نشرت مصر مؤخرا عشرة آلاف جندي من قواتها المسلحة في الصومال، نصف هؤلاء تحت مظلة بعثة الاتحاد الإفريقي أمييصوم، والنصف الآخر بتفاهم واتفاقية موقعة مع الحكومة الصومالية .
الخطوة المصرية تثير العديد من الأسئلة بشأن تداعيات هذه الخطوة على التوازنات في منطقة القرن الإفريقي، وعما إذا كانت تجعل الصراع العسكري مع إثيوبيا أمرا محتملا.
في البداية علينا، أن نلاحظ أن مثل هذه الخطوة، لا بد وأن تكون قد تمت بعد سلسلة من المشاورات الإقليمية والدولية، وذلك في ضوء أمرين، الأول التهديد الإرهابي من جانب حركة شباب المجاهدين في الصومال التي تنازع الدولة السلطة، وتدير مساحات من الأراضي تتوسع أو تنكمش طبقا لقدرات حالة الدولة الصومالية ومؤسساتها السياسية والأمنية.
أما الأمر الثاني، فهو أن إثيوبيا رغم أنها قد حصلت على الإمكانية بوجودها العسكري في الصومال قبل أكثر من عقدين، فإنها قد فشلت في تحقيق الأمن في الصومال أو تقزيم تنظيم الشباب، بل على العكس تغول تنظيم حركة الشباب بالأراضي الإثيوبية أكثر من مرة في عمليات نوعية.
وفي ضوء أن غالبية المعطيات في كل من الصومال ومالي ترشحهما طبقا للتقارير الدولية لإمكانية تكرار نموذج طالبان في أفغانستان، أي الحصول على السلطة، فإن وجود قوة ردع قد تكون مطلوبة وفقا لبعض التقديرات، وفي هذا السياق، فإن الأهداف المصرية المعلنة هي مواجهة الإرهاب والمشاركة في عمليات حفظ السلام ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة لدعم الاستقرار في الصومال “أوسوم”، بما يساهم في الحد من انتشار الفكر المتطرف في المنطقة، وهو ما تعتبره مصر استثماراً في أمن واستقرار القارة الإفريقية ككل، خصوصا وأن الصومال يقع على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهما ممران ملاحيان حيويان للتجارة العالمية، ولقناة السويس، بما ينعكس على المصالح الاستراتيجية المصرية بشكل مباشر.
في الشق الاستراتيجي، يكون على مصر الاستجابة لعدد من التحديات منها أولا: ضرورة موازنة النفوذ الإثيوبي في ضوء إقدامه على محاولة الوجود في البحر الأحمر تحت مظلة إشكالية سد النهضة المحتدمة، بما وضع مصر في موقع التهديد المزدوج، والذي يتطلب العمل على عدم الإضرار بمصالحها.
ومنها ثانيا تعزيز العلاقات المصرية-الصومالية في ضوء اتفاقية التعاون الدفاعي التي تم توقيعها بين البلدين، والتي تعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما على جميع الصعد، ومنها الاقتصادية والتجارية، فضلا عن مجهودات دعم القدرات الصومالية في كافة المجالات.
وبطبيعة الحال تواجه الخطوة المصرية فرصا كبيرة لتصعيد التوتر مع إثيوبيا في ضوء الوجود العسكري المصري في الصومال، بما يزيد من التوتر القائم أصلاً بين البلدين؛ بسبب ملف سد النهضة، حيث إن التقدير الإثيوبي ينصرف إلى أن الوجود العسكري المصري يتوجه إلى محاصرتها ومنعها من الوصول إلى منفذ بحري، وهو ما تعتبره تهديداً لأمنها القومي.
كما تواجه أيضا بيئة أمنية معقدة وعالية الخطورة، حيث تنتشر فيها الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى قدرات حركة “الشباب”، وذلك فضلا عن التكاليف اللوجستية والمالية المتطلبة انتشار عسكري خارج البلاد لنصف البعثة العسكرية المصرية التي يتحمل تكاليف نصفها الآخر الاتحاد الإفريقي.
وعلى الرغم من وجود بعض التقديرات التي تشير لإمكانية صدام عسكري بين مصر وإثيوبيا، إلا أن هذا التقدير يبدو مستبعدا في تقديرنا لعدد من الأسباب: المجهودات الدبلوماسية الإقليمية والعالمية الساعية لتطويق فرص التصعيد، والظروف الداخلية لكلا البلدين، حيث تواجه مصر تحديات اقتصادية، بينما تواجه إثيوبيا تحديات عسكرية داخلية؛ نتيجة صراعات القوميات الإثيوبية مع بعضها البعض، فضلا عن وجود تقديرات لصراع عسكري قادم ترشحه بعض الدوائر في ضوء التوجهات الإثيوبية الرافضة لاستقلال إرتيريا عن إثيوبيا عام ١٩٩٣، واعتبار ذلك خطأ كبيرا.
على أنه إذا كان الصراع المباشر مستبعدا، فإن الصراع بالوكالة قد يكون قائما بين القاهرة وأديس أبابا عبر مجموعات محلية صومالية، تستطيع إثيوبيا شراء ولائها، وهو الخيار المفتوح أمام القاهرة أيضا، ولكن في الداخل الإثيوبي.
وفي المقابل، قد يكون الوجود العسكري المصري عامل ردع بشأن إمكانية نشوب حرب بين إثيوبيا وإريتريا عبر عدد من المعطيات، منها تشكيل تحالف مضاد لإثيوبيا، وهو التحالف القائم حاليا فعليا بين مصر وإرتيريا والصومال، حيث تهدف القاهرة لبناء تحالف إقليمي، يضم دولاً لديها مخاوف من التوسع الإثيوبي. إريتريا والصومال تعتبران من أهم أطراف هذا التحالف، الذي من شأنه أن يغير ميزان القوى في المنطقة، ويشكل جبهة موحدة لمواجهة الطموحات الإثيوبية، التي قد تكون أقل حماسة لفتح جبهة جديدة مع إريتريا.
وفي ضوء أن الدبلوماسية المصرية قد ساعدت خلال الفترة الماضية في تأكيد سيادة الصومال على كافة ترابه الوطني، عبر تطويق اتفاقية إثيوبيا مع أرض الصومال لحصول أديس أبابا على منفذ بحري، فإن الوجود المصري يساهم في تحسين قدرات الدولة الصومالية لتأكيد هذه السيادة، كما يوفر دعما لوجستيا مطلوبا لإرتيريا في هذه المرحلة التي تتوافق فيها السودان أيضا مع التوجهات المصرية في منطقة القرن الإفريقي.
في هذا السياق، لا بد من رصد الموقف الدولي من مسألة الوجود العسكري المصري في الصومال، حيث ينقسم بين اتجاهات داعمة للقاهرة، حيث تشير بعض التقارير الغربية إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يعارضون بشكل الوجود العسكري المصري في الصومال، خاصة إذا كان يندرج تحت إطار بعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي (AUSSOM). فالمجتمع الدولي لديه مصلحة في مكافحة الإرهاب في الصومال، والوجود المصري يمكن أن ينظر إليه كإضافة للقوات العاملة على الأرض. ولكن هذا الموقف لا ينفي وجود مواقف حذرة صادرة عن مراكز التفكير الأوربية، خصوصا الألمانية التي تجد أن الوجود العسكري المصري ليس مجرد مهمة لحفظ السلام، بل هو جزء من صراع أوسع مع إثيوبيا. وهذا الصراع قد يؤدي إلى زيادة التوتر الإقليمي، فضلا عن تهديد الأمن البحري في البحر الأحمر.
على أية حال لا يمكن النظر للوجود العسكري المصري في الصومال بمعزل عن اتجاهات إعادة التموضع المصري في إفريقيا في كافة المجالات، حيث يحوز التموضع العسكري على اهتمام مصري متزايد في ضوء وجود بعثة عسكرية مصرية في أوغندا وإبرام اتفاقية عسكرية مع نيجيريا، فضلا عن مجهودات مصر الأمنية لرفع قدرات دول الساحل الإفريقي لمواجهة الظاهرة الإرهابية المتمددة في هذه المنطقة، بما تشكله من ضغوط على الحدود الغربية المصرية.