“اليوم هو يوم تاريخي من أجل السلام”.. يقولها الرئيس الأمريكي المزهو دوما بنفسه دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي تضمن غزلا متبادلا بينه وبين حليفه مجرم الحرب المدان بنيامين نتنياهو.

المؤتمر الذي كشف خطة ترامب خلاله ـ التي تسرب معظمها خلال الأيام القليلة الماضيةــ بخصوص غزة، والتي وصفها نتنياهو، بأنها “تحقق أهداف إسرائيل” قوبل بعواصف من “الترحيب العربي الرسمي” بعد دقائق ــ ربماـ من انتهائه.

المشهد الترحيبي المبالغ فيه، تصدره بيان مشترك لوزراء خارجية الأردن والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا وباكستان وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر.

البيان المشترك الذي صدر بعد أقل من ثلاث ساعات على مؤتمر ترامب، وصف جهود الرئيس الأمريكي بـ”الصادقة لإنهاء الحرب في غزة”، وأكد على ثقة صانعي البيان في قدرته على إيجاد طريق للسلام”.

البيان الترحيبي رحب أيضا بمقترح “إنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة ” و”منع تهجير الشعب الفلسطيني وتعزيز السلام الشامل”، ورحب كذلك بإعلان الرئيس الأمريكي “أنه لن يسمح بضم الضفة الغربية”.

السلطة الفلسطينية التي وصفت خطة بلير قبل يومين، بأنها “وصاية دولية تشرعن الاحتلال، وتغتال تقرير المصير”، انتقلت إلى معسكر المرحبين، وأكدت في بيان لها رغبتها في إقامة دولة فلسطينية حديثة، ديمقراطية، ومنزوعة السلاح، ملتزمة بالتعددية والتداول السلمي للسلطة.

وقبل أن يجف حبر بيان السلطة الراغبة في إقامة دولة منزوعة السلاح، قال نتنياهو إنه لم يوافق على إقامة دولة فلسطينية، مشددا على أن هذا ليس مكتوبا بالاتفاق.

وزايدت سلطة أبو مازن على المرحبين، فتعهدت “بالالتزام بتنفيذ برنامج تطوير المناهج الدراسية وفق معايير اليونسكو خلال عامين، وإلغاء القوانين واللوائح التي يتم بموجبها الدفع لعائلات الأسرى والشهداء”.

الإمارات العربية المتحدة، وبخلاف كونها جزءا من بيان المرحبين الثمانية، تباهت عبر تغريدة لأستاذ العلوم السياسية المقرب من النظام د. عبد الخالق عبد الله الذي نشر تغريدة على موقع إكس، قال فيها إن “وضعت الإمارات 3 شروط مسبقة للقاء وزير خارجيتها مع نتنياهو.

1ــ القبول بخطة ترامب لوقف حرب غزة.

2ــ وقف ضم الضفة.

3ــ السماح لتدفق لا محدود من المساعدات الإماراتية الإغاثية إلى غزة.

كان هذا الثمن الذي دفعه نتنياهو للحصول على دقيقة مصافحة مع وزير خارجية الإمارات.

مصافحة من أجل فلسطين وغزة”

 قراءة أولية للمشهد العربي تكشف عن كون الترحيب العربي الرسمي الواسع بـ”خطة ترامب”، لم يناظره ترحيب مماثل في الشارع العربي، نخبا وجمهورا.

 وتفاوت موقف الفصائل، فبدت حماس أكثر دبلوماسية، وهي تقول، إنها تسلمت الخطة من الوسيطين المصري والقطري، وتعد بدراستها بـ”نية حسنة”، بينما كانت “الجهاد الإسلامي” واضحة في رفضها، حيث وصف الأمين العام للمنظمة “زياد نخالة” الخطة، بأنها “وصفة جاهزة لتفجير المنطقة بأسرها وإشعال المزيد من الصراعات”.

الدبلوماسي الأممي ونائب رئيس الجمهورية السابق د. محمد البرادعي، نشر على تويتر عقب المؤتمر مباشرة ،”إنها ليست خطة سلام، وإنما مخطط خنوع وإذعان”.

وشاركه مندوب مصر السابق في الأمم المتحدة معتز أحمدين مشاعر الرفض ذاتها قائلا، إنها “خطة ضيزى.. غير قابلة للتحقق”.

السفير فوزي العشماوي علق بمنشور مطول على فيس بوك، بدأه بالقول، إنها خطة “السلام مقابل الاستسلام!”

وقال: “ترامب ونيتنياهو يضعون المقاومة تحت ضغط هائل، إما أن يقبلوا بتسليم كامل أوراقهم، بل وتسليم أنفسهم وأرضهم لعدوهم، أو تحمل مسئولية إفشال خطة سلام بائسة، لا هي سياسية بين أطراف متكافئين، ولا هي قانونية تستند على المقررات الدولية، ولا حتى إنسانية، يتم فيها مراعاة مصالح الضحايا والمتضررين بصورة منصفة، فلا هي تستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، ولا حتى السلام مقابل السلام، بل السلام مقابل الاستسلام!!”

الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق أحمد السيد النجار، حملت كلماته الكثير من الغضب، وهو يعلق: “خطة ترامب- نتنياهو، وصفة حقيرة لسحق وإذلال الشعب الفلسطيني، بخيار: القتل والتجويع والتشريد، أو الاستسلام والذل. الفاشية الأمريكية التي يجسدها المخبول ترامب، لم تجد عالما عربيا، يوقفها. يمكن الحصول على صفقة محترمة لوقف حرب الإبادة وتحرير غزة عبر قطع علاقات الدول العربية مع الكيان المجرم ومحاصرته اقتصاديا، ومنع مرور طائراته وسفنه من أجوائها ومياهها، وإذا لم يحدث ذلك ستستمر معادلة: المقتلة أو الاستسلام”.

الدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وصفت المشهد قائلة: “في غزة: يعاد من جديد وعلى الملأ إنتاج نظرية عبء الرجل الأبيض التي استُخدمت لتسويق استعمار دول العالم الثالث على أساس عدم قدرة شعوبها على إدارة نفسها بنفسها. في مؤتمر البيت الأبيض حضر مرة أخرى، مَن لا يملك وغاب مَن يستحق”.

الفنان والكاتب عباس أبو الحسن تجاوز في تعليقه الكثير من الخطوط الحمراء قائلا:”اتفاق وقف الحرب اللي أعلنه ترامب ورحب به العرب ومنهم مصر، واستنكرته الحركات الإسلامية.. حلو .. وحش.. مفخخ.. حق يراد به باطل.. الشيطان في التفاصيل، في رأي المتواضع كل معترض أو رافض يحط جزمة في حنكه”.

وتابع غاضبا: “هزم العرب شر هزيمة، وانتصر شعب غزة والمقاومة أهل العزة والصمود. لم يعد لديهم شيئا يخسرونه، محت إسرائيل غزة فعليا من على الأرض.. تركناهم يبادوا امام أعيننا ولم نحرك ساكنا.. لا أستطيع أن أنكر أن احنا دعونا، وشددنا وحذرنا وشجبنا ورفضنا، لكن لا يفيد العجن في المعجون. لم نهزم اليوم أو في هذه الحرب، هزمنا يوم لم نصنع سلاحا يتيما يوحد ربنا على مدار نصف قرن.. هزمنا يوم وقعنا الصلح المنفرد مع إسرائيل، واللي مصدق أن فلسطين هي من رفضت، يخليه مصدق، زي ما مصدق أن إننا انتصرنا انتصاراً جبارا في حرب أكتوبر”.

من زاوية أخرى، نظر دكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية للمشهد مكتفيا برصد 16241 تصريحاً كـاذباً أو مضللاً، أطلقها ترامب خلال 1095 يوماً فقط.

بمعدل 15 كـذبة يومياً ليخلص إلى نتيجة مفادها “رئيـس أقـوى دولة في العالم، يبني خطابه على التضـلـيل، وهناك من لا يزال يصدّقه، وكأنه ينطق بالحقيقة.

المصيبة ليست في المـضـلِّل، بل فيمن يصرّ على تصديقه، عندما يتحدث ترامب، على من يسمعه أن يفكر عدة مرات قبل أخذه على محمل الجد”.

ومبكرا قدم الكاتب الصحفي عزت إبراهيم تحليلا مطولا، وصفه بأنه مبدئي للخطة، التي رأى فيها “خطاباً مزدوجاً، يجمع بين الطموحات الشخصية للزعيمين ومقتضيات محاولة إعادة ترتيب الإقليم بعد حرب غزة”.

توقف عزت عند كيف تعكس الخطة “مزيجاً من الواقعية السياسية والرمزية. ترامب أراد أن يستحضر صورة الملوك والأمراء والرؤساء العرب والمسلمين، ليُظهر أنه يملك شبكة دعم واسعة، وليدحض فكرة، أن ما يطرحه منحاز كلياً لإسرائيل”.

وكيف كانت “إشارته إلى السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان ومصر، ليست تفصيلة ثانوية، بل ركيزة لخطابه الذي يربط “السلام الأبدي” بمظلة إسلامية– عربية تتولى تنفيذ المهام الميدانية”.

بينما استثمر نتنياهو اللحظة لـ” يثبت الادعاء، بأن الحرب التي خاضتها إسرائيل لم تُكسبها فقط التفوق العسكري، بل أيضاً الشرعية الدولية والإقليمية؛ لتثبيت ترتيبات جديدة في غزة”.