صراع جديد تفتعله إثيوبيا لإثارة غضب إريتريا أحد دور الجوار الإثيوبي، بعدما عرض آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، خريطة توضح الثروات التي تمتلكها إثيوبيا، وتضمنت إريتريا، وهو ما ظهر في خارطة إثيوبيا على شاشة العرض أثناء الحديث عن الثروة البحرية.
وأصدرت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، باعتبارها الحزب الحاكم في إريتريا، بيانًا انتقدت فيه ما أطلقت عليه تعدي رئيس الوزراء الإثيوبي على سيادة الدولة الإريترية، ما أثار غضب قادتها.
واستنكر البيان الذي أصدرته الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا العرض، معتبرا إياه تعديا على استقلال الشعب الإريتري بموجب الاستفتاء الشعبي الإريتري لخيار الاستقلال في ٢٥ مايو ١٩٩٣ وتم إعلان استقلالها، فأصبحت عقب ذلك عضوا في المجتمع الدولي، واعتبرت الجبهة الأمر بمثابة استهجانا من حكومة إثيوبيا الديمقراطية.
التجربة الاستعمارية في الأذهان
واعتبرت الجبهة مثل هذه التصريحات بمثابة إعادة للتجربة الاستعمارية لأذهان الشعب الإريتري، والذي قدم في سبيل الاستقلال آلاف الشهداء والجرحى في نضال استمر لمدة ٣٠ عاما، عانت من خلاله للحصول على الاستقلال وتصبح دولة ذات سيادة. كما طالب البيان التفسير والتوضيح من الحكومة الإثيوبية التي أصدرت هذه التصريحات كما وصفها بالمريبة.
تاريخ العداء بين إثيوبيا وإريتريا
في مايو 1998، حدثت أزمات دولية، بعد استقلال إريتريا، تسببت في حرب من أجل بضعة مئات من الكيلومترات من الأراضي الصحراوية الواقعة على الحدود بين كل من إريتريا وإثيوبيا، واتهمت الأولى الدولة الثانية بتغيير خط الحدود البالغ طولها نحو ألف كيلومتر. بسبب عدم التوصل لاتفاق لترسيم الحدود بين البلدين، بسبب منطقة “بادمة” التي تقع في مقاطعة تيغراي، المنطقة التي ولد فيها العديد من أعضاء الحكومة الإثيوبية، لذا أصبحت الحكومة الإثيوبية تحت ضغوط سياسية من داخل الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية لعدم التفريط فيها.
دخلت قوة إريترية إلى منطقة بادمة التي تقع على الحدود الإريترية مع منطقة تيغراي الإثيوبية، مما أدى إلى اشتعال القتال بين الجنود الإريتريين من جهة وميليشيا تيغرانية وقوات الأمن من جهة أخرى.
في 13 مايو 1998، شنت إثيوبيا هجوم شامل على إريتريا، وتلقت إثيوبيا إنذاراً من مجلس الأمن، لحثها على الالتزام بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
في 18 يونيو 2000، صدق الطرفان على اتفاقية سلام شامل وتحكيم ملزم للنزاع تحت اتفاقية الجزائر، وتم إنشاء منطقة أمنية مؤقتة بطول 255 كم داخل إريتريا، بإشراف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
آبي أحمد ونوبل للسلام
وقعتا إثيوبيا وإريتريا اتفاقية للسلام في يوليو 2018، وكانت سببا في حصول أبي أحمد على جائزة نوبل للسلام في أواخر عام 2019،بسبب جهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي، بعد نجاحه في عقد صلح بين بلاده وإريتريا بعد نزاعات مسلحة دامت لقرابة الـ 20 عامًا.
مطالبات بسحبها
تجدد الجدل بشأن حصول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على جائزة نوبل للسلام مؤخرًا عقب اندلاع موجة عنف من قبل الشرطة الإثيوبية تجاه محتجين ومتظاهرين انتقدوا اغتيال المغني الأورومي الشهير هاشاول هونديسا الذي ركز في كلمات أغانيه على حقوق عرقية الأورومو في البلاد وتحولت إلى أناشيد تصدح بها الحناجر في موجة من الاحتجاجات التي قادت إلى سقوط رئيس الوزراء السابق في 2018.
كما أغلقت السلطات الاثيوبية شبكة الانترنت وقطع الاتصالات عن البلاد بأكملها، في ظل شن حملة ممنهجة لإلقاء القبض على عددً من الصحفيين بغرض منعهم عن نشر تفاصيل حول الاحتجاجات.
الناشطة الإريترية فانيسا تسيهاي ومؤسسةواحدة من المنظمات الحقوقية البارزة، قالت في مقال لها نشر عبر موقع شبكة الـ سي.إن.إن الأمريكية في أواخر 2019، تحت عنوان أن حصول آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام يُعد قرارًا مُعيبًا.
وعلقت إريتريا على اتفاق السلام الذي وقعته قبل عامين مع جارتها الإثيوبية لإنهاء حالة الجمود بين البلدين الجارين بأنه لم يحقق ما كانت تتوقعه، وأنه لم يرق إلى توقعات جارتها إريتريا.
وقالت وزارة الإعلام الإريترية: “الاتفاق لم يحقق توقعات إريتريا”، مضيفة: “بعد عامين من التوقيع على اتفاق السلام، ما زالت القوات الإثيوبية موجودة في أراضينا ذات السيادة، كما أنه لم يتم استئناف العلاقات التجارية والاقتصادية إلى المدى أو النطاق المطلوب”.
التربع على عرش الهرم الإفريقي
قال الدكتور ناصر مأمون عيسى، الباحث السياسي في جامعة القاهرة، والمتخصص في الشأن الإفريقي، إن شعبية آبي هناك بدأت تتآكل، خاصة عقب الاحتجاجات العنيفة التي أعقبت اغتيال المغني الثوري هاشالو هونديسا في يونيو الفائت، مُسفرة عن سقوط ما لا يقل عن 239 قتيلًا واعتقال نحو 9 آلاف آخرين.
“عيسى” أكد أن إثيوبيا لطالما كانت تقلق بسبب العلاقة الوطيدة بين إريتريا ومصر، خاصة عقب اشتعال فتيل الأزمة بينهما، وإن انفصال إريتريا عن إثيوبيا يمثل للأخيرة جرحًا عميقًا.
وأشار إلى أن إثيوبيا تتبنى مبدأ السيادة في كل صراعاتها مع الدول التي تجمعها بها إما حدود أو مصالح مشتركة، رغبة من آبي أحمد في تحسين صورته، والترويج لنصر زائف لم تحصل عليه، عن طريق التصريحات والهجوم الدائم.
واختتم حديثه مؤكدًا أن إثيوبيا تحاول التربع على عرش الهرم الإفريقي، وإن السلام الذي حدث بينها وبين إريتريا كان ضروريًا لفتح الحدود، لكنها لازالت تعتبرها جزء منها ومسيطرة عليها، وأن تلك الأزمة قد تتضخم خلال الفترة القادمة.