لأن البعض يرفض النسيان..

لا يرفض فقط نسيان تاريخ عدوان الكيان على أطفال مدرسة بحر البقر الابتدائية، قبل حرب أكتوبر، بل يرفض إجمالا التخلي عن ذاكرته الوطنية.

لهذا تأتي الدراسة التي أعدتها د. سالي محمد علي شبل أستاذة الرسم والتصوير، بقسم التربية الفنية، كلية تربية نوعية جامعة عين شمس، والباحثة شهد خالد عطية المعيدة بنفس القسم.

البحث الذي حمل عنوان “دراسة تجريبية حول إبداع تمثيلات تشكيلية لحرب أكتوبر بغرض إثراء الوعي الوطني والفني لجيل زد“، حمل طموحا مشروعا لمعالجة قضية العلاقة بين الفن التشكيلي والوعي الوطني لدى جيل زد (مواليد 1997- 2012) في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العصر الرقمي والعولمة، مع تركيز خاص على تخليد ذكرى حرب أكتوبر.

بالدراسة التي نشرتها المجلة المصرية للدراسات الفصلية، سعت إلى توظيف اللوحات التصويرية، لإيصال رسائل تعكس قيم الفن والانتماء والتضحية، وكذا تعزيز المسئولية الوطنية، وإعادة بناء الارتباط بالتراث الثقافي والتاريخي، إضافة إلى تنمية الوعي الفني كوسيلة لتطوير الحس الإبداعي.

 منهجيا اعتمد البحث على رؤية، تربط بين الفن التشكيلي كأداة تربوية وبين تعميق القيم الوطنية. حيث تتجه النظرية إلى أن الفنون ليست غاية جمالية فقط، بل إطارًا لبناء الشخصية، وتنمية الهوية، وبناء الحس والوعي الوطني.

 وقد اعتمدت الدراسة على المنهج التجريبي بإقامة ورش عمل، تجمع أعضاء من جيل زد، وتعرض عليهم لوحات تشكيلية مستلهمة من انتصارات حرب أكتوبر.

الحدث لم يُعرض هنا فقط كواقعة تاريخية، بل قُدّم كبُعد فني حول قيم الشجاعة، الانتماء، التضحية، والولاء للوطن. جرى تحفيز المشاركين على التعبير عن رؤاهم الخاصة حول هذه الموضوعات من خلال إبداعاتهم الفنية.

وتحت إشراف تربوي وفني دقيق، أُقيمت سلسلة ورش عمل عملية، انقسمت إلى مراحل، بدأت بعرض لوحات تاريخية وفنية مجسدة لأحداث أكتوبر، وتلا ذلك مناقشات جماعية حول رمزية الصور ودلالاتها.

وفي المرحلة التطبيقية، تم إعطاء المشاركين الحرية لاستلهام تلك القيم في أعمالهم الخاصة، حيث استخدموا ألوانًا ووسائط متنوعة تحت إشراف موجّهين فنيين.

 الهدف لم يكن إنتاج لوحة جمالية فحسب، بل تحفيز حوار داخلي وخارجي لديهم لتنمية الوعي والموقف الوطني.

المفاجأة كانت في الأعمال الفنية الناتجة عن الورش، والتي أظهرت تنوعا كبيرًا في الأساليب والتقنيات؛ بعض اللوحات اعتمد الرمزية القوية عبر اللون والحركة، بينما لوحات أخرى، اهتمت بالنقل الحرفي للحدث والانتصار.

 العديد من المشاركين استخدموا عناصر مثل العَلَم، الجنود، روح التضحية، مع إبراز قيم الجماعة والوحدة. تكشف هذه الأعمال عن فهم أعمق للطرق التي ترى بها الأجيال الجديدة الحدث التاريخي، وكيفية تحويله إلى رمز، يستمدون منه القيم.

وأظهرت نتائج البحث زيادة ملحوظة في حضور القيم الوطنية والإحساس بالانتماء لدى المشاركين بعد انتهاء الورش.

 وتشير التحليلات، إلى أن التفاعل مع الصورة المرئية والعمل الفني العملي يسهم في تخطي حاجز التلقين التقليدي، ويقرّب الجيل الشاب من الأحداث الوطنية، بلغة يفهمونها ويتفاعلون معها.

 لوحظ أيضا تحسن في القدرة على التفكير النقدي والإبداعي، إذ أبدت فئة واسعة من المشاركين طموحًا لاستكمال ممارساتهم الفنية، وتوسيع نطاق نقاشاتهم حول رموز مهمة في تاريخهم.

قدمت الدراسة قراءة معمقة لمكانة الفنون في تشكيل وعي الأجيال، ومواجهة النزعات السلبية للسطحية الرقمية وفقدان المعنى الوطني.

 وكشفت عن أن توظيف اللوحة التشكيلية، بكل ما تحمله من رموز وتكوينات، قادر على إحداث تحول معرفي وسلوكي طويل الأمد، يعزز من اللُحمة المجتمعية، ويبني شبابًا مبدعًا وواعيًا بقضاياه الوطنية.

وأوصت الباحثتان بترسيخ البرامج الفنية التفاعلية ضمن الخطط التعليمية والثقافية، باعتبارها ركيزة في مشاريع بناء الهوية والانتماء الجماعي.

وكذا بتطوير محتوى هذا النوع من الورش؛ ليشمل رموزًا وتجارب وطنية أخرى، واستدامة التواصل بين المؤسسات التربوية والفنية في صياغة برامج تفاعلية، تواكب التغيّرات الرقمية، وتلبي تطلعات الأجيال الجديدة.

الدراسة التي تحقق قراءتها قدرا كبيرا من المتعة، متعة اكتشاف كيف يفكر هذا الجيل، ويتعامل مع المعطيات المختلفة، رسمت مسارا عمليا للتحول من تلقين المعرفة التاريخية إلى إبداع معرفي حيّ، يعتمد الانخراط الفعلي والخبرة الحسية.

وأشارت نتائجها إلى فرص واسعة لإعادة الاعتبار لمكانة الفنون في صياغة وعي وطني رصين، وعلاج الفجوة بين الأجيال عبر لغة إبداعية موحدة تجمع الجمال بالانتماء.

ومثلت الدراسة دعوة ملهِمة لاستئناف العمل بين جميع الأطراف المعنية بالثقافة والتعليم والفن لصياغة تجربة تربوية وفنية متجددة على أسس وطنية، تبني المجتمع من جذوره إلى آفاقه المستقبلية.

لقراءة الدراسة كاملة: