تمر الديمقراطية هذه الأيام بأوقات عصيبة. فالزعماء الأقوياء، من فلاديمير بوتين في روسيا إلى رجب طيب أردوغان في تركيا، يبرزون عضلاتهم السياسية، بينما في أمريكا والهند يتجه القادة المنتخبون ديمقراطياً نحو قيادة أكثر شخصية.
وفي أوروبا، يجري إغراء الناخبين المتعبين من النمو البطيء والانقسامات الاجتماعية بوعود القادة الشعبويين، لكن هذا الإغراء خطير، خصوصًا عندما يستولي على السلطة شخص واحد، وليس ضمن نظام كما الصين أو فيتنام.
لفهم السبب والتداعيات، يمكن النظر إلى المنطقة التي تنتشر فيها سيطرة الزعماء الأكثر قوة كما في حالة إفريقيا، ففي القارة السمراء في التسعينيات، بدا أن زمن “الرجل الكبير” الإفريقي قد ولّى، مع تبني العديد من الدول مؤسسات ديمقراطية وانتخابات منتظمة وحدود للولاية، الديمقراطية، لكن هذا العصر القصير لم يدم طويلاً.
القادة الأفارقة مدى الحياة: التاريخ يعيد نفسه

في الأشهر القادمة، ستخوض عدة شخصيات حكمت لعقود عبر نظام الانتخابات المشكوك فيها الترشح، من بينهم بول بيا، رئيس الكاميرون البالغ 92 عامًا، ويوري موسيفيني، زعيم أوغندا البالغ 81 عامًا. فمن بين أطول عشرة زعماء حكمًا في العالم، سبعة منهم في إفريقيا، باستثناء الملوك.
ويحتفظ تيودورو أوبيانج من غينيا الاستوائية بالرقم القياسي 46 عامًا في السلطة.
عادةً ما يبقى هؤلاء القادة في مناصبهم بنسبة 50٪ أطول من نظرائهم في بقية العالم.
حكم “الرجل الكبير” وضحايا الحقوق السياسية
الرجل الكبير يشكل خطرًا على الحقوق السياسية: فهو يعرض خصومه للمضايقة، والسجن، والنفي، أو حتى القتل. حرية التعبير محدودة بشدة، والفساد واسع الانتشار. ومع ذلك ورغم التكاليف والتداعيات، يجادل بعض المدافعين، بأن هؤلاء القادة ضروريون لتوحيد المجتمعات الفقيرة والهشة والمنقسمة، مشيرين إلى أمثلة مثل رواندا تحت حكم بول كاجامي، حيث يمكن للزعماء الأقوياء توفير قدر من الاستقرار والنمو الاقتصادي الذي تفشل فيه الديمقراطيات.
الكفاءة لا تدوم
تشير الأبحاث الجديدة، إلى أن هذا الاعتقاد خاطئ. حتى إذا بدأ الزعماء الأقوياء بكفاءة نسبية، فإنهم يميلون إلى التدهور مع مرور الوقت، خصوصًا بعد تجاوز حدود الولاية. حيث تصبح شبكات المحسوبية أضيق، مع توزيع الامتيازات على دائرة داخلية أصغر، وتزداد معدلات الفساد. كما يصبحون أكثر ميلاً لتزوير الانتخابات واستخدام العنف لقمع الاحتجاجات ضد النتائج المتوقعة للتصويت.
الأثر الاقتصادي للحكم الفردي
مهما طال حكم الديكتاتور، فإن الدول التي يهيمن عليها قائد واحد، سواء في إفريقيا أو خارجها، تميل إلى تحقيق نتائج اقتصادية ضعيفة. تعمل الديمقراطيات والدول ذات الحزب الواحد وفق عقد اجتماعي ضمني، في المقابل، تعاني الأنظمة الشخصية من نزاعات ومستوى أكبر من الصراعات، واستثمار خاص أقل، وتدهور في تقديم الخدمات العامة، مما يضر بالنمو الاقتصادي.
جيل جديد من الزعماء الأقوياء

لقد أصبح حكم “الرجل الكبير” مترسخًا في إفريقيا. جيل القادة الحالي في الثمانينات والتسعينات يتم استبداله بقادة شباب، يطمحون للحكم بنفس الطريقة، شكل استبدادي جشع، ونفس المدد الطويلة في السلطة.
في دول الساحل الإفريقي، استولى قادة الجماعات العسكرية في الثلاثينات والأربعينات والستينات من أعمارهم على السلطة، ثم خالفوا وعودهم بإجراء انتخابات.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، اقترح الرئيس فيليكس تشيسكيدي، البالغ 62 عامًا، إلغاء حد الولايتين الدستوريتين، لتمديد حكمه.
وفي إثيوبيا، يُقال إن آبي أحمد البالغ 49 عامًا، يرى نفسه بمثابة “المسيح”، ومن يرى نفسه كذلك فهو لا يتقاعد.
في جميع أنحاء العالم، يزداد نفوذ الزعماء الأقوياء وبروزهم. تقدم التجربة الإفريقية تحذيرًا صارخا: مهما بدا القائد الكاريزمي واعدًا في البداية، فإن “الرجل الكبير” يصل ببلاده في النهاية إلى مشكلات كبيرة ومستدامة.
نشر في العدد الأخير من الإيكونوميست.