ليست الحياة وحدها قاسية على أبناء دور الرعاية، لكن المجتمع لازال يحمل قدرًا كبيرًا من القسوة تجاه هؤلاء الأبرياء، لا يد لهم ولا ذنب فيما يتعرضون له، فهم لا يختارون أن يتركهم أباءهم لدور الرعاية، إلا أنالقدر حرمهم من العيش وسط أسرهم، ومن النشأة بطريقة طبيعية مثل ملايين الأسر.
لازال الواقع، يؤكد أن ظروف معيشة أطفال دور الرعاية، ليست الوحيدة التي تحاملت عليهم، بل نظرة المجتمع وتعرضهم الدائم للرفض والاختلاط المجتمعي أو الزواج منهم.
دور الرعاية في مصر
وفقًا للقانون، فإن دور الرعاية هي “دور إيواء تربوية تنموية قوامها الرعاية الاجتماعية تختص برعاية الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية من الجنسين، ونشأوا في ظروف اجتماعية قاسية تحول دون رعايتهم في أسرهم الطبيعية”.
يبلغ عدد دور الرعاية سواء الحكومية أو الخاصة، طبقًا لتصريحات وزارة التضامن، 449 دارًا ترعى 10 آلاف طفل، تحكمهم لائحة وزارية وضعتها وزارة التضامن تتضمن 41 بندًا، تنص إحداهم على ضرورة إدماجهم مرة أخرى في المجتمع من خلال العمل والزواج.
ثقافة النسب
ترى نهلة النمر عضو جمعية وطنية لتنمية وتطوير دور الأيتام، أن نظرة المجتمع لأبناء دور الأيتام أو المؤسسات الإيوائية والتي لازالت تحمل قدرًا من التمييز تعود إلى أكثر من سبب منها المشاع عن تلك المؤسسات وما يحدث فيها من تعنيف وانتهاك، بالرغم من أن هذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، لكن الإعلام يسلط الضوء على الانتهاكات فقط ولكن لا يتحدث عما تقدمه دور الرعاية لهؤلاء الأطفال من تأهيل وتعليم .
وتابعت “النمر”: “لهذا السبب يتجنب المجتمع التعامل معهم وغالبًا ما يتم رفضهم سواء على مستوى العمل أو الزواج أو غيرها من الأمور المجتمعية”.
وأضافت أن الأطفال الموجودين داخل دور الأيتام ليسوا فقط من مجهولي النسب، وإنما من بينهم أيتام توفي الأب والأم لذلك تم إيداعهم داخل دور الأيتام، وبالتالي فهم لم يختاروا واقعهم ولا قدرهم، متابعة: “أرى ضرورة تقبل المجتمع لهم وإعطائهم فرصة للدمج داخل المجتمع وهذا لن يحدث دون توعية إعلامية حقيقة”.
عمرو فتح الله، أحد العاملين بدار أم كلثوم لرعاية الأيتام، يرى أن الرفض المجتمعي أو النظرة العنصرية التي يوجهها المجتمع تجاه أطفال مؤسسات الإيواء نابعة من ثقافة المجتمع تجاه التسلسل في النسب والتباهي باسم العائلة، مؤكدًا على ضرورة وجود توعية نحو أبناء دور الرعاية، وأن يتبنى الإعلام حملة تساهم في إزالة الوصم والتمييز الذي يعانون منه من قبل المجتمع بعدما يبدؤون الانخراط في المجتمع بعد بلوغهم السن القانون 18 عامًا.
أطفال دور الرعاية والقانون
كان النائب محمد الكومي، عضو البرلمان، تقدم خلال عام 2017 بمشروع قانون حول الرعاية اللاحقة لخريجي دور الأيتام، يضمن توفير الدولة رعاية إضافية لخريجي دور الأيتام، بما يكفل لهم حياة كريمة، وهو القانون الذي لم يخرج إلى النور حتى الآن.
وصرح الكومي، أن القانون يُعالج الكثير من العوار في القوانين المُنظمة لدور الرعاية، ورعاية الأطفال الذين ليس لهم أهلية، ومن المنتظر أن يتضمن القانون حماية الشباب الذين تخرجوا من دور الرعاية، وتوفير مسكن وعمل ورعايتهم بشكل مستمر، لتكون الحكومة بالنسبة إليهم أسر بديلة، حتى وصولهم إلى سن الـ 40، لافتًا إلى أنه غير منطقي أن يتخرج الشاب في عمر المراهقة، دون أن يجد أب أو أم أو عم أو خال يوجهه نحو الصواب، فهو لا محالة في ذلك الموقف سيكون كالقشة في مهب الريح.
وفي يناير الماضي، تقدم النائب عاطف مخاليف، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون خاص بالرعاية اللاحقة لخريجي دور الأيتام، ينص على إدراج الأيتام ضمن فئة الـ5% المخصصة لوظائف المعاقين، وإلزام الحكومة بتوفير المسكن لهم، لكنه حتى الأن لم يتم مناقشته.
تأهيل المربين وتوعية المجتمع
الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع، ترى أن المجتمع يحتاج لمجموعة من الأشياء للحد من نظرات التمييز والوصم ضد أبناء دور الرعايا.
وأشارت إلى أنه من ضمن تلك الأشياء التوعية الإعلامية تجاه تقبل هؤلاء الأبناء وإعادة دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى ضرورة تأهيل المشرفين والمربين داخل دور الرعاية وتطوير دور الرعاية نفسها حتى يتم نشأ أبناء يحملون قدرًا من الثقافة والتعلم بالإضافة إلى تعليمهم حرفة مهنية للاستفادة منها في المجتمع وحتى يستطيع الأبن أو الابنة استخدامها بعد ذلك في مجال العمل.
بالإضافة إلى ضرورة حث الأسر على اصطحاب أطفالهم لزيارة هؤلاء الأبناء داخل دور الرعاية، لتعليمهم ضرورة الاندماج معهم وعدم التمييز ضدهم.
اسم العائلة
من جانبها ترى الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع، أن المجتمع يتعامل مع أبناء دور الرعاية وفقًا للعادات المصرية، والتي تستند في نظرتها للإنسان إلى أصوله الاجتماعية واسم العائلة، منوهة إلى ضرورة السماح لهم بالاندماج في المجتمع من خلال فرص العمل حتى يستطيعون إثبات وبناء أنفسهم، الأمر الذي قد يجعل بعض العائلات تتراجع عن فكرة أصل العائلة في مقابله نجاحه وإصراراه على التطور والنجاح.
وينص الدستور المصري في المادة رقم 53، على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العِرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سببٍ آخر.