ظهرت النتائج المعلومة والمتوقعة لانتخابات مجلس الشيوخ إلى العلن، أول تداعيات وآثار، وما يمكن أن يترتب على ما أعُلن هو عدم الثقة في المشاركة في الترشيح، أو الاقتراع مرة أخرى، وكذلك حتمية إبدال جهات إدارة عملية الاقتراع، بل والأفضل هيئة الإشراف كلية. الكفران هو النتيجة المنطقية للخوض في تجارب أصبحت كئيبة المشهد، ما لم يتبدل المُناخ العام بأسره، ويُصحح وتُصبح الانتخابات مجرد واحدة من آليات تغيير مناخ حرية الرأي والتعبير في البلاد.

نتائج الفردي مُخطط التلاعب بها بعناية

الناظر والمُطلع على نتائج الانتخابات على مستوى المقاعد الفردية الـ100، يلحظ أن النتائج مُخطط التلاعب بها بعناية وبتفكير إبليسي رجيم. فتلك الانتخابات أسفرت عن فوز مستقبل وطن بـ58 مقعدا، وحماة الوطن بـ23 مقعدا، والجبهة الوطنية بـ9مقاعد، والشعب الجمهوري بـ5 مقاعد، إضافة إلى وجود 5 مقاعد أخرى، ستُحسم في الإعادة بمحافظات الغربية وبني سويف والأقصر والإسماعيلية والوادي الجديد.

محافظات الإعادة الخمس آنفة الذكر، يعيد فيها عشرة مرشحين، منهم 2 مستقبل وطن، و2 حماة الوطن، وواحد بالجبهة الوطنية. ومن يُكلف ذاته عناء البحث في قوائم المرشحين في الموقع المتواضع جدا والفقير للهيئة الوطنية للانتخابات، (والتي تنذر كل يوم من ينتقد عملها، وكأن أعضاءها يقومون بعمل قضائي لا إداري)، يتبين أن جملة مرشحي مستقبل وطن في الفردي هم 60 مرشحا، (وهو بالفعل مجموع الـ58 مرشحا المعلن فوزهم والـ2 في انتخابات الإعادة). وجملة مرشحي حماة الوطن وعددهم 25، هم بالفعل حاصل جمع الـ23 مرشحا المُعلن فوزهم والمرشحين الاثنين في الإعادة. وجملة مرشحي الجبهة الوطنية في قوائم مرشحي الهيئة الوطنية بالفردي، وعددهم 10، هم التسعة الفائزين في المرحلة الأولى وواحد في الإعادة.

يدلل على كل ما نقول، البيانات على مستوى المحافظات الـ27، والتي بها المرشحين من الأحزاب الأربعة مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري. فحاصل جمع مرشحي هؤلاء بكل محافظة هم أنفسهم المُعلن فوزهم في الانتخابات بذات الأعداد وبدقة متناهية. بعبارة أخرى، لم يسقط أحد من مرشحي تلك الأحزاب في الانتخابات، ولم يفُز أحد منهم مقابل إسقاط آخر، لسبب بسيط؛ لأن الأحزاب الأربعة- ومن خلفهم- وضعوا وهندسوا مرشحيهم بذات مجموع المطلوب فوزهم. فمثلا محافظة القاهرة ومطلوب بها فوز 10 مرشحين، ترشح فيها 57 مرشحا، من هؤلاء 7 من مستقبل وطن و2 حماة الوطن وواحد شعب جمهوري ولا شيء للجبهة، وكل هؤلاء الـ10 فازوا. وفي الإسكندرية مطلوب 7، وإجمالي عدد المرشحين 22 منهم 3 مستقبل وطن و2 حماة الوطن وواحد لكل من الشعب الجمهوري والجبهة، وقد فاز كل هؤلاء الـ7. وفي الجيزة ترشح 28 ومطلوب فوز 8، وكان ضمن المترشحين 5 مستقبل وطن وواحد لكل حزب من الأحزاب الموعودة الثلاث، وكانت النتيجة فوز الثمانية، وهكذا!

تخطيط لمنع وصول المعارضة المُدجنة للمجلس

في ذات السياق، ترشح على المقعد الفردي عدد محدود للغاية من أحزاب المعارضة المُدجنة، والتي قبلت أن تشارك في الانتخابات بغرض إثبات التواجد على الساحة في نظام حزبي، كان مهترئا إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فصار اليوم ممزقا ومبعثرا وبلا هوية، بعد أن عكف على الركض خلف سلطة، ثبت أنه لن تطال منها تلك الأحزاب شيئا، حتى بعد أن لعقوا بحذاء كل من يعد، ولا يفي، ويصول ويجول بلا أدنى نتيجة إيجابية لصالح الشعب، وحل مشاكله (انظر تصريحات رئيس حزب الوعي الذي ذكر فيها، أنه فعل كل شيء للدخول للقائمة الموحدة دون جدوى).

الوفد ترشح على المقعد الفردي بـ4 مرشحين، والناصري بواحد، والجيل بـ10، والمصري الديمقراطي الاجتماعي بـ3، والمؤتمر بـ14، والنور السلفي بـ8، والوعي بـ5 (وله مقعد يعيد عليه في بني سويف)، كل هؤلاء وغيرهم وغيرهم من الأحزاب خرجوا صفر اليدين من الانتخابات الفردية، رغم أن السلطة التي أعدت القائمة الموحدة شاركت بعض تلك الأحزاب بفتات المقاعد، بغرض واحد فقط، وهو إثبات أنها لا تقصي ولا تحتكر. الرائي للمشهد يتبين له، أننا أمام ذات مشهد الإخوان، أنصار المغالبة والاحتكار، حيث يتم اللعب بفتات الأرقام، عسى أن يضحك من يديرون المشهد برمته على السذج. فالقائمة الموحدة بها 12 حزبا للترشح على 100 مقعد، ومن ثم بها 100 مترشح أساسي. هذه القائمة بها 80 مقعدا، يحتكرها مستقبل وطن (44 مترشحا) وحماة الوطن (19 مترشحا) والجبهة الوطنية (12 مترشحا) والشعب الجمهوري (5 مترشحين). أما المقاعد الـ20 المتبقية، فوزعت على 8 أحزاب هي: الوفد والحرية والتجمع والمصري الديمقراطي والمؤتمر والإصلاح والتنمية والعدل وإرادة.                                                                                                                                                ووهكذا استبعدت النتائج كل ما هو مُدجن، أما أحزاب وقوى المعارضة الجادة كالتحالف الشعبي و25/30 والاشتراكي المصري والكرامة، فلا مكان لها، بعد أن أخرجت نفسها من لعبة الانتخابات، التي ثبت أنها تزكية وتعيين في الـ300 مقعد، وليس فقط في مقاعد القائمة الموحدة الفريدة والموعودة، أو المعينين وعددها الثلث.

ما العمل؟

الانتخابات القادمة لمجلس النواب ستكون بعد عدة أسابيع، تلك الانتخابات ما لم تتحسن فيها الأجواء الانتخابية خاصة، والأجواء السياسية، على النحو الذي ينفتح معه المجال العام، لن تكون هناك فائدة مرجوة من البيئة السياسية التي تتعرض اليوم لموت سريري.

فتح المجال العام هنا، لن يكون إلا بالإفراج عن المسجونين السياسيين، والمتهمين باتهامات ترتبط بحرية الرأي والتعبير، وإنهاء أوضاع المحبوسين احتياطيا المرتبطين بتلك القضايا، ما لم يرتبط أسماء هؤلاء بممارسة عنف حقيقي.

الدعوة الرئاسية اليوم لتحرير الإعلام لن تنل حظها من التطبيق على الأرض، ما لم ينته احتكار “المتحدة للإعلام” للإعلام، وينفتح المجال العام كما ذكر آنفا.

لأجواء انتخابية جيدة في مجلس النواب، يتحتم إنهاء ما يُمارس من “دلع” لأحزاب الدولة، فتلك الأحزاب يجب أن تُعامل كأي أحزب تفوز وتخسر. لن يثق المواطن في المشاركة في الاقتراع في الانتخابات، ما لم يتبعثر مرشحو أحزاب السلطة وسط جداول المرشحين المعلنة من قبل هيئة الانتخابات. لن يتوجه أحد للتصويت في الانتخابات، ما لم تتوزع الرموز بحياد. ولن يدخل أحد مقرات الاقتراع للإدلاء بصوته بحق واقتناع، ما لم يتعدد المتنافسون في شق القوائم المطلقة المعيبة بداية، فنجد تنافس قوائم مستقبل وطن لقوائم الجبهة، وتنافس حماة الوطن للقائمتين. لن يؤمن أحد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة النتائج، ما لم يكن الفرز على مسمع ومرأى من كاميرات التلفزيون ومؤسسات المجتمع المدني المصرية والأجنبية، حتى لا تظهر نتائج كتلك التي تحدثنا عنها، بغرض تأسيس مجالس مدجنة وطيعة، تمرر التشريعات وتخلو من الرقابة.