قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة شاملة من عشرين بندًا لوقف الحرب في غزة، تضمنت وقف إطلاق النار، وتبادلًا كاملًا للأسرى والرهائن، وإدخال مساعدات عاجلة، وتشكيل إدارة انتقالية مدنية من التكنوقراط تحت إشراف دولي باسم «مجلس السلام». كما نصت على قوة استقرار دولية وخطة إعمار مرتبطة بمسار حل الدولتين.

تباينت المواقف: حماس أبدت قبولًا مبدئيًا لصفقة التبادل وتسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية مستقلة، وزراء خارجية ثماني دول شددوا، على ضرورة أن تكون الإدارة فلسطينية داخلية، محمود عباس أكد وحدة المؤسسات الفلسطينية، بينما أصرت إسرائيل على نزع السلاح، وسعت واشنطن لفرض وصاية اقتصادية وإدارية، وتمسكت الدول العربية والإسلامية بالمرجعية الفلسطينية.

بنود خطة ترامب

تركز الخطة على جعل غزة خالية من التطرف وضمان أمن الجوار، مقابل وقف الحرب وانسحاب إسرائيلي تدريجي وتبادل كامل للأسرى. وتشمل إدخال مساعدات عاجلة بإشراف أممي، وإعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية.

تُنشئ الخطة إدارة انتقالية مدنية عبر لجنة تكنوقراط فلسطينية تحت إشراف دولي حتى استلام السلطة الفلسطينية بعد إصلاحات. وترتبط بخطة اقتصادية لجذب الاستثمارات وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة لفرص العمل وتحسين المعيشة.

وتنص على نزع سلاح حماس وتدمير بنيتها العسكرية تحت رقابة دولية، مع قوة استقرار مؤقتة بدعم أمريكي– عربي لتأمين القطاع وتدريب الشرطة ومنع تهريب السلاح، وفي المقابل، تنسحب إسرائيل تدريجيًا، فيما يفتح المسار نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية عبر حوار سياسي– ديني، يعزز التعايش.

غير أن «الخطة المعدلة» أقرب إلى وثيقة استسلام للفلسطينيين؛ إذ تشترط نزع سلاح حماس، وتقصي السلطة، وتمنح إسرائيل بقاء أمني دائم.

شرم الشيخ.. هل تفتح المفاوضات طريق التهدئة؟

انطلقت في شرم الشيخ مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية وبدور قطري– أمريكي، لبحث التبادل ووقف النار وانسحاب مرحلي. ترأس وفد حماس خليل الحية، فيما حضر من الجانب الإسرائيلي جال هيرش ومسئولون من الموساد والشاباك، مع انضمام رون ديرمر وستيف ويتكوف وجاريد كوشنر لاحقًا، وبدعم قطري. وكان ترامب قد بعث برسالة إلى عائلات الأسرى، أكد فيها عزمه على إعادتهم وإنهاء الحرب خلال أيام.

تركزت المداولات على صفقة، تشمل الإفراج عن 48 محتجزًا إسرائيليًا مقابل 250 أسيرًا فلسطينيًا و1,700 معتقل من غزة، مع معادلة «جثة مقابل 15». وطالبت حماس بربط الإفراج بمراحل الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وطرحت أسماء بارزة كمرشحين للصفقة بينهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، بينما أشارت التقديرات، إلى أن المفاوضات ستستمر أيامًا بانتظار ضمانات دولية.

إسرائيل.. ما أهدافها الاستراتيجية من الخطة؟

تسعى إسرائيل عبر الخطة إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة، عبر تحويل النقاش السياسي إلى قضايا أمنية مشروطة، وإضعاف السلطة الفلسطينية بالتوازي مع تعزيز الاستيطان وخلق وقائع ميدانية جديدة. الهدف إفراغ الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين من مضمونها وتحويلها إلى خطوات رمزية.

كما تستخدم وقف الحرب كورقة لتحقيق مكاسب استراتيجية، بربطه بمسارات التطبيع الإقليمي ومنح نفسها شرعية أوسع. تراها حكومة نتنياهو بوابة لإعادة صياغة توازنات الشرق الأوسط بما يرسخ هيمنتها.

تتجه إسرائيل إلى تحميل عبء الإدارة لجهات انتقالية أو دولية، بينما تبقي يدها ممسكة بالملف الأمني والحدود. وتعمل على إقصاء حماس من الحكم، وتضع أولويات أمنية، تتعلق بالحدود ومنع إعادة التسليح، وتربط أي انسحاب بآليات تحقق تدريجية.

صفقة الرهائن تُستغل داخليًا لتقوية الحكومة وتخفيف الضغوط، وتُستخدم خارجيًا لكسر العزلة الدولية. الاستراتيجية العامة: تنفيذ البنود المريحة سريعًا، والمماطلة في البنود التي تتطلب تنازلات، ما يمنح نتنياهو هامش مناورة سياسي داخلي.

ترامب.. بين طموح «نوبل للسلام» ودعم إسرائيل وإعادة ترتيب الشرق الأوسط

تنظر إدارة ترامب إلى غزة كبوابة لإعادة صياغة الشرق الأوسط تحت الهيمنة الأمريكية، وتقليص نفوذ روسيا والصين، ومنح إسرائيل دورًا محوريًا في الأمن الإقليمي؛ تهدف إلى فرض نموذج جديد يقوده التحالف الأمريكي– الإسرائيلي، وترسيخ واشنطن كمرجعية لا غنى عنها.

تعزز الخطة أمن إسرائيل عبر ربط أي انسحاب بآليات تحقق أمريكية، وفرض وصاية مباشرة من خلال «مجلس السلام»، بما يمنح واشنطن اليد العليا في الشأن الفلسطيني. تتحول المساعدات والإعمار إلى أدوات ضغط سياسي.

تسعى واشنطن إلى دفع دول عربية وإسلامية نحو التطبيع (السعودية، إندونيسيا، باكستان)، وتحويل القضية الفلسطينية من سياسية إلى إنسانية– اقتصادية، تُدار بمشاريع مشروطة، مع تراجع دور الأمم المتحدة لصالح آليات، تهيمن عليها أمريكا.

دوليًا، تُقدَّم الخطة كصورة للولايات المتحدة كقوة مسئولة، ما يحسن سمعتها بعد اتهامها بالانحياز. داخليًا، يستخدمها ترامب لتعزيز رصيده الانتخابي وتقديم نفسه كصانع سلام، وربما مرشحًا لجائزة «نوبل للسلام».

حماس.. لماذا تنخرط في الخطة وما الذي تريده؟

ترى حماس، أن الأولوية وقف الحرب فورًا وحماية المدنيين، وضمان دخول المساعدات بعيدًا عن الابتزاز الإسرائيلي. تعتبر صفقة التبادل الشاملة هدفًا رئيسيًا، يعزز مكانة المقاومة إلى جانب التشديد على الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وإعمار واسع بدعم عربي وإسلامي.

ترغب في تسليم إدارة غزة لهيئة تكنوقراط توافقية، ترفع عنها عبء الإدارة اليومية مع الحفاظ على مكانتها السياسية، لكنها ترفض أي وصاية دولية. تؤكد أن الحل يجب أن يكون فلسطينيًا بدعم عربي– إسلامي، مع وحدة غزة والضفة تحت إطار واحد يمنع الانقسام.

تتمسك بثوابتها: رفض التهجير والضم ونزع السلاح، والتشديد على الشرعية الدولية كمرجعية. وتبدي استعدادًا للتفاوض عبر الوسطاء حول التفاصيل التنفيذية، شريطة أن تكون ضمن إطار وطني جامع، يمنع الحلول المفروضة.

الدول العربية والإسلامية.. ما أولوياتها ولماذا يرفضون الوصاية؟

ترى الدول العربية والإسلامية، أن الأولوية وقف فوري لإطلاق النار، ووقف القصف على غزة، وحماية المدنيين مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية عبر قنوات محايدة، ثم تنفيذ صفقة تبادل للأسرى والرهائن كمدخل لتثبيت التهدئة.

أشادت هذه الدول باستعداد حماس لتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية انتقالية مستقلة، ورأت أن ذلك يتيح إدارة مدنية جديدة بقبول وطني وعربي، بعيدًا عن أي وصاية خارجية.

ترفض هذه الدول أي وصاية دولية، وتؤكد أن مستقبل غزة شأن فلسطيني، وتطالب بانسحاب إسرائيلي كامل، ومنع التهجير، وربط غزة بالضفة في إطار سياسي موحد، يعيد السلطة الفلسطينية كمرجعية.

كما تسعى لتقديم دعم سياسي وأمني يضمن حماية المدنيين واستقرار المرحلة الانتقالية، والتمهيد لمسار يقود إلى حل الدولتين. وتعتبر أن إعادة الإعمار ليست غاية، بل خطوة على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الرئاسة الفلسطينية.. كيف ترى غزة والدولة الموحدة؟

يرى الرئيس محمود عباس، أن الأولوية وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء العدوان، إلى جانب الإفراج عن جميع الأسرى والرهائن كمدخل للتسوية. ويشدد على إدخال المساعدات العاجلة دون قيود، وبدء إعادة إعمار شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان وصولها إلى مستحقيها.

يعتبر عباس، أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وأن السيادة يجب أن تكون للسلطة الوطنية عبر إدارة موحدة، تشمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. يرفض أي ترتيبات تفصل غزة عن الضفة، ويضع خطوطًا حمراء: رفض الضم والتهجير والاستيطان. كما يصر على أن المرجعية الوحيدة هي الشرعية الدولية وحل الدولتين، وأن الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية هي الأساس لأي تسوية.

ما الذي يمكن تحقيقه سريعًا من الخطة؟

تشمل البنود القابلة للتحقق الفوري: وقف إطلاق النار الشامل، وإدخال المساعدات دون قيود، وصفقة تبادل شاملة للأسرى والرهائن. هذه البنود تحظى بفرصة عالية للتنفيذ؛ لأنها تمثل تقاطع مصالح نادر: العرب والإسلاميون يعتبرونها أولوية إنسانية، الولايات المتحدة تراها إنجازًا سياسيًا، إسرائيل تتعامل معها كضرورة ميدانية، وحماس تراها شرطًا لأي مسار سياسي لاحق.

أما صفقة التبادل، فهي مصلحة متبادلة بامتياز: إسرائيل تحتاجها لامتصاص الضغوط، حماس تعتبرها إنجازًا وطنيًا، وواشنطن والعواصم العربية يرونها مدخلًا لتثبيت التهدئة.

ما البنود التي تعوقها عقبات كبرى؟

تصطدم بنود الانسحاب الإسرائيلي الشامل، إعادة إعمار واسعة، وعودة السلطة الفلسطينية بعقبات جدية.

الانسحاب الكامل يواجه ممانعة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ورغبة نتنياهو في إبقاء وجود أمني. إعادة الإعمار مطلب دولي، لكن إسرائيل تربطه بضمانات أمنية، فيما تستخدمه واشنطن كأداة ضغط، مما يبطئ التنفيذ. أما عودة السلطة الفلسطينية، فتبقى معقدة: العرب وعباس يطالبون بها، إسرائيل تعارضها، وحماس تراها مشروطة بترتيبات توافقية.

ما الأهداف غير القابلة للتحقق الفوري وتحتاج إلى ضمانات؟

منها: قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، نزع السلاح، وآليات إشراف دولي، إقامة الدولة غير واردة فوريًا، لكنها قد تُطرح لاحقًا بعد قضايا الأمن والإعمار والتطبيع، نزع السلاح قد يتخذ أشكالًا جزئية مثل تجميد الأنشطة أو تسليم الأسلحة الثقيلة، لكن حماس تشترط أن تكون العملية فلسطينية وبضمانات عربية. أما فرض وصاية دولية مباشرة أو «مجلس سلام» واسع الصلاحيات فيواجه رفضًا قاطعًا من حماس والدول العربية والسلطة، ما يجعل أي ترتيبات دولية محدودة ومقيدة.

الخطة.. هل تنجح أم تفشل؟

تحمل الخطة فرص نجاح أولية في الجانب الإجرائي: وقف النار، والمساعدات، والتبادل، وهي خطوات تمنحها زخمًا قصير المدى. لكن جوهرها يصطدم بعقبات كبيرة، تجعل مسارها نحو نجاح شامل معقدًا. إسرائيل لا تلتزم بالانسحاب أو الدولة الفلسطينية، حماس ترفض المساس بسلاحها، العرب يرفضون الوصاية الدولية، والسلطة تصر على مرجعيتها. النتيجة أن الخطة قد تنجح جزئيًا في الجانب الإنساني، لكنها تتعثر في الملفات السياسية.

من يملك تعطيل الخطة؟

أكثر من طرف: إسرائيل تمثل العقبة الأكبر، فحكومة نتنياهو ترفض الدولة الفلسطينية أو الانسحاب الكامل. حماس قد توقف التنفيذ عند حدود التهدئة والتبادل، إذا مست الخطة سلاحها أو فرضت وصاية.السلطة الفلسطينية قد تعطلها، إذا سلبتها شرعيتها. الدول العربية والإسلامية قد تُفشل بعض البنود، إذا تجاوزت الخطوط الحمراء (منع التهجير، رفض الوصاية، رفض نزع السلاح بالقوة). حتى واشنطن نفسها قد تتراجع، إذا واجهت مقاومة شديدة أو فشلا سياسيا يضر بصورة ترامب.

إلى أين تتجه غزة والقضية؟ السيناريو المرجّح

السيناريو الأقرب هو تسوية جزئية طويلة المدى بدل حل نهائي. قد يتحقق وقف النار والتبادل والمساعدات كبداية لإعمار أولي، يمنح الخطة زخمًا مرحليًا. لكن القضايا الجوهرية— مستقبل السلاح، الحكم في غزة، ربطها بالضفة— ستظل رهينة موازين القوى.

إسرائيل ستستثمر الوقت لتعميق الاستيطان وإبقاء غزة تحت ضغط. حماس ستسعى لحماية شرعيتها عبر صيغ توافقية. السلطة ستركز على تثبيت دورها المركزي. الدول العربية والإسلامية ستدفع لمنع التهجير وفتح مسار إعمار، لكنها لن تفرض حلولًا كاملة. النتيجة: استمرار إدارة الأزمة، مع تسويات جزئية مرتبطة بالتطبيع، دون الوصول إلى سلام نهائي أو دولة فلسطينية قريبة.

نتنياهو.. هل حقق وعوده من الحرب؟

تعهد نتنياهو بالقضاء على حماس وتفكيك بنيتها واستعادة الرهائن دون أثمان. لكن الواقع أن حماس ما زالت قائمة، السلاح لم يُنزع، وغزة لم تُخضع لسيطرة مباشرة. الرهائن لم يُستعادوا إلا بعد حرب طويلة ومكلفة.

داخليًا، يواجه نتنياهو أسئلة صعبة: لماذا لم تستعد الرهائن عبر المفاوضات أولًا؟ لماذا حرب استمرت عامين كلفت آلاف الضحايا ودمار الاقتصاد؟ فيما بقيت إيران وحزب الله والحوثيون يضربون إسرائيل؟

خارجيًا، أصبحت إسرائيل متهمة بجرائم حرب ومعزولة دوليًا، مع موجة اعترافات بدولة فلسطين. النتيجة أن نتنياهو لم يحقق أهدافه، بل قاد إسرائيل إلى مأزق سياسي وأمني وأخلاقي غير مسبوق، وأزمة في السردية التأسيسية للدولة والجيش.

حماس.. ماذا حققت من «طوفان الأقصى» وما كلفتها؟

أعلنت حماس، أن العملية هدفت لكسر هيبة الجيش الإسرائيلي، فرض القضية الفلسطينية على الأجندة، إطلاق مسار تبادل، ومنع تصفية القضية عبر التطبيع أو التهجير.

نجحت الحركة في كشف هشاشة الأمن الإسرائيلي بقصف تل أبيب والمدن الكبرى، وتحوّل الصراع إلى مواجهة إقليمية بمشاركة إيران وحزب الله والحوثيين. كما فرضت ملف فلسطين على العالم، مع موجة اعترافات بالدولة وتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة. سياسيًا، فرضت معادلة «الأسرى مقابل الرهائن»، وأجبرت إسرائيل وأمريكا على التفاوض.

لكن الكلفة كانت باهظة: عشرات الآلاف من الضحايا، دمار شبه كامل للبنية التحتية، استنزاف القدرات العسكرية للحركة، واضطرارها لقبول ترتيبات سياسية انتقالية. النتيجة أنها حققت انتصارات سياسية ومعنوية جزئية بثمن إنساني وميداني فادح، وأثبتت أنها رقم لا يمكن تجاوزه، لكنها لم تبلغ أهدافها النهائية.