بناءً على نصيحة من شركة تسويق عقاري مرموقة، ضاربت صحفية شابة بكل مدخراتها في شراء شقة سكنية بمشروع جديد لشركة عقارية ضخمة، على أمل بيعها مجددًا خلال أقل من 6 أشهر، بهامش ربح يزيد على 150 ألف جنيه.
لعدم قدرتها على دفع الأقساط، أصبحت الصحفية بمأزق فالمدة الزمنية مرت وأسعار الوحدة لم تتحرك، وأصبحت مُلزمة بسداد الشيكات التي دفعتها للشركة العقارية، أو سحب المبلغ الذي دفعته مخصوما منه 20% كغرامة على عدم الالتزام بالسداد.
ما زاد الطين بلة، أن الشركة العقارية رفضت الانتظار لحين حل المشكلة، وقدمت الشيكات للنيابة، وأصبحت الإعلامية المذكورة مطاردة من تنفيذ الأحكام الذين يتوجهون بصفة مستمرة لمقر إقامتها المقيد بالبطاقة الشخصية في إحدى القرى، وأمام الخوف من الفضيحة، أصبح كل ما تتمناه حاليًا هو خسارة أموالها والتصالح واستعادة الشيكات فقط؛ كي تستعيد حياتها.
تظهر المشكلة سالفة الذكر حال الكثيرين الذين تتلاعب بطموحاتهم شركات التسويق العقاري حاليًا التي تزايد عددها، لدرجة أن المطورين والشركات العقارية يشتكون من تأثيرها السلبي على السوق، رغم دورها في تسويق مشروعاتهم.
عالم الظل
لا توجد إحصائية رسمية بعدد شركات التسويق العقاري بمصر في ظل عمل قطاع كبير منهم بالظل عبر مكاتب محاماة أو شركات غير مرخصة، فالجمعية المصرية للتسويق العقاري تقدر عدد الشركات المرخصة بحوالي 8 آلاف فقط، لكنها تؤكد وجود أعداد كبيرة، تعمل بصفة مستقلة.
ترفع بعض التقديرات غير الرسمية شركات التسويق العقاري إلى 45 ألف شركة، يعمل بها قرابة نصف مليون شخص، وحاولت الدولة التدخل عبر قانون الوساطة العقارية الذي يحظر مزاولة أي عمل من أعمال وسطاء العقار، إلا لمن يقيد اسمه في سجل الوكلاء التجاريين أو الوسطاء العقاريين.
تهرب شركات التسويق إلى الظل في ظل ارتفاع الأعباء الضريبية التي تصل لـ 31% مجتمعة، فشركات التطوير العقاري تخصم 5% من عمولة شركات التسويق كضريبة، كما تدفع الأخيرة أيضًا 14% قيمة مضافة على العمولة المستحقة بجانب ضرائب الأرباح الرأسمالية وضريبة الدخل التي تصل مجتمعة إلى 11%.
رغم عقوبة القانون على المسوقين غير الرسميين التي تصل للسجن لمدة سنتين، وغرامة تتراوح بين خمسين ألف ومليون جنيه، لا يزال قطاع منهم يعمل في الظل لصعوبة حصرهم وتقديم خدماتهم عبر الهاتف المحمول، فضلاً عن عدم تقديم أي منتفع بلاغات ضد تلك الشركات.
السبب في انتشار التسويق
أمام عجز بعض الشركات العقارية عن تسويق مشروعاتها، أعطت شركات التسويق العقاري حوافز وعمولات ضخمة، وصلت لـ 4% من قيمة الوحدة في بعض الأحيان أي أن الشقة لو كانت قيمتها 4 ملايين جنيه، وهو متوسط الأسعار في السوق حاليا، يحصل المسوّق على 120 ألف جنيه و160 ألف جنيه.
ما زاد المشكلة أيضًا ظهور الشبكات العنقودية بالتسويق، بمعنى أن شركات التسويق بعدما تبيع شقة لعميل، تخبره بأنه قد يحصل على عمولة حال استقطابه عميل جديد، وهكذا فيصبح كل عميل مسوق لآخر في متوالية هندسية؛ تسبب مشكلة حال حدوث جريمة نصب من شركة التسويق، لأن كل عميل في هذه الحالة يقدم بلاغًا ضد العميل الذي استقطبه.
ساهم في زيادة مشكلات التسويق العقاري بمصر زيادة التسويق الإلكتروني، فقبل انتشار الإنترنت كان كل حي يتضمن سمسارًا معروفًا، يأخذ العميل في جولة على العقارات بالمنطقة للاختيار بينها، أما حاليًا فالعقار يُعرض ويُباع عبر الإنترنت، وأحيانا قد يكون المسوق غير معروف، لا المالك ولا المشتري سوى اسمه فقط.
انتهكت بعض شركات التسويق العقاري “خصوصية” العملاء أيضًا، حيث تحصل على بيانات العملاء بطريقة غير قانونية من النقابات، ومن بعض موظفي شركات الاتصالات، وهو ما تصدت الدولة له أخيرًا عبر تحديد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، القواعد التنظيمية الخاصة باستخدام خطوط المحمول في إجراء المكالمات الترويجية والتجارية.
المكالمات المزعجة
نصت التنظيمات الحكومية الجديدة على إحالة الشركة العقارية للنيابة العامة، بسبب المكالمات المزعجة، إذا لم يقم الراغبون في إجراء المكالمات الترويجية والتجارية بتسجيل بياناتهم لدى شركات المحمول العاملة بالسوق، وتفعيل خدمة المكالمات الترويجية، ما يضمن تقديم الخدمة بشكلٍ شرعي وقانوني دون الإخلال بخصوصية المواطنين أو إزعاجهم.
لإتاحة تلك الخدمة للمواطنين يحصل العملاء على تحذير مسبق، بأن المكالمة الواردة هيّ مكالمة ترويجية (NTRA Alert)، الأمر الذي يتيح للمواطنين حرية الرد على هذه النوعية من المكالمات أو تجاهلها وحال استقبال المواطنين لمكالمات ترويجية مجهولة المصدر، أو بدون تحذير مسبق، يتم الإبلاغ عن رقم المتصل، وسيتم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والتنظيمية ضد المتصلين، نظرًا لعدم قيامهم بالتسجيل لدى شركات المحمول ومخالفتهم للقواعد التنظيمية المقررة هذا الشأن.
لكن في المقابل، بدأت بعض شركات التسويق التحايل عبر شراء خطوط جديدة بأسماء الموظفين، لكن تم رصدها من قبل الجهاز القومي للاتصالات، وأرسل إليهم تحذيرات لتسجيل الأرقام وتحويلها لاستقبال فقط، وحال عدم التسجيل سيتم إغلاق الهاتف نفسه، وليس الشريحة، إضافة التحويل إلى النيابة العامة.
تغير شركات التسويق من استراتيجياتها باستمرار، فمع امتناع الزبائن عن الرد؛ بسبب تحذير (NTRA Alert)، لجأت إلى توظيف السوشيال ميديا بالإغراءات بعرض شقق بأسعار غير معقولة بدواعي السفر، أو تغيير أماكن الإقامة؛ بسبب المدارس، وحينما يتم كتابة تعليق، يتم اقتناص الزبائن؛ ليفاجئوا بمعلومات مختلفة تمامًا، وتوزيع الرقم المتصل على عشرات الشركات الأخرى.
المنازعات القانونية
تقف شركات التسويق العقاري وراء العديد من المنازعات القانونية من بينها بيع العقار لشخصين أو أكثر أو الإعلان عن عقارات وهمية غير موجودة، أو لم تكتمل بعد أو بيع عقار يتضمن منازعات قانونية، لم يتم تسويتها، أو بيع عقارات مرهونة، ويجد المشتري نفسه في مأزق قانوني قد يستمر لسنوات.
كما يوجد تداخل في عمليات البيع بين شركات التسويق العقاري، فقد تتولى أكثر من شركة بيع شقة واحدة، ما يتطلب الوصول لقواعد تحكم السوق، وتحمى العملاء؛ تجنباً لحدوث أي مشكلات بيعية أو انطباع سلبي عن الشركات العقارية، فكثرة التسويق لوحدات شركة عقارية وحيدة، قد يثير مخاوف حول وجود مشكلة بيعية لديها.
مطور عقاري معروف قال لـ”مصر 360″، إن بعض شركات التسويق تخلت عن دورها حاليًا كمسوق، ودخلت في مجال تقديم توصيات للعملاء بالشراء في مناطق بعينها، ووعدت العملاء بمكاسب خلال فترات زمنية قصيرة بفضل توقعات خاطئة بوصول الدولار لمستوى 70 جنيها، وعندما شهدت السوق حالة من الهدوء في المبيعات، وتراجع كبير بسعر الدولار؛ أصبح المشتري بغرض المضاربة السريعة في أزمة.
أضاف أن مكاسب العقار مضمونة، لكن المشكلة فيمن يشتري بقصد المضاربة على السعر؛ دون التأكد من قدرته على الوفاء بالأقساط، موضحًا أن أسعار بيع الوحدات العقارية بمصر خلال 2024 ارتفعت بنسبة تناهز 115% عن عام 2023، لكن من غير المتوقع تحقيق النسبة ذاتها في العام الحالي، وتدور التوقعات، أن تكون الزيادة بنسبة تتراوح بين 15 و20%.
بحسب شركة الخدمات العقارية البريطانية “سافيلز”، فإن سلوك الشراء المضاربي الذي يبحث عن عوائد سريعة بمصر، سينخفض بشكل كبير، وسيكون الطلب مدفوعاً بالحاجة الحقيقية للعقارات للأفراد وعائلاتهم للعيش فيه، متوقعة ألا تشهد أسعار العقارات ارتفاعًا ملحوظًا.