في إبريل 2007، صدرت عملة الـ200 جنيه لأول مرة في السوق المصرية، بأبعاد (80*165 مم)، لتمثل الورقة ذات القوى الشرائية الأقوى حينها، وتفاعل معها المصريون بألفاظ شعبية، تعكس تلك القيمة، حتى كان حاملها يشعر بقدر من التفاخر، ففي جيبه ورقة من “ذات المئذنة الحمراء”.
حينها كانت الـ200 جنيه تمكن صاحبها من شراء 5 كيلو جرام من اللحم البلدي “البتلو”، وفوقها نصف كيلو، لو كانت اللحوم من الكندوز كبير السن، وكانت تكفي لشراء 34 زجاجة زيت، و67 كيلو أرز، و100 كيلو برتقال، و50 أنبوبة بوتاجاز.
مع الطبعة الأخيرة من الـ200 جنيه، بتوقع طارق عامر في 2015، تقلصت أبعادها إلى (73* 165 مم)، ومعها قدرتها الشرائية، حتى باتت حاليًا لا تكفي لشراء أنبوبة بوتاجاز واحدة، أو نصف كيلو بتلو صغير الحجم، أو أقل من 3 زجاجات الزيت للقلي من الماركات غير الشهيرة.
في 2007، كانت الـ200 جنيه قادرة على شراء 266 لتر سولار، أما حاليًا، فلا تكفي شراء 20 لترًا، وكانت قادرة أيضًا على شراء، ما يتجاوز 6 شكائر إسمنت (ثلثيّ طن أو ما يعادل 600 كيلو)، مقابل نحو 20 كيلو إسمنت حاليًا.
الـ200 جنيه الأكثر تداولا بسوق النقد
وقت صدور الـ200 جنيه، كان الذهاب بها لأي “سوبر ماركت” مشكلة، تثير تساؤلات: “من أين أتيت بها؟.. لا أستطيع أن أفكها.. اللي بعت بيه النهاردة، ما يكملش الباقي”، أما حاليًا، فأصبحت تتداول بمنتهى السهولة؛ لأن الباقي منها أصبح ضئيلاً.
بحسب تقرير حديث للبنك المركزي، فإن فئة الـ200 جنيه أصبحت تمثل 66.4٪ من إجمالي النقد المتداول بين المواطنين بنهاية ديسمبر 2024، ما يعني أن قيمتها الشرائية المنخفضة، جعلت المواطن يقدمها في أي عملية شراء، مهما كانت بسيطة.
في منتصف 2024، كانت فئة الـ200 جنيه تشكّل حوالي 63.9% من النقد المتداول، أي أن نسبة تداول العملة الأكبر في مصر، ارتفعت بنحو 2.5% خلال ستة أشهر فقط.
في المقابل، انخفضت الأهمية النسبية للمتداول من فئة الـ100 جنيه، التي صدرت أول عام 1978، الى 28.3% مقابل 29.9%، بتراجع قدره 1.6%، كما تراجعت ايضًا الأهمية النسبية لفئة الـ50 جنيها إلى 3% مقابل 3.9% بتراجع قدره 0.9%.
استقرت الأهمية النسبية لمجموع المتداول من فئات النقد الأخرى دون تغيير عند 2.3%، وقد نتج عن تلك التطورات في هيكل فئات النقد المتداول انخفاض متوسط قيمة ورقة النقد ليبلغ نحو 79.85 جنيهًا في نهاية ديسمبر 2024، مقابل 80.14 جنيها في نهاية يونيو 2024 بتراجع قدره 0.29%.
ارتفاع التضخم ساهم في شعبية الـ200 جنيه
على مدار عام كامل، سجل تضخم غالبية السلع والخدمات ارتفاعا كبيرًا، وكلما ارتفع مستوى الأسعار، كلما زاد الاعتماد على العملات الأعلى قيمة، لأن التضخم يعني بكل بساطة انخفاض القيمة الشرائية للعملة.
خلال الفترة من (سبتمبر 2025 ـ سبتمبر 2024) ارتفعت الفاكهة بنسبة (45.2%)، والأغذية السكرية بنسبة (2%)، والبن والشاي والكاكاو بنسبة (4.8%)، والمياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة (13.9%)، والدخان بنسبة (25.3%)، بحسب تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
كما ارتفعت الأقمشة بنسبة (11.9%)، والملابس الجاهزة بنسبة (14.9%)، والملابس الأخرى ومستلزماتها بنسبة (18.8%)، والتنظيف والإصلاح وتأجير الملابس بنسبة (16.2%)، والأحذية بنسبة (11.8%)، وإصلاح الأحذية بنسبة (20.2%).
وزاد الايجار الفعلي للمسكن بنسبة (13.9%)، وصيانة واصلاح المسكن بنسبة (13.4%)، والمياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن بنسبة (2.4%)، والكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة (24.9%).
وارتفعت أسعار الأثاث والتجهيزات والسجاد وأغطية الأرضيات الأخرى أيضًا بنسبة (10.2%)، والمفروشات المنزلية بنسبة (13.8%)، والأجهزة المنزلية بنسبة (8.6%)، وأدوات المائدة بنسبة (10.3%)، وأدوات ومعدات المنازل والحدائق بنسبة (15.2%)، والسلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة (9.6%).
قفزة كبيرة في أسعار الخدمات
سجل قسم الرعاية الصحية ارتفاعًا قدره (31.9%)؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة (42.1%)، وخدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة (14.6%)، وخدمات المستشفيات بنسبة (20.7%).
سجل «النقل والمواصلات» ارتفاعًا قدره (20.9%)؛ بسبب زيادة أسعار مجموعة شراء المركبات بنسبة (9%)، والمنفق على النقل الخاص بنسبة (27.9%)، مجموعة خدمات النقل بنسبة (20.0%).
كما سجلت أسعار مجموعة خدمات البريد ارتفاعًا بنسبة (31.5%)، ومعدات خدمات الهاتف والفاكس بنسبة (11.2%)، وخدمات الهاتف والفاكس بنسبة (11%)، والخدمات الثقافية والترفيهية بنسبة (38.2%)، والصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة (13.5%).
كما ارتفعت أسعار مجموعة التعليم قبل الابتدائي والتعليم الأساسي بنسبة (12.5%)، والتعليم الثانوي العام والفني بنسبة (4.3%)، والتعليم بعد الثانوي والفني بنسبة (4.3%)، والتعليم العالي بنسبة (12.2%)، والتعليم غير محدد المستوى بنسبة (26.5%).
تراجع قيمة العملة في السوق
يقول وليد عبد الهادي، موظف، إن الـ200 جنيه أصبحت قيمتها الشرائية تعادل 50 جنيها من سنوات قريبة، حتى أن ماكينات الصراف الآلي أصبحت في غالبية الأوقات، لا تتضمن سوى 200 و100 جنيه، ولا تتضمن العملات الأقل؛ لأنها “محدودة القيمة”.
يضرب عبد الهادي مثالا على ذلك بكرتونة البيض التي تعادل حاليًا 170 جنيهًا، وكيلو الجبن الأبيض حوالي 150 جنيها في المتوسط، وعلبة الحليب اللتر ونصف أصبحت بـ75 جنيهًا أي أن الـ100 جنيه لم تعد قادرة لوحدها على تلبية احتياجات أسرة لوجبة بسيطة للفطار أو العشاء.
أحمد حمدي، محاسب، يقول إن العملات حاليًا ينطبق عليها نظرية الصفر، أي أن قيمة كل عملة في السوق أصبحت بدون صفر (200 تساوي 20) والـ (100 تساوي 20)، والباعة عرفوا ذلك لدرجة، أنهم ينادون على الملابس بـ”بريزة” (10 قروش قديمًا) و”ريال” (العشرين قرش قديمًا)، أي 100 جنيه و200 جنيه.
يرتبط انخفاض قيمة العملة بطباعة النقود في غالبية الأحيان، لكن مسئول بالبنك المركزي، يقول إن النقد المُصدَر انخفض بمقدار 92،6 مليار جنيه بمعدل 7% خلال الفترة يوليو/ ديسمبر من السنة المالية 2025/2024، ليصل رصيده إلى 1235،7 مليار جنيه في نهاية ديسمبر 2024.
يمثل النقد المُصدر 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي عن السنة المنتهية في ديسمبر 2024. ويقابل النقد المصدر في نهاية ديسمبر 2024 كغطاء له، الذهب الذي بلغ رصيده ما يعادل 540،4 مليار جنيه بنسبة تبلغ 43.7%، ونقد أجنبي وصكوك أجنبية بما يعادل 695،3 مليار جنيه بنسبة تبلغ 56.3%.
يعتبر المسئول المصرفي، أن المحك ليس في قيمة العملة الشرائية، ولكن في توافر السلع، فندرة أي سلعة ترفع أسعارها بصرف النظر عن قيمة العملة، مضيفا أن السياسات التي تتبعها الدولة في مجال دعم الصناعة المحلية وتقليل الاستيراد من الخارج من شأنه تقوية الجنيه وزيادة قيمته الشرائية.