على مدى الأيام الماضية، شهدت ولاية شمال كردفان واحدة من أعنف موجات العنف المنظم منذ اندلاع الحرب، تمثلت في سلسلة هجمات ميليشياوية، استهدفت قرى ريفية بريف محلية بارا ومنطقة أم قرفة، شملت قرى شق النوم، أم نبق، فوجه، جكوه، مشقه، وامتدت إلى قرية حلة حامد بمنطقة أم قرفة. هذه الهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع، استخدمت فيها أسلحة ثقيلة مدفعية ومسيّرات هجومية، وارتكبت خلالها مجازر، شملت إحراق منازل بأهلها وإعدامات ميدانية واختطاف وتهجير قسري.
تشير المعطيات الميدانية، إلى أن الهجوم على هذه القرى أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص في شق النوم وحدها، وأكثر من 38 في القرى المجاورة، فيما قُتل 40 في قرية حلة حامد مع وجود عشرات المفقودين والمختفين قسرًا الذين لم يُعثر عليهم حتى اللحظة. وقد تسببت هذه الجرائم في نزوح قسري جماعي للسكان نحو مدينة الأُبيض التي يسيطر عليها الجيش، والتي باتت الجهة الأخيرة لملايين المدنيين الفارين من الموت في شمال وغرب كردفان.
تأتي هذه المجازر الحارقة ضمن سياق توسع الدعم السريع في مناطق شمال كردفان، حيث تسعى القوات لبسط سيطرتها على المناطق الريفية المحيطة بمدينة الأبيض عاصمة الولاية، والتي تمثل نقطة استراتيجية، تربط كردفان بالخرطوم ودارفور. وتُعد مدينة بارا التي تخضع منذ أكثر من عام لسيطرة الدعم السريع نقطة تمركز عملياتية أساسية لهم على الطريق القومي للصادرات، ويجري استخدام محيطها الريفي كمسرح لتكتيكات عسكرية؛ تهدف إلى عزل الأبيض وقطع الإمداد عنها في وقت يدور فيه صراع محموم للسيطرة على مفاصل إقليم كردفان .
منطقة أم قرفة التي تقع فيها قرية حلة حامد ومنطقة أم صميمة المجاورة، شهدت مؤخرًا اشتباكات مباشرة بين الجيش السوداني والدعم السريع، ما أدى إلى تغيّر ميداني في طبيعة الصراع هناك، وفتح المجال لهجمات انتقامية على السكان المحليين. تشير شهادات من شهود عيان، إلى أن هجوم الدعم السريع على حلة حامد جاء بعد ساعات من هذه الاشتباكات، فيما بدا وكأنه رد انتقامي لتصفية بيئة اجتماعية، يرى فيها الدعم السريع حاضنة للمقاومة.
ويُلاحظ أن معظم القرى المستهدفة تسكنها قبيلة دار حامد، وهي واحدة من المكونات المحلية التي عُرفت بمناهضتها لوجود الدعم السريع، وخاضت اشتباكات في عدة مناطق مع هذه القوات منذ بداية الحرب. وهو ما يضفي على الهجوم الأخير بعدًا تطهيريًا ذا طابع قبلي سياسي، يهدف إلى تفكيك البنية الاجتماعية المقاومة وتوسيع رقعة النفوذ العسكري للدعم السريع في قلب كردفان.
مجزرة شق النوم والقرى المجاورة محرقة القرى والعائلات
في الساعات الأولى من صباح السبت 12 يوليو 2025، هاجمت قوات الدعم السريع قرى شق النوم، أم نبق، فوجه، جكوه، مشقه، الواقعة جميعها في ريفي محلية بارا. دخلت القوات من محاور متعددة مستخدمة عربات دفع رباعي ومسيّرات، قصفت أهدافًا داخل القرى، بينما قامت وحدات راجلة بإطلاق النار عشوائيًا على المدنيين وتنفيذ مداهمات داخل المنازل، وقد وثّقت القوات عمليات حرق متعمد لمنازل بكاملها، وأُغلقت أبوابها على من بداخلها، مما أدى إلى احتراق عائلات بأكملها، بالإضافة إلى نهب ممتلكات، وعمليات تصفية مباشرة للرجال والشباب في الشوارع والبيوت.


بعد يوم من الهجوم، وثق أهالي قرية شق النوم مقابر جماعية في محيط القرية، حُفرت على عجل لدفن الضحايا، قبل أن تعاود الدعم السريع مهاجمتهم مجددا، وقد وثق أفراد القوة عمليات الحرق، وهو نمط معروفة به، ومشهد متكرر منذ اندلاع الحرب .
مجزرة قرية حلة حامد ريفي أم قرفة
في يوم الأحد 14 يوليو، تعرضت قرية حلة حامد الواقعة في منطقة أم قرفة لهجوم منسّق، جاء بعد اشتباكات، وقعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منطقة أم صميمة القريبة. استخدمت القوات المهاجمة الأسلوب ذاته، حيث شنت هجومًا خاطفًا بالسيارات والدرّاجات النارية، ونفذت إعدامات ميدانية، كما أحرقت منازل، ونهبت الأسواق، واعتقلت عددًا من الشبان، لا يُعرف مصيرهم حتى اللحظة.
ما يزيد من خطورة هذا الهجوم، أنه استهدف منطقة ذات طابع قبلي محدد، ينتمي جلّ ساكنيها إلى دار حامد، ويُعتقد أن الهدف من هذا التصعيد هو إفراغ المنطقة من سكانها وقطع أي امتداد جغرافي محتمل للمقاومة المسلحة، أو المجتمعية ضد تقدم الدعم السريع نحو سيطرته على شمال كردفان .
تكشف هذه المجازر عن استمرار استراتيجية الدعم السريع في شمال كردفان، وهو أمر متوقع تكراره في قرى أخرى في شمال كردفان، فبدلًا من عمليات المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش، تستمر القوات في اعتمادها على سياسة الأرض المحروقة، واستهداف البيئة السكانية المشتبه في عدائها لها؛ بهدف تقليص قدرة الجيش على الاستناد للمجتمعات المحلية كعمق اجتماعي. كما أن اختيار قرى دار حامد تحديدًا يعكس محاولة تفكيك رموز المقاومة المدنية والمسلحة من خلال العنف المباشر والإرهاب الجماعي.
يتقاطع هذا السلوك مع الاستراتيجية الإقليمية للدعم السريع الساعية للربط بين دارفور ووسط السودان، واستخدام السيطرة على الطرق الحيوية، مثل طريق الصادرات، كورقة ضغط سياسية واقتصادية ضد خصومها، بما فيهم السلطة المركزية والمؤسسة العسكرية. ومن خلال فرض واقع دموي في شمال كردفان، تحاول هذه القوات تثبيت توازنات ميدانية، تجعلها شريكًا لا يمكن تجاوزه مستقبلا، ولو كان الثمن محارق جماعية ونزوحًا كارثيًا.