في كل انتخابات يجري الحديث عن قضية الرموز الانتخابية، وأولوية وضع أسماء المرشحين في ورقة الاقتراع، واحد من أبرز الأسباب التي تجعل المرشحين، يتقاتلون على اختيار الرموز البارزة، ووضع الأسماء في أول ورقة الاقتراع، هي إدراكهم أن الناخبين لا يتمتعون بنسبة تعليم كافية، تجعلهم يدركون بسهولة أسماء المرشحين، ناهيك عن الكبر الواضح في نسبة الأمية الثقافية، التي تجعل بعض المرشحين، ليسوا على وعي كامل بالنظام الانتخابي حتى عشية قيد أسمائهم في قوائم المرشحين، فما بالنا بحال عديد المصوتين الذين يذهب أغلبهم لمقار الاقتراع؛ استجابة لحث مرشحيهم لهم، وتذهب أقليتهم استجابة لأداء واجب حتمي، كما يحلو للسلطة أن تصف عملية الاقتراع، وذلك زجرا أو تشجيعا للناس، رغم ما تضعه من قيود على العملية برمتها.
أمية الناخب حجة زائفة
حجة ضعف مستوى التعليم أو حجة أمية الناخبين، تبدو اليوم مجرد حجة واهية، لا أساس لها، لكن المرشحين والناخبين اعتادوها، بل تأثرت بها الهيئة الوطنية “المستقلة” للانتخابات. فنسبة الأمية في مصر عام 2024 وفقا للبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أصبحت 16,6% بعد أن كانت 25,8% عام2017. كل ذلك يجعل تنافس المرشحين على الأولوية بورقة الاقتراع أو رمز بعينة، هو مجرد عادة، وشيء باهت يتقاتل عليه المرشحون، وتغتبط له السلطة، لأنه من خلالها تظهر العملية بالجدية، وهي بالقطع ليست كذلك، خاصة بعد أن أبرزت هذه الانتخابات خصلة خطيرة فوق خطورة تزوير أصوات الناخبين عبر الأخذ بنظام القوائم المطلقة، وهي بيع مقاعد البرلمان، ما يخلق برلمانا عضوية بعض نوابه من الفاسدين.
الهيئة الوطنية للانتخابات ومسألة الرموز
الهيئة الوطنية للانتخابات هي الأخرى يبدو أنها أصبحت سببا لنزاعات المرشحين، فهي دائما ما تتحدث عن أنها تقف على مسافة واحدة بين المرشحين، لكن سلوكها في الانتخابات السابقة، يشير إلى وجود مستقبل وطن وأحزاب أخرى مدللة، هي حماة الوطن والشعب الجمهوري، وأضيف لهم مؤخرا الجبهة الوطنية أو حزب القبائل العربية في أولوية الترشيح وبرموز ثابتة لم تتغير، كما حدث في دوائر انتخابات مجلس الشيوخ 2025.
قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 تتحدث مادته رقم 13، عن أن تتولى الهيئة الوطنية للانتخابات “وضع وتطبيق نظام لتحديد وتوزيع الرموز الدالة على المترشحين في الانتخاب، بما يكفل المساواة وتكافؤ الفرص، وتحديد ضوابط اختيار أسماء ورموز القوائم والمترشحين في النظام الفردي”، وقد ترجمت الهيئة الوطنية للانتخابات هذه المادة ترجمة سطحية، لا تغني ولا تسمن ولا تسد رمق كل متطلع للنزاهة والشفافية في توزيع الرموز الانتخابية، ولو بحد أدنى من العدالة وتكافؤ الفرص، فقرار اللجنة رقم 46 يقول في م2 منه “…. يراعى تخصيص رمز انتخابي موحد لكل قائمة في حالة ترشحها في أكثر من دائرة، وفي حالة التزاحم بين القوائم على رمز انتخابي، تكون الأولوية في الاختيار للقائمة أو الحزب الذي سبق تخصيص الرمز له، اعتبارا من الانتخابات البرلمانية 2020، فإن تعذر تكون الأولوية للأسبق في تقديم طلبات الترشيح”، وتنص م 3 أنه بالنسبة للنظام الفردي (…. يُضمن المترشح طلب ترشحه باختيار رمز، وتخصص الرموز بمعرفة لجنة متابعة سير العملية الانتخابية…. وللمترشحين المنتمين إلى أي حزب طلب تخصيص الرمز الانتخابي السابق تخصيصه لحزبه…. اعتبارا من الانتخابات البرلمانية 2020….)، أما القرار رقم 39 الخاص بفتح باب الترشيح وإجراءات الترشيح، فتذكر م 3 منه، أن القوائم عندما تتقدم للترشيح تحدد الرمز الانتخابي لها.
وهكذا أصبح الغموض الذي يبدو أنه متعمد سيد الموقف، ما يفضي بمنح الهيئة الوطنية الرمز المراد لمن تريد. فلا توجد علاقة بين أسبقية منح الرموز والتقدم للترشح، كما أن الاعتماد أو الاستناد للحالة الإدارية لانتخابات 2020، يفترض أن تلك الانتخابات أديرت بشكل شفاف، وأخيرا يلاحظ من واقع السرد السابق لقرارات الهيئة، أن ما جاء بشأن مرشحي النظام الفردي، يكون أكثر إرباكا ولغطا.
تاريخ خادع حول نزاهة ترتيب ورقة الاقتراع
وبالانتقال إلى مسألة ترتيب ورقة الاقتراع، وهو أمر يعتقد أنه لا يقل أهمية عن الرموز، إن لم يكن يزيد. فالملاحظ أن تاريخ تعامل الهيئة في انتخابات النواب والشيوخ الأخيرة، يشير إلى عدم الشفافية. ففي انتخابات النواب 2020 ومن بين 284 مقعدا فرديا مطلوب انتخابها عن 143 دائرة انتخابية، كان هناك 227 مرشحا، وضع مرشحو مستقبل وطن في الترتيب رقم 1 و2 و3 و4 في قائمة الاقتراع في انتخابات الشيوخ منذ شهرين، تمثل سلوك الهيئة أيضا بعدم الشفافية، إذ أن نظرة أولية إلى ترتيب أسماء المتقدمين للترشيح وصفاتهم الحزبية، وانعكاس هذا الأمر على ترتيب أسماء المترشحين الفرديين في بطاقة الاقتراع يوم التصويت، تُظهر أن هناك أمرًا ملفتا. إذ لوحظ احتلال مرشحي حزب واحد فقط هو حزب مستقبل وطن أولوية ورقة الاقتراع في كل المحافظات التي ترشحوا بها، يليهم مرشحو حزب الشعب الجمهوري فالجبهة الوطنية، ما جعل الأمر كما لو كان تكرارا لسياسة إدارة الانتخابات غير النزيهة إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
عدم وجود أي معيار لترتيب القوائم أو مرشحي الفردي
وبالرجوع إلى ضوابط ترتيب القوائم في ورقة الاقتراع، وترتيب الأسماء في ورقة الاقتراع، يبدو الأمر مربكا بشكل أكبر من عملية توزيع الرموز. فبداية لم يحدد أو يضع القانون أي معيار لهذا الترتيب، أما قرارات الهيئة الوطنية، فخلت هي الأخرى من هذا الأمر، اللهم إلا بذكر عبارات مطاطة لا تقطع بجعل الترتيب مرتبطا بأسبقية الترشح. فقرار الهيئة رقم 39 بشأن إجراءات الترشح تقول م 5 منه”…. تقيد طلبات الترشيح ساعة ورودها….” وقرار الهيئة رقم 44 تقول م 2 منه، أن لجان تسيير العملية الانتخابية تعد القائمة النهائية للمرشحين في النظامين الفردي والقوائم، وتضعهما في مكان ظاهر في المحكمة الابتدائية المعنية، دون أن تقل كيف رتبتهم الهيئة. وقرار الهيئة رقم 45 حول مهام لجان فحص الطلبات وعرض الكشوف تقول مادة 2 منه، أن تلك اللجان تتولى “…. إعداد كشوف المرشحين والقوائم المقبولة وعرضها في اليوم التالي لإقفال باب الترشيح”، أما قرار الهيئة رقم 46، فتطرق فقط للنظام الفردي دون القوائم بإشارته إلى أن لجان سير العملية الانتخابية هي من “تتلقى طلبات الترشيح أول بأول” دون أن يربط القرار تلك المقولة بترتيب ورقة الاقتراع.
الحاجة لمزيد من الشفافية في كافة أعمال الإدارة الانتخابية
هكذا، وحتى تصبح الانتخابات شفافة يتحتم أن تقف الهيئة الوطنية قولا وفعلا على مسافة واحدة بين المرشحين والمترشحين، في كافة أركان مناحي العملية الانتخابية، إذ لا يعقل أن تهمل الإدارة تجاوزات سقوف الدعاية، أو أن تمنع الوكلاء من حضور الفرز، كما كان في انتخابات الشيوخ الأخيرة، أو أن تهمل تحقيق أهملته قبلها السلطة التنفيذية في شأن بيع مقاعد البرلمان للمترشحين من قبل الأحزاب السياسية، ثم تقوم فوق ذلك كله برؤية الناس يتقاتلون على الرموز وعلى أولوية الورود ببطاقة الاقتراع، ولا تحسم هذا الأمر بشكل منصف ونزيه وشفاف للجميع. بعبارة أخرى الهيئة الوطنية للانتخابات مطلوب منها أن تواجه تلك الظواهر كافة وبحسم، وأن تقول كلمتها، لأنه من غير المنطقي أن تقول الهيئة إنها تتبع الإجراءات، ولا تعني بأية أمور سياسية أو فساد يتم، قبل أن يطرق المرشحون بابها.