خلال أيام قليلة قادمة تهل علينا انتخابات مجلس الشيوخ المصري، وذلك يومي 4 و5 من شهر أغسطس الحالي، وعلى الرغم من كون مجلس الشيوخ بصيغته أو بصلاحياته الحالية، لا يعد شريكاً قويًا في الممارسة الديمقراطية، إذ إن المستخلص من مواد الدستور المصري من 248 إلى 254 أن مجلس الشيوخ المصري، تغلب عليه صفة الطابع الاستشاري، إذ إن رأايه فيما يحال إليه من مشروعات قوانين أو مسائل أخرى، يحيلها إليه رئيس الجمهورية، لا يخرج عن كونه استشاريا وغير ملزم، وعلى الرغم من ذلك تم تعديل عدد أعضاء مجلس الشيوخ ليصبح 300 عضو، وذلك بموجب القانون رقم 141 لسنة 2020، ويتم قسمة ذلك العدد، 100 عضو يتم انتخابهم وفق نظام الانتخاب الفردي، و100 عضو يتم انتخابهم وفق نظام القوائم المغلقة، و100 عضو يقوم بتعيينهم رئيس الجمهورية.

إذن، فإن الانتخابات تشمل ثلثي مجلس الشيوخ، نصفهم فردي، والنصف الآخر بالقائمة المغلقة، وهنا بيت القصيد، حيث من المفترض، أن تتم الانتخابات على مقاعد القائمة بنظام تنافسي بين الأحزاب السياسية، المفترض فيها التباين والاختلاف في الأهداف السياسية أو المبادئ الحاكمة لكل حزب. لكن الحاصل من الناحية الواقعية مغاير لذلك الأمر، حيث تم تشكيل قائمة تحت مسمى “القائمة الوطنية”، تضم مجموعة من الأحزاب المحسوبة على النظام الحاكم بالاشتراك مع بعض الأحزاب المفترض كونها أحزاب معارضة، وهو الأمر الذي كانت محصلته حسم مقاعد 100 عضو، لمن شملتهم هذه القائمة، وذلك وفق ما تم الاتفاق عليه فيما بينهم، وهو ما كان حصيلته أن حصلت أحزاب ما يسمى بالمعارضة على النذر اليسير من تلك المقاعد، في حين أن تم حجز ما يضمن أن تميل الأغلبية للأحزاب المحسوبة على النظام الحاكم، إذ تم حجز 44 مقعدا لحزب مستقبل وطن، و19 مقعد لحزب حماة وطن، و 12 مقعدا لحزب الجبهة الوطنية، وهو ما يؤكد على تهميش دور المعارضة، حتى في مجلس الشيوخ الذي هو مجرد مجلس استشاري.

وهذا المعنى ما يعبر بشكل واضح عن صورة الديمقراطية في الحياة المصرية، أو بشكل أدق دور الأحزاب السياسية في المجال العام المصري. وحيث إن الأحزاب السياسية ما هي إلا جماعات منظمة، تعني أساسا بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وهي أهداف وغايات كبرى، تتعلق بصالح الوطن والمواطنين، تتلاقى عندها الأحزاب السياسية الوطنية جميعها، أو تتحاذى في بعض مناحيها، الأمر الذي يجعل التشابه أو التقارب بين الأحزاب السياسية في هذه الأهداف أمرا واردا، وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعما للممارسة الديمقراطية، تبعا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشؤون السياسية والاقتصادية، وهو الأمر الذي يتفق مع مفهوم الحق في تكوين الأحزاب السياسية، حيث يكون القصد العام من وراء تكوينها، هو حق الأفراد جميعهم في المشاركة في الشؤون العامة للبلاد ومسئوليات الحكم، وتشمل حرية التنظيم مجموعة كبيرة من الحقوق ذات الأهمية للمواطنين على المستوى العام، إذ إن مضمون حرية التنظيم يتضمن الحق في حرية التجمع السلمي والاجتماع وتكوين الجمعيات، بما يضمن ممارسة العمل الأهلي والانخراط فيه بشكل جماعي طوعي، وحرية التنظيم بمعناها الشمولي العام، تضمن ممارسة المواطنين للعمل العام والمشاركة السياسية، ومن الممكن إجمالاً، القول بأن يفسر الحق في التنظيم على أنه: حق الفرد في تكوين، والانضمام مع غيره من الأفراد إلى كيان ما يجمعهم، للتعبير والدفاع عن مصالح وأفكار مشتركة.

فهل تمثل القائمة الوطنية أي توافق مع هذا المفهوم العام للحياة الحزبية، وهو ما يعني علة وجود هذه الأحزاب من أساسه؟ أم أن المفهوم العام للممارسات الديمقراطية في الحياة السياسية المصرية لا يمكن أن يخرج عن السياق العام الضامن لسيطرة الدولة على مجريات الحراك السياسي جميعه.

ومن زاوية أخرى، ماذا تبقى من معنى وجود انتخابات لمجلس الشيوخ، وفقا للسياق القانوني تبقى 100 مقعد على نظام الانتخاب الفردي، ذلك بعد استبعاد الثلث الأخير المحجوز لرئيس الجمهورية لتعيينهم، فهل ذلك يتوافق مع المفهوم العام للانتخابات، والتي تعد النموذج السياسي الحالي لممارسة الديمقراطية، وإذ عدنا إلى المعاني التنظيرية، فإن الحق في الانتخاب، هو ذلك الحق الذي يمكن المواطنين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية من المساهمة في اختيار الحكام، وفقا لما يرونه صالحا لهم، أو وفق ما تمليه عليهم ميولهم أو انتماءتهم السياسية وقناعاتهم الفكرية، وذلك الحق هو حق شخصي للمواطنين لتمكينهم من المساهمة في الشؤون العامة للبلاد وإدارتها، وهو حق ذو صلة بالوظائف الاجتماعية للأفراد، تؤكد على دورهم الاجتماعي، وتختلف النظم الاجتماعية ما بين نظام سياسي وآخر، ولكنها جميعها تصب في ضمان حق الانتخاب أو الاقتراع، سواء كان مباشر أو غير مباشر، وسواء كان علنيا أو سريا، أو مقيدا أو عاماً، كما تختلف أساليب الانتخاب ما بين كل واقعة، تقتضي توظيف ذلك الحق، وأهم تلك الأحداث أو المناسبات السياسية التي يُمارس فيها حق الانتخاب، تكون في انتخابات المجالس النيابية، أو انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو أيضا  يعني تمكين المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية من المساهمة في اختيار الحكام، وفقا لما يحقق مصالحهم من كافة النواحي. لكن المؤسف أن يتم هذا الدمج الوظيفي بين الأحزاب المختلفة لتشملهم قائمة واحدة، ولا يوجد أمامها خصم آخر، يوحي بوجود معنى، ولو تمثيلي لمفهم الانتخاب، أو لممارسة الديمقراطية.

ولما كانت الديمقراطية هي النسق الذي ارتضاه غالبية المجتمع الدولي؛ ليعبر عن أهم مواصفات الحكم السياسي الرشيد، وارتضته معظم أو غالبية النظم السياسية، وهو الذي يؤكد على أن يحكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه، كمبدأ عام، وهذا المنطق هو ما يدعو لأن تكون هناك علاقة قوية ووطيدة ما بين الحكم الديمقراطي وسيادة القانون، حيث لا تعيش الديمقراطية الصحيحة ولا تنمو، إلا بسيادة قانون عادل، يطول جميع المنتمين إلى البلد الديمقراطي، يحدد لكل مواطن مسئول وغير مسئول، سُلم الحقوق والواجبات، ويمنع جميع المخالفات على وفق مبادئ واحدة، تسري على الجميع، كما أنه يحدد واجبات السلطات الحاكمة وحدودها، ويبين مدى احترامها لنفاذ حقوق المواطنين. وهذه المعاني التي لا يمكن بحال من الأحوال، أن نعتمد النسق المصري في انتخابات مجلس الشيوخ؛ ليكون نموذجاً معبراً عن صيرورة المعنى أو تحريكه، إنما يمكننا وصفه، بأنه تأطير للعمل السياسي بشكل أوسع، بحيث لا يتبقى منه سوى المعاني النظرية دون الممارسات الفعلية.