بالتزامن مع زيارة منتظرة لرئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي عبد الرحمن محمد عبد الله إلى الولايات المتحدة، حث السيناتور الأمريكي تيد كروز إدارة الرئيس دونالد ترامب، على الاعتراف بالإقليم كدولة ذات سيادة ضمن حدودها المعترف بها دوليا منذ عام 1960، في تطور قد يثير التوترات في منطقة القرن الإفريقي المضطربة.
وأكد كروز في خطاب رسمي إلى ترامب، أن أرض الصومال، التي استعادت استقلالها من الصومال في عام 1991 بعد فترة من الاتحاد الطوعي، قد أثبتت نفسها كـ”دولة ديمقراطية مستقرة ذات حكم ذاتي فعال”، مشيرًا إلى نجاحها في إجراء عدة انتخابات سلمية منذ عام 2003، شهدت مشاركة شعبية واسعة وانتقالًا سلميا للسلطة.
وأشار إلى أن أرض الصومال تسهم في مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتمتلك قوات أمن فعالة، وأبدت استعدادًا لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية على البحر الأحمر، وعرضت التعاون في مجال المعادن الاستراتيجية لدعم سلاسل التوريد الأمريكية.
وتحدث كروز عن تعرض الإقليم، لما وصفه بـ”ضغوط متزايدة” من قِبل خصوم الولايات المتحدة، على رأسهم الحزب الشيوعي الصيني، الذي يستخدم أدوات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي لمعاقبة أرض الصومال؛ بسبب دعمها لتايوان.
ورغم دعوته للانفصال، فقد أثار كروز مفارقة، حينما كرر ضمنيا الموقف الأمريكي الداعم لوحدة الصومال، وهو (أي حديث السيناتور في إجماله) ما أدانته الصين، تزامنا مع زيارة رئيس الحكومة الصومالية إليها.
ضغط سياسي أمريكي
تأتي هذه التطورات في سياق محاولة واضحة لتهيئة مناخ سياسي ونيابي داخل واشنطن، لدعم مشروع الاعتراف بأرض الصومال وفك ارتباطها عن الصومال، عبر الدفع بأجندة جيوسياسية مرتبطة بالصراع الأمريكي- الصيني في القرن الإفريقي.
ويثير توظيف الزيارة الوشيكة لرئيس الإقليم غير المعترف به دوليا إلى واشنطن، العديد من الإشكالات على رأسها التشويش على القنوات الرسمية، إذ أن التعامل المباشر مع رئيس كيان غير معترف به، بمعزل عن حكومة مقديشو، يمثل تجاوزًا للبروتوكول الدبلوماسي الدولي، ويهدد العلاقة مع الحكومة المعترف بها دوليا.
وتأتي الزيارة، بينما يشهد القرن الإفريقي اضطرابًا سياسيا وأمنيا، مع تصاعد التوتر بين الصومال وإثيوبيا، إضافة إلى حراك صيني متزايد في المنطقة، ما يجعل أي تحرك نحو الاعتراف بأرض الصومال تصعيدًا سياسيا كبيرا.
ومن المرجح، أن يستخدم قادة الإقليم هذه الزيارة كمنصة دعائية لإبراز عمق علاقاتهم مع الولايات المتحدة، مما يمنحهم أوراق قوة أمام الداخل المحلي والخصوم الإقليميين، حتى دون الحصول على اعتراف رسمي.
العرض المغري:
وحتى قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض كرئيس منتخب، كان الإقليم يأمل في أن هذه العودة ستمنحه الاعتراف الرسمي، الذي يعتقد الرئيس البالغ من العمر 69 عاماً، أنه “بات وشيكاً “، نظرا للشراكة مع أمريكا ” في الأمن، ومكافحة الإرهاب، وحماية الممرات البحرية التجارية العالمية.
ويسود تفاؤل في أوساط الإقليم، بأن هذا الاعتراف لم يكن يومًا أقرب مما هو عليه الآن، حتى أن رئيسه عبد الرحمن محمد عبد الله، يعتقد أنها مسألة وقت فقط، وليس إن كان سيحدث، بل متى، ومن سيقود عملية الاعتراف.
وفقا لأجندة الزيارة، سيعقد عبد الرحمن اجتماعات على مستوى عالٍ في العاصمة الأمريكية واشنطن، تشمل: مسئولين كبارا في الحكومة الأمريكية وأعضاء في الكونجرس وخبراء في السياسة الخارجية، بالإضافة إلى ممثلين عن مراكز أبحاث مؤثرة.
وتأتي الزيارة عبر عرض استراتيجي للولايات المتحدة، يشمل إتاحة الوصول إلى قاعدة عسكرية رئيسية على البحر الأحمر والوصول إلى الموارد المعدنية الحيوية، ويأمل الإقليم، في أن تعكس هذه الخطوة الجريئة الأهمية الجيوسياسية المتزايدة له، وسط تسابق القوى العالمية على النفوذ والموارد في إفريقيا.
وأبدى الأمريكيون مؤخراً اهتمامًا متجددًا بتعميق العلاقات مع أرض الصومال، حيث دعا بعض أعضاء الكونجرس لاتباع نهج أكثر برجماتية، يتجاوز سياسة “الصومال الواحد” التقليدية.
وكرر ترامب مؤخرا، وأكثر من مرة، إن إدارته تدرس طلب أرض الصومال الطويل الأمد للاعتراف الدولي، وهو إقرار علني نادر، يشير إلى تحوّل محتمل في سياسة واشنطن تجاه هذا الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي.
تزامنت تصريحاته مع نصوص في موازنة السنة المالية 2026، تطالب وزير الخارجية الأمريكي باستكشاف سبل التعاون الثنائي الأعمق مع أرض الصومال.
وعلى الرغم من نجاح زيارة رئيس أرض الصومال السابق موسى بيهي عبدي إلى الولايات المتحدة عام 2022، في إدخال ملف الاقليم في الكونجرس والإدارة الأمريكية في عهد جو بايدن، لكنها فشلت في تحقيق الاعتراف؛ بسبب حسابات جيوسياسية؛ وخشية واشنطن من تداعياته الإقليمية والدولية.
ومنذ انفصاله عن الصومال عام 1991، لم يحصل الإقليم على اعتراف دولي رسمي، لكن يسعى حاليا لترسيخ نفسه كشريك محتمل للولايات المتحدة، خاصة في ظل الموقع الاستراتيجي قرب مضيق باب المندب، باعتباره ممرا حيويا للملاحة العالمية للاحتياطيات غير المستغلة من المعادن الاستراتيجية.
يراهن الإقليم، على أن ترامب سيكون أول زعيم يعترف بالإقليم المعلن من جانب واحد، مقابل السماح ببناء قاعدة عسكرية أمريكية بالقرب من ميناء بربرة الاستراتيجي على خليج عدن، علما بأن مسئولين عسكريين أمريكيين، بمن فيهم القائد الأعلى لمنطقة القرن الإفريقي، زاروا هرجيسا “عاصمة أرض الصومال” مؤخرًا لتقييم الميناء الذي استثمرت الإمارات، أحد أقرب الحلفاء لترامب، أكثر من 442 مليون دولار في تطويره مع الطريق المؤدي إلى إثيوبيا، باعتباره بوابة إستراتيجية هامة لتصدير واستيراد البضائع لإثيوبيا الحبيسة بريا دون أي منفذ بحري داخل أراضيها.
وردًّا على الضغوط والتفاوض بشأن ميناء بربرة الواقع ضمن أرض الصومال، عرضت الحكومة على واشنطن، سيطرة حصرية على قواعد جوية ومواني في مناطق تشمل بربرة وبوصاصو، لتعزيز حضورها ضد النفوذ الصيني والتنظيمات الإرهابية.
النفوذ الصيني على طاولة الصراع
وسط انقسام داخل إدارة ترامب، يدعو البعض صراحة إلى الاعتراف بأرض الصومال كبديل استراتيجي لتراجع النفوذ الأمريكي في جيبوتي.
ولا يعترف مشروع قانون أمريكي بعنوان “قانون الشراكة مع أرض الصومال” تم تقديمه في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2022، باستقلال الإقليم، لكنّه يدعو إلى تعزيز التعاون الأمني والدبلوماسي معه لأسباب استراتيجية.
ويعتمد مشروع القانون على أهمية أرض الصومال بالنسبة للولايات المتحدة بالنظر إلى موقعها الجغرافي، حيث تقع في القرن الإفريقي، قرب مضيق باب المندب والخليج، ويدعو إلى سياسة “مخصصة” للإقليم، تختلف عن باقي الصومال ولعدم التعامل مع الصومال ككتلة واحدة، عبر تجنب “سياسة القالب الواحد”.
لكن هذا سيغضب الحكومة الصومالية، التي تعتبر أرض الصومال جزءًا من أراضيها، وقد يفتح الباب لحركات انفصالية في إفريقيا، ويزيد من تعقيدات القرن الإفريقي.
ونقل جافين ويليامسون، وزير الدفاع البريطاني الأسبق، عن مسئولين أمريكيين، أن الاعتراف الأمريكي المحتمل قادم، وسط تكهنات بأنه سيتم مقابل السماح للولايات المتحدة ببناء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية.
التهجير من غزة
وليس سرا أن أمريكا وإسرائيل، ناقشتا مع عدة دول في شرق إفريقيا، منها الصومال والسودان، وأرض الصومال، إمكانية استيعاب لاجئين فلسطينيين من غزة، ضمن مشروع إدارة ترامب لإخلاء سكان غزة، وإعادة إعمارها وتحويلها إلى ما وصفه بـ”ريفيرا الشرق الأوسط”.
ورغم نفى رئيس الإقليم، أن تكون حكومته دخلت في أي محادثات مع واشنطن بشأن إعادة توطين فلسطينيين، بالنظر إلى أنها ” تتطلب إجماعاً عربياً وحواراً شاملاً”، فان الأمر لا يعدو سوى كونه جزء من أسلوب التفاوض، ولا يعد موقفا نهائيا.
وعلى الرغم من وجود معارضة شعبية قوية داخل الإقليم تجاه أي محاولة لإعادة توطين سكان غزة داخل أراضيه، تبدو “حكومة الإقليم مستعدة لتقديم تضحيات كبيرة من أجل الاعتراف الدولي، لكنها لن تفعل ذلك على حساب الاستقرار المحلي”، وفقا لمحللين.
في المقابل، تعتبر الحكومة الصومالية إقليم أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، حيث رفض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أي اعتراف بالإقليم كدولة مستقلة، معتبرًا أن أي اتفاقات تتعلق بها “غير قانونية، وتتنافى مع سيادة البلاد والدستور” .
ولدى إبرام أرض الصومال مذكرة تفاهم، مثيرة للجدل مع إثيوبيا عام 2024، تقضي بتأجير ساحل على خليج عدن، قامت الصومال بعقد اجتماع طارئ، واستدعت سفيرها من أديس أبابا، واعتبرت الاتفاق خرقًا لسيادتها.
بيد أن وساطة تركية، ساهمت في تخفيف التوتر، عبر فتح محادثات، تعارضها مصر، لمناقشة تمكين إثيوبيا من الوصول إلى البحر تحت سيادة الصومال، دون الاعتراف باستقلال أرض الصومال .
كما فرض الصومال حظر دخول لحاملي جوازات السفر التايوانية بعد افتتاح تايوان مكتبًا في أرض الصومال، معتبرا الأمر انتهاكًا لسيادته.
المعادلة الداخلية: انتهاكات ورفض للانفصال
أعلن الإقليم استقلاله عام 1960، كدولة مستقلة، قبل أن يتحد طوعياً مع الصومال لتشكيل جمهورية الصومال، لكن انهيار الدولة أوائل التسعينيات، دفع قبيلة الإسحاق المهيمنة للانفصال عام 1991، في حين ترفض قبائل الدارود في مناطق سول وسناج هذا التوجه، مما يعقد التماسك الداخلي.
ويضعف عدم التوازن في تمثيل هذه القبائل في المؤسسات السياسية للإقليم من شرعيته أمام المجتمع الدولي، ويثير تساؤلات عن مدى شموليته.
وخلال عام 2023، تصاعد التوتر في مدينة لاسعنود شمال شرق الصومال بين سلطات “أرض الصومال” وسكان محافظتي سول وسناج، المطالبين بالانفصال عن الإقليم والانضمام إلى الحكومة الفيدرالية في مقديشو، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة خلفت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
واتهمت منظمات حقوقية دولية، قوات الإقليم باستخدام أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مأهولة، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين.
تكشف تحركات واشنطن، والزيارة المقررة لرئيس اقليم أرض الصومال إليها، تصاعد التحرك الأمريكي تجاه دفع ممنهج للاعتراف السياسي بالإقليم، ضمن صفقة جيوسياسية، ستفتح جبهة جديدة من التعقيدات أمام حكومة الصومال، ما يهدد بإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بأكملها.
ثمة هواجس، من أن يؤدي الاعتراف الأمريكى لتوتر علاقات واشنطن مع جيبوتي، التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية، ويثير مخاوف إريتريا من تعزيز نزعات انفصالية داخلية، بينما يعقد الأمن البحري في مضيق باب المندب مع تصاعد تهديدات الحوثيين.
في النهاية، يبقى مصير أرض الصومال معلقا بين شبكة من العوامل: طموحها الانفصالي، ومصالح أمريكا، وصمود حكومة مقديشو، ومعارضة مصر، ووساطة تركيا، فإما أن يعاد تشكيل القرن الإفريقي، وإما أن ينفجر برميل بارود جديد هناك.