“إبرو تيمتك” ضحية جديدة للنظام التركي، وجريمة أخرى تضاف إلى جرائمه بحق المعارضين الأتراك، تلك الانتهاكات التي طالت قيادات حزبية كردية ويسارية، وصحفيين ومحامين معارضين لحكومة الرئيس رجب طيب أوردغان.
يواصل أوردغان، انتهاكاته في ظل الصمت الأوروبي الذي شاهد الرئيس التركي يقتل المئات في هجماته على الأكراد في شمالي سوريا، وفي إقليم كردستان العراق، ولم يُحرك ساكنًا، لكنه أعلن استعداد لمواجهة تركيا من أجل ثروات البحر المتوسط فقط.
“إبرو تيمتك” هي محامية كردية رحلت عن الحياة صامدة مرفوعة الرأس في وجه الاستبداد والقمع التركي
“إبرو تيمتك” صامدة في وجه القمع
“إبرو تيمتك”، هي محامية كردية، رحلت عن الحية صامدة مرفوعة الرأس في وجه الاستبداد والقمع التركي، مساء الخميس، بأحد مستشفيات تركيا، عقب نقلها من سجن إسطنبول، إثر تدهور حالتها الصحية، بسبب إضراب مفتوح عن الطعام، بدأته منذ 238 يومًا، احتجاجًا على إدانتها بالانتماء إلى منظمة إرهابية.
“تيمتك”، أضربت عن الطعام في فبراير الماضي، للمطالبة بمحاكمة عادلة، قبل أن تتوقف تمامًا عن تناول “مُكملات السكر”، في شهر أبريل، لتحول إضرابها إلى إضراب كلي مفتوح، بحسب منظمة “قانون الشعب” للمحاماة، وحكم عليها بالسجن 13 عامًا ونصف العام في 2019، لإدانتها بالانتساب إلى حزب جبهة التحرير الشعبي الثوري، والذي تصنفه السلطات التركية كمنظمة إرهابية.
في 2017، وجهت السلطات التركية للمحامية الشابة، اتهامات بالإرهاب، بسبب دفاعها عن متهمين ينتمون إلى حزب جبهة التحرير الشعبي الثوري، بينما رفضت المحكمة طلبات منظمات حقوقية تركية بالإطلاع على أدلة الإدانة في القضية، وعرضها على خبراء متخصصين للتأكد من صحتها، وهو ما وصفته “جمعية المحامين التقدميين”، والتي سجن عدد من محامييها في القضية مع “تيمتك”، بأنه تأكيدًا على أن الأدلة التي بنيت عليها قرارات الإدانة “أدلة مزورة وغير مقبولة”.
“لقد توقف الآن قلب زميلتنا إبرو تيمتك التي ضحت بحياتها من أجل العدالة”.. النقابة الشعبية للمحامين
ضحت بحياتها من أجل العدالة
“النقابة الشعبية للمحامين”، نعت “تيمتك”، قائلة: “لقد توقف الآن قلب زميلتنا إبرو تيمتك التي ضحت بحياتها من أجل العدالة، محامية الشعب ستبقى خالدة في قلوبنا إلى الأبد”.
البرلماني الكردي عمر فاروق جرجيلي أوغلو عضو حزب الشعوب الديمقراطي بتركيا، قال إن الجميع كانوا يعلمون أنها تسير نحو وفاتها منذ أن بدأت إضرابها عن الطعام، منذ 238 يومًا، لكنهم تجاهلوا الصيحات المطالبة بإخلاء سبيلها، متهمًا السلطات التركية بقتل تيمتك.
Adil yargılanma talebiyle 238 gündür Ölüm orucunda olan büro avukatımız Ebru Timtik şehit düştü!
Tüm meslektaşlarımızı ve halkımızı Bakırköy Dr. Sadi Konuk Hastanesi önüne çağırıyoruz! pic.twitter.com/Xes0lS3P2S— Halkın Hukuk Bürosu (@halkinhukuk_) August 27, 2020
“تيمتك” ليست الأخيرة
“تيمتك”، ليست آخر المعرضين للوفاة بسبب القمع التركي ضد المعارضين، حيث يواجه المحامي التركي آيتاج أونسال، والمحكوم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية المحامية الشابة، خطر الموت، فلا زال يصر على الإضراب عن الطعام منذ 8 أشهر، فيما تواصل السلطات التركية رفض أي مناشدات من المنظمات الحقوقية سواء المحلية، أو الدولية، بإطلاق سراح أونسال، خوفًا من ملاقاته لمصير “تيمتك”، بعدما رفضت السلطات الإفراج عنها أيضًا.
التقارير الصادرة من مقررة الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية، إلا أن أردوغان يستعملها كورقة ضغط لا أكثر لحفظ التوازنات في المنطقة
أوردغان والتلويح بكروته المحروقة
في الوقت الذي ينصب أردوغان نفسه بالمدافع عن حقوق الإنسان، نجده يمارس عمليات قمع وانتهاكات مستمرة في حق المعارضة التركية، كما يواصل تتبع الأكراد بهجماته، فها هو بين وقت وآخر يلوح بكارت مقتل خاشقجي، مطالبًا مرارًا وتكرارًا بعدم تغييب القضية عن الأجندات الدولية، ومحاسبة كافة المسؤولين عن جريمة قتله من أعلى الهرم إلى أسفله.
وإن كانت جريمة مقتل خاشقجي، تستحق إعادة التحقيق في ضوء التقارير الصادرة من مقررة الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية، إلا أن أردوغان يستعملها كورقة ضغط لا أكثر لحفظ التوازنات في المنطقة، فهي لا تعدوا كارتًا محروقًا يُشهره في وجه السعودية كلما احتاج ذلك، حتى دون أن يضمن تحقيق أهدافه من إشهاره، فالجميع يعلم أن تركيا وحدها قادرة على تقديم الأدلة التي تدين المتهمين الحقيقيين.
يبدو أن أوروبا وأمريكا، لا توليان اهتمامًا كبيرًا بممارسات تركيا الاستبدادية ضد المعارضة التركية
أوردغان بين أوروبا وأمريكا
يقدم أوردغان نفسه، إلى حلف الناتو، كشرطي يمكنه حماية المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط، مطالبًا بنصيبه من ثروات المنطقة مقابل هذا الدور، كما يصر على لعب هذا الدور رغم مجابهة أوروبا له، وهو ما يتضح من مواجهة أوروبا له أثناء محاولاته للسيطرة على غاز البحر المتوسط، خاصة فرنسا، والتي يرجح أنها تقف وراء الهجمات الموجعة التي تلقتها القوات التركية في ليبيا.
كما يواصل أوردغان استفزازاته للقوى الأوروبية، بزيادة التوترات مع اليونان،حول ترسيم الحدود البحرية والتنقيب عن الثروات الطبيعية في شرق المتوسط، وهو ما تسبب في تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا ردًا على تجاوزاتها وأعمالها الاستفزازية في المنطقة.
على الصعيد الأمريكي، فإن الانتخابات الأمريكية المقبلة تُلقي بظلالها على العلاقات مع تركيا، فها هو جو بايدن المرشح الديمقراطي للانتخابات الأمريكية المقبلة ومنافس ترامب، يهاجم أوردغان في مقطع فيديو ظهر منذ أيام، حيث وصفه بالمستبد، مهاجمًا سياساته تجاه الأكراد، داعيًا إلى دعم المعارضة التركية في مواجهة أوردغان.
وهو الأمر الذي أغضب المسؤولين الأتراك، واصفين حديث بايدن بأنه يتسم بالغطرسة والجهل، لكن من الواضح أن الكلام لم يزعجهم كثيرًا لأنهم يعلمون جيدًا بأنه في إطار الكلام الدعائي، كما استخدمه أردوغان بادعاء أن المعارضة مدعومة من الخارج، وهو الاتهام الذي طالما رددته السلطات التركية.
يبدو أن أوروبا وأمريكا، لا توليان اهتمامًا كبيرًا بممارسات تركيا الاستبدادية ضد المعارضة التركية، والتي كانت آخر ضحاياها المحامية الشابة “إبرو تيمتك”، أو الهجمات العسكرية التي تُشنها القوات التركية ضد المقاتلين الأكراد سواء على الحدود السورية أو في إقليم كردستان العراق.
كان ذلك واضحًا عندما رفع التحالف الدولي في سوريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الغطاء عن المقاتلين الأكراد وتركهم فريسة للضربات الجوية للقوات التركية، فطالما لم يهدد أوردغان المصالح الاقتصادية للقوتين الكبيرتين في المنطقة، فليست هناك مشكلة، وحتى عندما تدفعه أطماعه الاقتصادية فسيتم مواجهته بعيدًا عن ملف انتهاكاته ضد المعارضة الكردية، إلا من باب الدعاية الكلامية.