بعد أسبوع واحد فقط من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، الذي غير المعادلة العسكرية والأمنية في المنطقة، عبر استهداف قيادات حركة حماس الفلسطينية، وقعت السعودية اتفاقية للدفاع المشترك مع باكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة المسلحة نوويًا، في توقيت لم يكن مصادفة، إذ عكس شعور قادة الخليج بقلق متزايد حول إمكانية الثقة بالضمانات الأمنية الأمريكية والغربية التقليدية.
شكليا، تبدو السعودية في طريقها للحصول على القنبلة النووية، للمرة الأولى في تاريخها، كأول دولة عربية، وثاني دولة إسلامية بعد باكستان، عقب توقيع هذا الاتفاق المثير للجدل.
التوقيت والهدف
خلال زيارته الرسمية للرياض مؤخرا، أبرم رئيس وزراء باكستان محمد شهباز شريف، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، “اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك”، تنص على أن أي اعتداء على إحدى الدولتين يُعد اعتداءً على كلتيهما، وتهدف إلى تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك، في خطوة تؤكد عمق الشراكة السعودية– الباكستانية القائمة على الروابط الدينية والمصالح الاستراتيجية.

وخلا هذا النص من ذكر الأسلحة النووية مطلقًا، إذ يصر الباكستانيون أن ترسانتهم النووية موجهة حصريًا لردع الهند، ومع ذلك وخلال مراسم التوقيع، اعتبر مسئولون باكستانيون، أن البرنامج النووي الباكستاني “قابل، لأن يكون متاحًا “لحماية السعودية في إطار البنود الدفاعية”.
وعندما سئل مسئول سعودي مباشرة، إن كانت الاتفاقية تعني “مظلة نووية” لبلاده، اكتفى بالقول، إنها “تشمل كل الوسائل العسكرية” دون أي تأكيد واضح، ما يجعل الحديث عن “مشاركة نووية” مجرد تكهنات قد تكون مبالغ فيها.
الإعلان الذي تم في ظل توترات إقليمية متصاعدة بعد هجمات وعمليات عسكرية في الخليج والشرق الأوسط، يضع مسألة الردع النووي ضمن حسابات الأمن الخليجي، في تحول جيو استراتيجي، قد يعيد رسم موازين الردع في المنطقة.
وبينما رجح البعض، أن ذلك قد يعني أن الرياض ستمتلك درعا نوويا بحكم الأمر الواقع، أعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، أن الأسلحة النووية “ليست على رادار” الاتفاقية التي يمكن أن تمتد لتشمل دول خليجية أخرى، نافيا أي نية لاستخدامها في أي عدوان، مشترطا تعرض الطرفين للتهديد، ليصبح الترتيب ساري المفعول.
ومع أن الاتفاق يضع “مظلّة باكستان النووية على جدول الأمن الخليجي، لكنه لا يعني بالضرورة نقل أسلحة أو تغيير فوري في امتلاك السلاح النووي، حيث يضع الإعلان عن إمكانية توسيع تغطية البرنامج النووي الباكستاني، واشنطن والدول الأوروبية أمام اختبار سياسات الردع ومنع الانتشار.
وعكس الاتفاق تزايد شكوك دول الخليج في فعالية الضمانات الأمنية التقليدية، خاصة من الولايات المتحدة، التي تقاعست عن حماية قطر، ولم تدافع عنها، وتورطت بشكل فاضح في تمرير وتبرير الهجوم الإسرائيلي الأخير.
التصعيد الرمزي
ومع ذلك، يعد إعلان باكستان بإمكانية جعل برنامجها النووي «متاحًا» للسعودية تصعيدًا رمزياً كبيراً، حتى لو لم يتبلور عمليًا في شكل أنظمة أو قواعد انتشار جديدة على الأرض.
وحذّر راشد ولي جنجوع، مدير الأبحاث في معهد إسلام آباد لبحوث السياسات، من أن أمن الخليج يواجه أخطارًا جدية في ضوء التطورات الأخيرة بالشرق الأوسط، معتبرًا أن الهجمات التي استهدفت أراضي دول ذات سيادة، مثّلت “انتهاكًا صارخًا”، وأثارت قلق مجلس التعاون الخليجي بأكمله.
وأكد أن السعودية، باعتبارها الدولة الأقوى في معادلة الأمن الخليجي، وجدت في باكستان، القوة النووية والعسكرية الكبيرة، شريكًا طبيعيًا لتعزيز الردع والدفاع المشترك.
وهكذا تظهر باكستان كخيار استراتيجي جديد للخليج، في محاولة لتعظيم نفوذها في الشرق الأوسط، وسط مخاوف من أن” تطأ بقدمها في منطقة مضطربة”.
مبالغات واعتراضات
في مبالغة سياسية للتأكيد على عمق الروابط التاريخية والدينية بين البلدين، قال المتحدث باسم الحكومة الباكستانية، مصدق مالك، إن “السعودية دائمًا تقف إلى جانب باكستان، والعلاقة بين البلدين تعود لأكثر من 1500 عام”، على الرغم من أن الكيان السياسي الحالي للسعودية، لم يتأسس إلا مطلع القرن العشرين، بينما ظهرت دولة باكستان عام 1947 عقب الاستقلال عن الاستعمار البريطاني.
وفي اعتراض ديبلوماسي، عبرت الهند عن أملها في أن تراعي السعودية المصالح والحساسيات المتبادلة، وتحدثت وزارة الخارجية الهندية عن شراكة استراتيجية واسعة النطاق، تعمقت بشكل كبير مؤخرا مع السعودية، التي تعد واحدة من أكبر مصدري النفط إلى الهند.

وسعت نيودلهي للإيحاء، بأنها كانت على علم، بأن الاتفاقية كانت قيد الدراسة، مضيفة، أنها ستدرس تداعياتها.
ورغم كون باكستان من أفقر الدول في آسيا، لكنها تملك السلاح النووي، وجيشا قوامه أكثر من 600 ألف جندي؛ للدفاع عنها ضد خصمها الهند، حيث خاضا صراعا استمر أربعة أيام في شهر مايو الماضي، كان بمثابة أعنف قتال بينهما منذ عقود، شهدت ثلاثة حروب كبرى وتبادل الاشتباكات مرارا.
تاريخ التعاون العسكري
يعزى تطور العلاقات العسكرية الثنائية مع السعودية، للمشير عاصم منير قائد الجيش الباكستاني الذي أمضى سنوات في الخدمة هناك، ما منحه فهما أعمق لتفاعلات الشرق الأوسط، وأسهم في تحسين العلاقات السعودية– الإيرانية.
منذ الستينيات، سعت السعودية وباكستان إلى بناء شراكة عسكرية استراتيجية، حيث دربت باكستان آلاف الضباط السعوديين في الأكاديميات العسكرية المختلفة، وأرسلت قوات باكستانية لخدمة مهام تدريبية واستشارية في الأراضي السعودية، علاوة على إقامة اتفاقية بروتوكول عام 1982 التي مكنت من نشر القوات الباكستانية، ودعم التعاون العسكري الكامل بين البلدين.
وشمل هذا التعاون نشرًا فعليًا للقوات الباكستانية داخل السعودية في فترات توتر إقليمي، وحماية حدودها والمواقع المهمة، وفي ذروة التعاون العسكري، تم نشر ما يصل إلى 15,000 جندي باكستاني ضمن فِرق وألوية في مناطق حسّاسة كمنطقة تبوك والمنطقة الشرقية، بالإضافة إلى وجود آلاف المستشارين العسكريين. ثمَّ في حرب الخليج (1990- 1991)، أرسلت باكستان أكثر من 11,000 جندي لتعزيز الدفاع عن الحدود والمواقع المقدسة.
في إطار محاولتها، لعب دورا أوسع في الشرق الأوسط خلال الخمسينيات، انضمت باكستان إلى تحالفات مدعومة أمريكيًا مثل منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا، وحلف بغداد، على أمل أن يوفر لها ذلك مظلة أمنية ضد التهديدات الإقليمية.
وتؤطر الاتفاقية الحالية مع السعودية تحالفًا عميق الجذور تاريخيًا، دون أن تخلقه من الصفر، مع ملاحظة أن إبرام باكستان في السابق اتفاقيات دفاع رسمية مشابهة، لم يورطها في الحروب أو يؤدي إلى نقل المظلة النووية لدولة أخرى.
وستفتح الاتفاقية الباب أمام توسيع التدريبات المشتركة، وإنتاج السلاح، وربما زيادة أعداد القوات الباكستانية العاملة داخل السعودية، حيث تسعى باكستان لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط والخليج بدوافع دينية واقتصادية وأمنية.
وإلى جانب مكانة الحرمين، تعتمد باكستان على تحويلات ملايين العمال في السعودية، وتتلقى دعمًا نفطيًا واستثماريًا منها، كما ترى في الخليج ساحة لتعزيز شراكاتها العسكرية وموازنة النفوذ الهندي، ما يجعل انخراطها خيارًا استراتيجيًا، لكن الدلالات السياسية لاتفاقها مع السعودية تبقى أكثر من التزامات عسكرية آلية.
موقف القاهرة
في هذا الإطار، يمكن فهم ترحيب مصر رسميًا بالاتفاق الدفاعي الاستراتيجي بين السعودية وباكستان، حيث اعتبرته “مَعلمًا هامًا”، يُعزّز الشراكة والثقة بين البلدين،
بامتناعها عن أي مواقف تشير إلى شعورها بالتخلي أو الاستبعاد من دورها التاريخي كضامن لأمن الخليج، اتخذت مصر موقفا متوازنًا بين تقدير التعاون الجديد مع رفض التضخيم، ما يعكس رغبة مصر في الحفاظ على حضورها الاستراتيجي ومكانتها في منظومة الأمن العربي، دون الدخول في نزاع مباشر أو إظهار انكفاء.
ترى مصر في تعدد الضمانات الأمنية في المنطقة، استكمالا لدورها، وليس عملية إبدال وإحلال، خاصة بالنظر لطبيعة علاقاتها الاستراتيجية مع الخليج وباكستان .
ولعبت مصر دائمًا دور الضامن التقليدي لأمن الخليج، في مواجهة إيران، خاصة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي ربط صراحة بين أمن الخليج والأمن القومي المصري، ما عكسته مشاركة القوات المصرية في عمليات تحرير الكويت.
وفي عهده كرر الرئيس عبد الفتاح السيسي، فكرة أن “أمن الخليج من أمن مصر، ولا نسمح بالمساس به”، حيث استمرت القاهرة في تقديمنفسها كركيزة للأمن الإقليمي، لكن بحث بعض القادة الخليجيين عن بدلاء من خارج المنطقة، لضمان الأمن وامتلاك الردع في مواجهة إسرائيل، يستدعي بالضرورة فتح النقاش، حول مستقبل الدور المصري التقليدي في أمن الخليج.