في الأسبوع الأول من أغسطس، تبدأ انتخابات مجلس الشيوخ خارج ثم داخل مصر. وقبل ذلك بساعات تتوقف الدعاية الانتخابية، حيث يبدأ الصمت الدعائي، بعد أن استمرت الدعاية عدة أيام عقب إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات أسماء المرشحين في الأسلوب الفردي والمترشحين وفق أسلوب القائمة.
مؤشرات عامة مثيرة للشك
الناظر والمدقق في أوراق الانتخابات وأروقة المطابخ الانتخابية، يُدرك للوهلة الأولى، أننا أمام شكل جديد، شكل غير معتاد على الإطلاق في الانتخابات التي تُجرى في النظم الانتخابية المتمدينة. فما يحدث اليوم وبالأرقام يُشبه إلى حد كبير الانتخابات الشكلية التي كانت تُجرى في عديد من نظم الحزب الواحد المهيمن في العالم العربي في النصف الثاني من القرن الماضي، كالعراق وتونس وسوريا والجزائر، إذ أن الانتخابات اليوم تُجرى في ظل ضبط شديد الوطأة لطبيعة المرشحين، وسطوة كبيرة من الإدارة الانتخابية، ورقابة شكلية من المجتمع المدني، أبت الإدارة الرسمية، إلا وأن تسميها “متابعة”.
الانتخابات التي ستُجرى خلال أيام على الأرجح، ستكون معلومة النتائج، ما يجعلها غير نزيهة أو غير حيادية. في أدبيات النظم الانتخابية، تعتبر الانتخابات حرة ونزيهة، ما دام أن نتائجها تتسم بالغموض وعدم اليقين، والعكس صحيح، كلما كانت الانتخابات معلومة النتائج مسبقا، ولا يتشكك العامة في نتائجها على الإطلاق، فإنها تكون انتخابات بلا جدوى من حيث النزاهة والشفافية.
قائمة واحدة بلا منافس
ما من شك، أن وجود قائمة واحدة في الانتخابات، تجعل من المضحك، أن يسمى الشطر المخصص بتشكيل ثلث المجلس، بأنه انتخابات. فالمجلس المكون من 300 مقعد، ونظام القوائم المخصص له 100مقعد، كان يُفترض لأي عاقل يدير العملية الانتخابية، أن يجعله نظاما تنافسيا. بعبارة أخرى، أبى المنظمون الفعليون للانتخابات- أي من هم من غير الهيئة الوطنية- أن تُجرى الانتخابات بين عدة قوائم متنافسة في كل أو بعض القطاعات/ الدوائر الانتخابية الأربع، حتى يظهر الشكل أو يكون الإخراج بصورة لائقة. من هنا يأتي التساؤل المهم: ألم يَكْفِ المنظمون، أن تُجرى الانتخابات بنظام شائه مهجور، يُزور إرادة الناخبين بسرقة 49% من أصوات القوائم الأخرى لتحويلها للقائمة الحاصلة على51% من الأصوات، حتى يوافقوا على إجراء منافسة شكلية بين عدة قوائم!!!
منافسة محدودة جدا على الفردي
في الشق الفردي، تقدم وفق ما ذكرته الهيئة الوطنية للانتخابات 428 مرشحا، للمنافسة على 100 مقعد، أي بمعدل عام قدره تنافس 1:4، أي أربعة مرشحين على المقعد الواحد. هذا المعدل أقل بكثير من المعدل العام في 2020، حيث تنافس على ذات العدد من المقاعد 786 مرشحا أي بمعدل تقريبي 1:8. بذلك تحول معدل التنافس العام على المقعد الفردي في الشيوخ من محدود إلى محدود جدا بين الانتخابين السابق والحالي، ما جعله لا يرقى اليوم إلى وجود انتخاب حقيقي على الشق الفردي.
وبالنظر إلى التنافس على مستوى المحافظات، يلاحظ أن أقل معدل تنافس بالفيوم، حيث 7 مرشحين فقط، يتنافسون على 4 مقاعد، ثم جنوب سيناء وبورسعيد 1:2. أما أكبر المنافسات، فهي في الإسماعيلية 1:12، ثم السويس 1:9، فالوادي الجديد 1:8. وكما ذكر آنفا، كانت منافسة الفردي إجمالا في 2020، أما في انتخابات مجلس الشورى 2012، حيث كانت صلاحيات المجلس كبيرة للغاية، فكان المعدل العام على المقاعد الفردية الـ60 كبيرا للغاية، إذ بلغ 1:33، وذلك نتيجة تنافس1891 مرشحا على تلك المقاعد.
أحزاب قوية اسما وعلى الأرض فارغة
في شق الأحزاب، نجد مستقبل وطن قد هيمن على 44% من مقاعد القائمة، لكنه في الفردي حيث الشارع وزخمه رشح 60 فقط من الـ428 مرشحا، أي بنسبة 14%. حماة الوطن هيمن على 19% من القائمة، ورشح في الفردي 5,8% فقط، أما حزب الجبهة الوطنية الذي ملأ مصر ضجيجا عند نشأته مطلع العام 2025، والذي مثل 12% من القائمة الفريدة، فقد رشح على المقاعد الفردية بطول مصر 2,3% من إجمالي المرشحين.
بالانتقال إلى المحافظات، نجد أن عدة محافظات خوت من أي منافسة حزبية لأحزاب ملأت مصر صخبا؛ بكونها معبرة عن الشارع وممثل حقيقي للناس. فمستقبل وطن لم يرشح بالفردي أحدا في 6 محافظات، وحماة وطن خوت ترشيحاته الفردية من أية أسماء في 5 محافظات. أما الجبهة الوطنية فلم يرشح على طول مصر وعرضها سوى 10 من جملة 428 مرشحا فرديا. ولعل الغريب هو أن هذا الحزب الأخير الذي قيل، إنه معبر عن القبائل العربية والذراع السياسي لها، خوت محافظات مصر القبلية مثل شمال وجنوب سيناء ومطروح والوادي الجديد وقنا من ترشيحاته على المقاعد الفردية!
تمكين المرأة والوحدة الوطنية شعارات لا علاقة لها بالواقع
من جملة 428 مرشحا على المقاعد الفردية، ترشحت 49 امرأة، بنسبة 5% تقريبا، أما المسيحيون فعددهم 17 فقط، بنسبة 4% تقريبا، وكل تلك الأرقام لا تتناسب مع عدد هؤلاء في المجتمع. الأخطر من ذلك، أن الأحزاب التي رفعت شعارات تمكين المرأة والوحدة الوطنية خانت ذاتها على الأرض، فمستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة لم ترشح امرأة واحدة بالفردي. وكان حزب العدل والمؤتمر هما من رشح كل منهما امرأتان، أما الاتحاد فرشح 4 سيدات. بالنسبة للمسيحيين، رشح مستقبل وطن والجبهة مسيحيا واحدا فقط بالفردي، وبينما رشح العدل 2، خوت قوائم حماة الوطن بالفردي من المسيحيين كلية.
الهيئة الوطنية تعمل على قديمه
أما بالنسبة إلى الشق الإداري في الانتخابات، ورغم أن الهيئة تحذر كل انتخابات- وأكثر من مرة- كل من ينتقد أداءها، أو يشكك فيه، إلا أنها لا تستطيع تبرير أمور مهمة لافتة لأنظار غير المتخصصين، فما بالنا بالمتخصصين.
وضعت الهيئة خلال إعدادها لمرشحي الشق الفردي الأولوية في ترتيب المرشحين لكل من مستقبل وطن، ثم حماة الوطن، ثم الجبهة الوطنية، ثم الشعب الجمهوري. يحدث ذلك، وكأن أبواب الهيئة قد فُتحت صباح اليوم الأول للترشيح، وقد وجدت هؤلاء المرشحين الحزبيين نيام على أبواب وشبابيك الهيئة الوطنية في مختلف المحافظات، كل ذلك يذكرنا، بما كانت تفعله اللجنة العليا للانتخابات، إبان عهد مبارك.
بطبيعة الحال، انعكست الملاحظة السابقة على توزيع الرموز الانتخابية، فحجز مستقبل وطن لذاته رموز الكتاب والقلم والسلم وقناة السويس والمسدس، واحتكر الماسة والتاج حماة الوطن، والسيارة للجبهة الوطنية، والصاروخ للشعب الجمهوري. والغريب أنه عندما خوت بعض المحافظات من تلك الأحزاب، لم يأخذ أي مرشح حزبي آخر تلك الرموز!!!
أما إدارة عملية الاقتراع التي ستبدأ بعد أيام بقاعدة رجل قضاء على كل صندوق، فسيقوم عليها موظفو الدولة التابعين للهيئات القضائية، وهم محامو الحكومة، المنتمين لقضايا الدولة والنيابة الإدارية، بعد أن خرج مجلس الدولة والقضاء العادي أو الجالس من مسألة إدارة الانتخابات منذ يناير 2025 بحكم الدستور.
دعاية تستغل المقدرات القومية وتتخطى السقوف
وبشأن الدعاية، فهي تتسم بعدم حياد أجهزة الدولة، إذ تستغل القائمة الوطنية الموحدة مقدرات الدولة الإعلامية والمحلية في الدعاية الانتخابية، ما يجعل هناك عدم نزاهة في الحملات الانتخابية.
القاصي والداني يدرك أن هناك خرقا للسقوف المالية للدعاية المحددة بالقانون. فمن يمشي في شوارع مصر في مختلف المحافظات، يرى البانرز واللافتات المضيئة التي تتسم بقدر كبير من الإسراف الذي يفوق سقف الدعاية الانتخابية بشكل كبير، خاصة في شق القوائم مضمونة الفوز. جدير بالذكر أن الحد الأقصى للإنفاق الدعائي على القائمة في المرحلة الأولى بالقائمة ذات الـ37 مرشحا، هو 6,167,000 جنيه، وفي القائمة ذات الـ13 مقعدا 2,167,000 جنيه، أما المرشح على المقعد الفردي فالحد الأقصى هو 500.000 جنيه.
محاولات وآمال لعدم التدخل في الاقتراع
لم يتبق اليوم سوى الاقتراع، هنا يصبح السؤال: هل سنشاهد ذات المشاهد التي اعتدنا على رؤيتها في الانتخابات التي جرت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات السابقة؟ في السابق وجدنا طوابير مصطنعة أمام اللجان، لا تتحرك غرضها التقاط الصورة، وجدنا كراتين المواد التموينية لاستغلال عوز بعض الناخبين، وجدنا تجميع بطاقات الرقم القومي عشية الانتخابات، ثم ردها أمام اللجان لضمان التصويت بمقابل مادي، وجدنا رقصا وأغاني ومهرجانات أمام لجان الاقتراع، وجدنا سيارات نقل جماعي لنقل الناخبين، وجدنا مشكلات يعاني منها القائمون على الرقابة/ المتابعة من مؤسسات المجتمع المدني المصري والأجنبي، وجدنا تلفزيون الدولة وقنوات المتحدة للإعلام، وهي تجوب مقرات الاقتراع، وتبث صور الناخبين من الشيوخ والعجائز أو طوابير السيدات تحديدا، وجدنا أوصافا وعبارات معتادة في الإعلام كالعرس الديمقراطي وغيره، وجدنا صور أصابع الناخبين بلون الحبر الفسفوري…. كل تلك الصور، تخل بالنزاهة والشفافية والحياد، وترسم صورة سلبية، عسانا ألا نشاهدها في الاقتراع القادم.
.