مع اقتراب نهاية موسم توريد الأسمدة الصيفي في 30 سبتمبر، لا يزال قطاع عريض من المزارعين يصرخ من عدم توريد حصصهم حتى الآن، فضلاً عن خلو الجمعيات الزراعية من الأسمدة اللازمة لمحاصيل استراتيجية مثل الذرة والقطن والأرز.

خلال معرض “صحاري” أكبر معرض زراعي في إفريقيا والشرق الأوسط، الذي تم تنظيمه بمصر أخيرًا، قاطع عدد من الفلاحين افتتاح وزير الزراعة علاء فاروق الفعاليات، ما اضطره لوقف كلمته للاستماع لمشاكلهم، التي كان في مقدمتها عدم توافر الأسمدة بالجمعيات.

كما قدّم النائب فتحي قنديل، عضو مجلس النواب، طلب إحاطة عن الأزمة لوزير الزراعة أيضًا، موضحًا أن الموسم الصيفي للأسمدة يشرف على الانتهاء، وتوجد شون ليس بها أي أسمدة تُصرف للمزارعين، وضرب النائب مثالًا بدائرته التي توجد بها فيها 5 شون رئيسية بدون شيكارة واحدة.

وزير الزراعة علَق على الأزمة، مؤكدًا أن المشكلة متكررة لكنها تفاقمت هذا العام، نتيجة توقف عدد من المصانع عن الإنتاج لأكثر من شهرين؛ بسبب انقطاع إمدادات الغاز، جراء تداعيات الحرب «الإيرانية– الإسرائيلية».

الغاز الإسرائيلي سبب مشكلة الأسمدة

كانت إسرائيل قد أعلنت وقف توريد الغاز لمصر في يونيو الماضي بدعوى الحرب مع إيران، ما ترك أثرا على قطاع الغاز الطبيعي بمصر التي كانت تحصل على نحو 1.1 مليار قدم مكعب غاز طبيعي يومياً من “تل أبيب”، لتلبية احتياجات السوق المحلية من الطاقة.

أخطرت الحكومة المصرية المصانع والشركات، بوقف إمدادات الغاز بنسبة 100% لمدة أسبوعين، بدءا من 18 مايو الماضي، بسبب وجود أعمال صيانة دورية في أحد خطوط تصدير الغاز الإسرائيلي، وبعدها تم وقف التصدير مجدًدا في يونيو مع اندلاع الحرب الإسرائيليةـ الإيرانية.

أوضح فاروق، أن الوزارة نجحت في احتواء الأزمة عبر الاعتماد على المخزون الاحتياطي من الأسمدة الزراعية، الذي أتاح توزيع الكميات المطلوبة على الفلاحين، بواقع شكارتين إلى 3 شكاير لكل حيازة، مشددًا على أن الهدف الأساسي هو دعم صغار المزارعين وضمان وصول احتياجاتهم.

تنتج مصر سنويًا نحو 17.9 مليون طن من الأسمدة، تتضمن 6.7 ملايين طن من اليوريا، تحتل بها المرتبة الثامنة عالمًيا، و7.8 ملايين طن من الأسمدة النيتروجينية، بحسب بيانات وزارة الزراعة.

تُورّد المصانع المحلية نحو 220 ألف طن أسمدة مدعمة لوزارة الزراعة شهرياً، تعادل 55% من إجمالي إنتاجها، وذلك شرط ضروري للحصول على موافقة الدولة على تصدير الـ 45% المتبقية للخارج.

لفت وزير الزراعة، إلى أن الدولة تورد الأسمدة بسعر مدعوم، يبلغ 4600 جنيه، مؤكدًا أن الدعم يهدف لتخفيف الأعباء عن المزارعين، لكنه في المقابل دعا المواطنين إلى الوقوف بجانب الدولة والصبر في مواجهة التحديات العالمية.

الجمعيات الزراعية.. أين ذهب السماد؟

في المقابل، يقول أحمد جمال، مزارع من قنا، إن الجمعية الزراعية التي يتبعها لم تصرف أسمدة للمزارعين منذ شهر يونيو الماضي، ما اضطرهم للشراء من السوق الحرة بأسعار تفوق قدرات المزارعين، وتقليل الكميات التي يفترض توفيرها للفدان الواحد.

أَضاف محمود علي، مزارع من منفلوط، أن الجمعيات الزراعية متواطئة، إذ يبيع بعض الموظفين فيها السماد بالسوق الحرة أو على حيازات، لأشخاص توفوا منذ سنوات، ويخبرون المستفيدين الحقيقيين بعدم وجود أسمدة، مضيفا أن أطنان من السماد موجودة بمنازل أعضاء الجمعيات الزراعية.

وزير الزراعة لا ينكر تلك الاتهامات، واعترف بوجود بعض الممارسات السلبية في بعض الجمعيات الزراعية، داعيًا الفلاحين إلى الإبلاغ عن أي تجاوزات أو فساد، مضيفًا: “لو شوفتوا فساد متسكتوش.. أي مزارع من حقه صرف الأسمدة من أي جمعية زراعية”، مضيفًا: “المواطن يطالب بحقه في السماد، لكن الحقيقة أن الدولة هي التي تدعمه”.

سبق أن قدمت النائبة ميرال جلال الهريدي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، بطلب إحاطة بشأن وجود مخالفات ووقائع فساد في بعض الجمعيات التعاونية الزراعية المحلية والمشتركة.

أكدت أنه ورد العديد من الشكاوى من قبل المتعاملين مع الجمعيات الزراعية المحلية والمشتركة، والتي تشير إلى وجود تجاوزات بتلك الجمعيات، والناتجة عن انعدام أعمال التوجيه والرقابة والتفتيش على تلك الجمعيات، وكذلك التعدي على المال العام، ضاربة المثل بجمعيات مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، التي تبين وجود عجز لعدد 1140 شيكارة يوريا مدعمة ببعض الجمعيات، وذلك نتيجة تجاوز في الصرف العام، والصرف بناءً على معاينة وهمية.

بحسب وزارة الزراعة، فإن كل الكميات التي يتم استيرادها من المصانع، يتم توزيعها فوًرا على مستوى الجمهورية، مضيفة أنه تم توريد أكثر من 85% من حصة المزارعين حتى الآن، ويتبقى 15% فقط سيتم تسليمها للجمعيات قبل 30 سبتمبر.

موسم صعب على الفلاح

بحسب حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، فإن المزارع عانى في الموسم الصيفي من غلاء وشح السماد ونقصه في الجمعيات، لكن الأزمة قاربت على الانتهاء، موضحا أن سعر شكارة السماد داخل الجمعية الزراعية 255 جنيًها، وفي السوق الحرة 1300 جنيه.

أضاف أن المزارع البسيط استلم جزءا من حصته لسد احتياجات أرضه المؤقتة، على أن يتم توفير الباقي، لكنه أكد أن انتاج المحاصيل مبُشر، ولم يحدث تأثير للمشكلة على إنتاجية الموسم الصيفي.

لكن د. نادر نور الدين، خبير الزراعة والري، يقول إن الأسمدة النيتروجينية لا غنى عنها للزراعة، ويطلق عليها المزارعون دون غيرها الكيماوي، ومشكلتها أنها غير موجودة في التربة الزراعية يجب إضافتها خارجيًا مع كل زرعة، وفي توقيتات محددة.

أضاف أنه إذا مر موعد احتياج النبات لها، فلن يجدي إضافتها بعد ذلك، وعرف الفلاح ذلك بالفطرة، فكان يضيف الأسمدة العضوية لمخلفات المواشي والطيور الغنية بالنتروجين قبل الزراعة، وكان عيبها أنها بطيئة التحلل، ومحتواها قليل من النتروجين، العنصر الغذائي الأهم للنبات فهو جسم النبات واللون الأخضر والمحصول.

يوجد العديد من أنواع الأسمدة الكيماوية منها، الأزوتية والفوسفاتية والبوتاسية، والأسمدة الأزوتية وهي الأهم لاحتوائها على النيتروجين الذي يعتبر العنصر الأساسي لزيادة المجموع الأخضر للنبات، وإنتاجية المحاصيل وتمثل الأسمدة الأزوتية نحو 67% من الاستهلاك بمصر؛ بسبب المحاصيل الأساسية، كالقمح والذرة والقطن وقصب السكر.

أضاف نور الدين، أنه مع التطور الصناعي ظهرت الأسمدة الكيميائية، وأهمها الأسمدة النيتروجينية، ومن مميزاتها أنها مركزة وتركيزها عالٍ وسريعة الذوبان، ويمتصها النباتات فور إضافتها للتربة، ولا تحتاج فترات تحلل طويلة مثل الأسمدة العضوية، فإذا جاء وقت تكوين المحصول، فلا بد للنباتات، أن تجد النتروجين جاهًزا حول الجذور، مثل خلايا البطاطس في الانقسام السريع، وتبدأ حبوب القمح وباقي الحبوب والفول وغيرها في التكون، وما يحدث بعد ذلك هو مجرد امتلاء للخلايا التي تكونت بفضل إضافة السماد في توقيت احتياجه للنبات.

 أضاف أنه بدون إضافة الأسمدة يتقزم حجم محصول مثل البطاطس؛ لأن الخلايا لم تنقسم لعدم وجود السماد وقت الانقسام أو تكون سنابل القمح صغيرة أو خالية من الحبوب، ومثلها كيزان الذرة وقرون الفول وغيرها، وبالتالي لا ينبغي أبدًا غياب الكيماوي عن الفلاح وقت احتياجه؛ لأنه لا بديل له، وبدونه يتراجع المحصول بشده أو لا يتكون، وبالتالي فالفلاح لا يمكنه الصبر حتى يتوفر الكيماوي؛ لأنه خراب بيوت للفلاح الفقير، و”لا ينفتل كحك بعد العيد”.

صدمة جديدة

صدمة جديدة

وفي ظل استمرار أزمة الموسم الصيفي للأسمدة، أعلنت الحكومة، في اجتماعها اليوم الثلاثاء، رسميا عن زيادة أسعار توريد الغاز للمصانع وبينها الأسمدة، اعتباراً من ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، وهذه الزيادة أعلنت عنها العديد من الشركات قبل أيام، موضحة أنها بحد أدنى دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية.
وأكدت الحكومة ضرورة التزام جميع الشركات المنتجة للأسمدة بتوقيع بروتوكول ينص بوضوح على ثلاث حصص رئيسية (الكميات المقررة للتوريد إلى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والكميات المسموح بطرحها في السوق المحلي من خلال المزادات، بالإضافة إلى الكميات المخصصة للتصدير).

وتعتبر مصانع الأسمدة من أكثر القطاعات تضررا إذ تمثل مع قطاع البتروكيماويات ما بين 35% و40% من إجمالي استهلاك القطاع الصناعي من الغاز، لكن كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء، شدد على أن التزام الشركات بهذه الحصص الثلاث يضمن تحقيق التوازن بين مصلحة الشركات واستقرار السوق المحلي، مؤكداً في الوقت ذاته التزام الدولة بتوريد كميات الغاز اللازمة لتشغيل مصانع الأسمدة، مع تكليف الأجهزة الرقابية المعنية، ومنها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وجهاز حماية المستهلك بمتابعة الأسواق والتصدي لأي محاولات لرفع الأسعار بشكل غير مبرر.