في يناير 2024، قال رئيس حكومة دولة الاحتلال: “قبل عام قلت، إننا سنغير الشرق الأوسط ونحن نغيره بالفعل”.
كان بنيامين نتنياهو وقتها منتشيا بوصول دونالد ترامب للبيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة.
تجمع بين نتنياهو وترامب صفة “الوضوح التام” في إعلان النوايا والمخططات، دونما اكتراث بالعرف السياسي، أو القانون الدولي والعلاقات بين الدول.
وفي 12 يونيو الجاري، شنت طائرات الاحتلال هجوماً قاسيا على إيران، تحت دعوى منعها من امتلاك سلاح نووي، وذلك قبل بدء جولة مجدولة من جولات التفاوض مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي.
قبل أن ينجلي غبار ودخان الضربات من شوارع طهران، كان نتنياهو ــ الذي سبق له أن رفع خريطة الشرق الأوسط الجديد في الأمم المتحدةــ يدعو الشعب الإيراني للانقلاب على النظام، الأمر الذي يكشف ربما بوضوح تام، أن الهدف لم يكن البرنامج النووي، إنما رأس النظام الذي رفض على مدار عقود فكرة الهيمنة الغربية على مقدرات المنطقة، قبل أن تتبلور في هيمنة إسرائيليةــ بالوكالةــ تحمي مصالح الغرب في أحد أغنى مناطق الكوكب بالثروات الطبيعية.
هل إسرائيل جديرة بالهيمنة؟
لا تستحق إسرائيل الهيمنة على الشرق الأوسط، ولا تمتلك مقوماتها، حسب ستيفن والت أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، الذي كتب في “فورين بوليسي” أمس الاثنين، قائلا: “وتهدف الهجمات الأخيرة على إيران إلى القيام بأكثر من مجرد إلحاق الضرر أو تدمير البنية التحتية النووية لهذا البلد. كحد أدنى، تريد إسرائيل إنهاء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، شل قدرة إيران على الرد بقتل كبار القادة الإيرانيين والمسئولين العسكريين والدبلوماسيين والعلماء، وإذا أمكن جر الولايات المتحدة إلى نقطة أعمق في الحرب. وتأمل في الحد الأقصى لإضعاف النظام إلى النقطة التي ينهار فيها”.
محاولة دولة الاحتلال تغيير النظام الحاكم في إيران، ورائها رغبة حقيقية في الهيمنة على الإقليم، استنادا الي عدة معطيات تراها، أهمها الدعم غير المشروط الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة الملتزمة بأمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري النوعي.
ورغم أن والت يرى، أن فكرة هيمنة إسرائيل على الشرق الأوسط الكبير ليست سخيفة تماما، لكنه يعتبر أنه من الخطأ اعتبار إسرائيل قوة إقليمية مهيمنة حقيقية، لأنها ببساطة لا تفي بمعيار القوة المهيمنة، حيث لا زال الحوثيون يتحدونها، ولا زال الجيش الإسرائيلي غارقا في غزة رغم الإبادة الجماعية والدمار اللا محدود، كما أن تركيا وإيران لديهما قوات عسكرية كبيرة وعدد أكبر من السكان، ويمكن لكل منهما أن يشن دفاعا موثوقا به في حالة نشوب حرب شاملة، حتى لو خسرت في النهاية.
وهذا يعني بدوره، أن إسرائيل لا تستطيع استبعادهما من حساباتها أو افتراض أن هذه الدول ستذعن لها.
وتوضح مقاومة إيران المستمرة ذلك: كان انتقامها على الهجمات الأخيرة أقل من الضرر الذي تكبدته، لكنه أبعد ما يكون عن أن يكون تافها، والصراع لم ينته بعد.
ولا يوجد ما يشير إلى أن طهران ستُخضِع مصالحها عن طيب خاطر لإسرائيل، حتى لو انتهى بها المطاف في الجانب الخاسر في هذه الموجهة الأخيرة، ولهذا السبب وحده، فإن إسرائيل ليست قوة مهيمنة إقليمية، بحسب والت.
التخوف الإسرائيلي من حصول إيران على القنبلة النووية ليس نابعا من أنها ستستخدمها، كون قرار استخدامها انتحاريا، وإنما لأنها ستحد من قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة مع الإفلات من العقاب.
إن رؤية قادة إسرائيل لإمكانية الاضطرار إلى التصرف بمزيد من ضبط النفس، كخطر، يكشف أنهم لا يتمتعون بنوع “الأمن الحر” الذي تتمتع به الولايات المتحدة- الهيمنة الإقليمية الحقيقية الوحيدة في العالم- منذ فترة طويلة.
الأهم من ذلك كله، لا تزال إسرائيل تعتمد بشكل حاسم على راعيها الأمريكي، الذي يزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ التي تحتاجها لمهاجمة جيرانها إلى جانب الحماية الدبلوماسية المستمرة.
لا يتعين على الهيمنة الإقليمية الحقيقية الاعتماد على الآخرين للسيطرة على جوارها.
حلم ووهم
النقاط السابقة التي وردت في تحليل دكتور والت، والتي تجعل من دولة الاحتلال بعيدة عن حلم، أو وهم “الهيمنة الإقليمية”، ربما تعززها قراءة مشهدية الحرب المندلعة منذ أيام، حيث تميل المواجهة بشكل متزايد نحو حرب استنزاف عالية الحدة، ولكنها قصيرة نسبيا.
ويشير هدف إسرائيل المتمثل في إضعاف قدرات الصواريخ الباليستية الإيرانية وبرنامجها النووي من جانب، ورفض إيران الدخول في مفاوضات، وهي تتعرض للهجوم من الجانب الآخر، إلى أن الصراع يتجه نحو حرب محدودة عالية الحدة، في الأيام وربما الأسابيع المقبلة.