أصبح المستثمرون الخليجيون المنقذ للشركات العقارية المصرية لبيع العقارات الفاخرة التي دأبت هذه الشركات على التوسع فيها طوال السنوات الماضية، مع تراجع القوة الشرائية للمصريين، وفتور السلوك المضاربي الذي حرك السوق لسنوات.

حققت مبيعات أكبر 10 شركات عقارية بمصر 651 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام الحالي، مقابل 442 مليار جنيه في الفترة المماثلة من العام الماضي، بحسب تقرير حديث، أعدته شركة «The Board Consulting» لأبحاث ودراسات السوق العقاري.

كان المحرك الأساسي للمبيعات في تلك الفترة الطلب الخليجي المرتفع لشراء عقارات بمنطقة الساحل الشمالي، إذ كشفت إحدى شركات التسويق العقاري الكبرى عن تحقيقها مبيعات بقيمة 33 مليار جنيه، لصالح المطورين خلال 5 أشهر، تراوحت نسبة الخليجيين منها ما بين 30 و40%، مع توقعات بارتفاع النسبة إلى 50% من المبيعات بحلول نهاية 2025.

مع ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 200% منذ عام 2022، لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد 13%، ما سبب فجوة واضحة بين القدرة الشرائية والأسعار المعروضة، وحاول المطورون حل المعضلة بزيادة مدة تقسيط بيع الوحدات العقارية من 5 سنوات لـ15 عامًا حاليًا، حتى تحاول الاقتراب من القوى الشرائية للعملاء.

في ظل ذلك التباطؤ في المبيعات، ركز المطورون على الترويج لقيمة المبيعات (ثمنها)، وليس حجمها (عدد الوحدات المباعة)، فحجم المبيعات خلال الربع الأول من العام الجاري، استقر عند نحو 18.5 ألف وحدة مقارنة بالربع الأول من 2024، إلا أن متوسط سعر الوحدة ارتفع بشكل لافت؛ ليبلغ 15.7 مليون جنيه، بزيادة قدرها 25% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، أي أن ارتفاع الأسعار هو المحرك الأساسي لنمو قيمة المبيعات وليس حجمها.

الأجانب كلمة السر

بحسب رانيا رمضان، خبيرة التسويق العقاري، فإن المصريين بالخارج والأجانب ساهموا في ضخ مبالغ مالية كبيرة في شراء العقارات بمصر، ونحو 30% إلى 35% تقريبا من المبيعات تنتمي لهذه الفئة.

استفادت مشتريات الأجانب في مصر من قرار مجلس الوزراء بالسماح بتملك العقارات للأجانب دون حد أقصى، مع تخفيف الضوابط في خطوة تستهدف في المقام الأول تحقيق تنشيط تصدير العقار المصري وتعزيز الموارد الدولارية.

ودرست وزارة العدل تعديلات تشريعية على القانون رقم 260 لسنة 1996، الذي ينظم تملك غير المصريين للعقارات المبنية، والأراضي الفضاء الذي يتيح لشخص أجنبي هو وأسرته امتلاك عقارين كحد أقصى، بشرط ألا تتعدى مساحة الواحد منها 4 آلاف متر (العقار بالحديقة والمباني المرفقة به).

ارتفعت أسعار العقارات بنسبة تتراوح بين 10 و15% خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بنحو 20- 30% كانت متوقعة قبل بداية العام، وزادت معدلات الشراء بغرض الاستثمار، خاصة في ظل تراجع الفائدة على الجنيه المصري.

تضيف رانيا رمضان، أن هناك مشروعات بـ”زيرو مقدم”، وهو أمر غير مسبوق ورغم تخوف البعض من النتائج العكسية وتأويله كعلامة على الركود، لكن ذلك الأمر يتضاءل في ظل رغبة الشركات في توفير عروض جيدة للعملاء، خاصة بسوق العاصمة الإدارية.

إلغاء الحجوزات

كما عانى عدد من الشركات العقارية من ارتفاع نسبة إلغاء الحجوزات في مشروعاتها، من بينها شركة مدينة مصر، التي كشفت عن زيادة في معدلات إلغاء التعاقدات خلال النصف الأول من عام 2025، لتصل إلى نحو 1.3 مليار جنيه، مقارنة بـ 188.1 مليون جنيه فقط في نفس الفترة من العام الماضي.

وقالت د. عبير عصام، عضو غرفة التطوير العقاري، إن تخارج السماسرة من السوق العقارية أدى إلى ارتفاع عمليات إلغاء الحجوزات الوحدات العقارية، موضحة أن ارتفاع الحجوزات الملغاة لا يرتبط بشكل رئيسي بتعثّر العملاء الحقيقيين في السوق العقارية عن سداد الأقساط.

توضح عصام: خلال الأعوام الماضية، نشأت طبقة عريضة من المضاربين على أسعار العقارات الذين يحجزون في عدد من المشروعات مع بدايتها الأولى، ثم يبيعون الوحدات المحجوزة لعملاء آخرين، ويحصلون على عمولة أو فرق سعر، يصل في بعض الأحيان لـ 100 ألف جنيه.

وقالت عصام إن السماسرة كانوا يتوقعون ارتفاع أسعار الوحدات العقارية؛ لكن في ظل الركود واستقرار أسعار الدولار، لم تتحقق توقعاتهم، ما اضطرهم إلى إلغاء حجوزاتهم، خاصة أن كثيرًا منهم غير قادرين على الالتزام بسداد الأقساط.

أضافت عصام أن الشركات العقارية الصغيرة قد تعاني خلال 2025 من بعض المشكلات والتعثر المالي، خاصة بعد تقديمها عروضًا بأنظمة سداد تصل إلى 12 عامًا.

لماذا يشتري الخليجيون؟

ارتفعت مشتريات الأجانب (معظمهم خليجيون) للعقارات المصرية بنسبة 91% خلال أول 9 أشهر من العام المالي 2024/ 2025 لتسجل 1.6 مليار دولار مقابل 840 مليون دولار في العام السابق.

بحسب موقع الحجوزات السياحية العالمي “ويجو”، ارتفعت حجوزات الطيران والفنادق من دول مجلس التعاون الخليجي إلى مصر بنسبة 12% العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، وأصبحت مصر وجهةً سياحيةً مفضلةً بفضل تنوعها السياحي الواسع.

يرى الخليجيون في العقار المصري حاليا دجاجة تبيض ذهبا، خاصة مع انخفاض قيمة العملة المصرية، فـ 25 ألف دينار كويتي، يمكن لصاحبها شراء وحدة مصرفية “بنك صغير يقدم خدمات معينة” فاخرة بغالبية مشروعات الساحل الشمالي حاليًا، كما يفضل البعض شراء وحدة عقارية وتأجيرها وتحقيق عائد منها.

ساهم في تلك الرؤية العائد الكبير من الاستثمار بالعقار المصري، فمشروع مثل «ويست هيلز» الذي طرحته شركة إنرشيا العقارية قبل 12 عاما بسعر للمتر يناهز 4 آلاف جنيه، ارتفع سعر المتر في مشروع “جولز” الملاصق له لـ80 ألف جنيه للمتر، ما يعني أن العميل الذي اشترى في «ويست هيلز» حقق مكاسب تزيد على 20 ضعفا في المتر، وكذلك وحدات الساحل الشمالي في «جيفيرا» زادت خلال الـ 8 سنوات الماضية بنسبة 500%.

كيف يواجه المطورون الأزمة؟

يعتمد المطورون على استراتيجيتين رئيسيتين للتكيف مع التحديات الحالية؛ الأولى بتمديد فترات السداد لتتناسب مشروعاتهم مع القدرات المالية للمشترين، وأصبح من الدارج أن تطرح الشركات مدد أقساط تمتد حتى 14 عامًا مع تقليص المقدم لـ 10% وأحيانا إلغائه.

أما الاستراتيجية الثانية، فشملت تقديم حوافز وعمولات مميزة للوسطاء والمسوقين، بهدف تعزيز تميز مشروعاتهم وسط منافسة السوق، لكن ذلك سبب فوضى بسوق التسويق العقاري ومطاردة العملاء هاتفيًا.

وفرض الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بمصر غرامة تصالح بقيمة 20 مليون جنيه على إحدى الشركات نهاية العام الماضي، وذلك لمخالفتها لوائح الجهاز بخصوص المكالمات التسويقية المزعجة.

وقال رئيس شركة عقارية، إن الشركات العقارية وجهت أخيرا تنبيهات للمسوقين باختصار المكالمات الهاتفية على العملاء الذين أبدوا رغباتهم في الشراء من خلال الحملات التسويقية لتلك الشركات، أو الذين قدموا استفسارات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف أن الشركات العقارية تواجه مشكلة في التسعير أيضًا، إذ قدر البعض العام الماضي الدولار بسعر مرتفع ومع هبوطه العام الحالي، لا يستطيعون خفض سعر الشقق في المراحل الجديدة؛ لأن العملاء الذين اشتروا العامين الماضيين سيثيرون مشكلة.

وأوضح أن الشركات تعتمد حاليا على تصدير العقار بشكل أساسي فبعض الشركات حققت 30% من المبيعات للأجانب بجانب التوسع الخارجي عبر افتتاح مشروعات بالخليج.

تعاني الشركات العقارية حاليًا من ضغوط؛ للحفاظ على وتيرة المبيعات وسط التباطؤ، ومحاولاتهم موازنة تأثير انخفاض القدرة الشرائية والقيود المالية التي تؤثر على قطاع العقارات، خاصة في ظل رفض البنوك تمويل الوحدات تحت الإنشاء واشتراطها تمويل الوحدات كاملة التشطيب.