوب شرق آسيا ودول الخليج، وتعد دولتا ماليزيا والسعودية من أكبر الدول المصدرة للصكوك، لأنها تعتمد على أساس إحدى صيغ أو عقود التمويل الإسلامي، ويحكم عمليات الاصدار والتداول في الأساس الضوابط الشرعية وفقا لكل صيغة، بالإضافة التي الضوابط القانونية لكل دولة، بحسب شوقي.

في 2024، كانت السعودية أكبر الجهات المصدرة للصكوك على مستوى العالم للعام الخامس على التوالي، بقيمة إصدارات 54.9 مليار دولار، مقابل 37 مليار دولار في عام 2023 بنمو سنوي 17.9 مليار دولار بنسبة 50%، تلتها ماليزيا في المرتبة الثانية بإجمالي 25.7 مليار دولا بعام 2024، مقابل 30.8 مليار دولار بالعام السابق له، أما الإمارات فجاءت ثالثًا بإجمالي إصدارات صكوك قدرها 11.1 مليار دولار عام 2024، مقابل 12.4 مليار دولار عام 2023.

بحسب الدكتور أحمد شوقي، فإن التوسع بالصكوك كان مطلبا لـ”الحوار الوطني”؛ لأنه يساهم في خفض المخاطر المالية، واستقطاب شريحة جديدة وكبيرة من المستثمرين الذين يبتعدون عن أدوات الدين، والراغبين في التعامل بأدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية كمستثمري دول الخليج وجنوب شرق آسيا.

كما تعمل الصكوك على تعزيز موقف الموارد بالعملة الأجنبية وتنويعها، حيث يمكن من خلال طرح الصكوك السيادية استخدام جزء من حصيلتها بالعملة الأجنبية؛ نتيجة الاكتتاب بالعملة المحلية في خفض أعباء الدين الخارجي والتوسع في المشروعات التنموية، أو القطاعات المختلفة كالسياحي والعقاري والصناعي والزراعي وغيرها، وذلك لتنوع هياكل إصدار الصكوك من ناحية؛ واستخدام حصيلة الاكتتاب في بناء مشروعات مدرة للدخل لسداد عائد الصكوك من ناحية أخرى.

توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، أن تصل إصدار الصكوك العالمية إلى ما بين 190 مليارا و200 مليار دولار في عام 2025، مع مساهمة الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية بحوالي 70 مليارا إلى 80 مليار دولار، وقدرت أن إصدارات الصكوك العام الماضي بلغت 193.4 مليار دولار، بانخفاض طفيف عن 197.8 مليار دولار في العام السابق، لكن مع زيادة كبيرة في الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية.

وزارة المالية تملك التصرف في أصول الدولة

يقول د. مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، إن تخصيص قطعة أرض في البحر الأحمر لصالح وزارة المالية؛ بهدف استغلالها لخفض الدين العام وعبر إصدار الصكوك يحمل دلالات إيجابية، ولا ينطوي على ما يدعو لارتياب أو غرابة، فوزارة المالية تملك التصرف في الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، وهي مالكة أسهم شركات قطاع الأعمال العام على سبيل المثال.

بحسب القانون رقم 138 لسنة 2021، فإن أقصى مدة زمنية للصكوك لا تتعدى 30 عامًا، ويستخدم عائدها في تمويل المشروعات الاستثمارية والتنموية المدرجة بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالموازنة العامة للدولة على النحو الذى يصدر به قرار من الوزير المختص، (وهو وزير المالية) بعد التشاور مع الوزير المعني بشؤون التخطيط، ويفتح بالبنك المركزي حسابا خاصا أو أكثر، تودع فيه تلك الحصيلة من المدفوعات الدورية التي تؤدى لمالكي الصكوك السيادية كالإيجار أو هامش الربح، على نحو ما يرد بنشرة الإصدار.

أضاف نافع، أن وزير المالية هو مقرر المجموعة الاقتصادية وبمقدوره عرض المنتجات المالية على المجموعة بشكل سلس، كما أن المنتج المالي المذكور في القرار يبشر باستغلال الأصل، دون التفريط فيه أو بيعه أو إهلاكه ومن سمات الصكوك بأنواعها المختلفة، أنها تعمل على توريق إيرادات استغلال الأصل واستثماره، ولا تمنح المكتتب فيها حق ملكية الأصل تماماً مثل سندات الإيراد.

بحسب القانون، فإن المستثمر أو مالك الصك يحصل على مدفوعات دورية كالإيجار أو هامش الربح، كما يسترد عند نهاية مدة الصك السيادي قيمته الاستردادية “أموال محددة في نشرة الإصدار)، وينتهي حق الانتفاع المقرر على الأصول التي اتخذت أساسا لإصداره، ويجوز للجهة المصدرة رد القيمة الاستردادية لمالكي الصكوك السيادية قبل نهاية مدة الصك وفقا لنشرة الإصدار.

يذكر أنه سبق لمصر أن اعتمدت على الصكوك، وحينها أصدرت أول صكوك سيادية إسلامية، واستخدمت وقتها مبنى إداريا في الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية، كأصل تم نقله لشركة “ذات غرض خاص”، والتي بدورها أعادت تأجيره للدولة نفسها.، والمستثمرون اشتروا الصكوك، وحصلوا على عائد من الإيجار، وبحلول مارس 2026 ستعود ملكية المبنى للدولة تلقائيًا.