خلال العامين الماضيين، ومنذ 7 أكتوبر 2023، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي القيام بعمليات حرب الإبادة الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني دون ذرة مراعاة ولو شكلية لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، التي أكدت على عدد من الضوابط أثناء النزاعات المسلحة. مخترقة كل الخطوط الحمراء، وهو ما أشار إليه التقرير الأول الذي أصدره مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” العام الماضي.
وقد ارتفعت الحصيلة الإجمالية للعدوان منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 66,288 شهيداً و169,165 إصابة حتى أول أكتوبر الجاري.
غير أن العام الثاني اتصف بعدة سمات فيما وقع فيه من إبادات من جانب دولة الاحتلال، يصعب غض الطرف عنها حتى في ظل أجواء التطورات الأخيرة من حدوث توافق بين عدد من الدول العربية والإسلامية، على ما سمي بخطة “ترامب” الخاصة بوقف إطلاق النار مقابل تبادل الأسرى بين دولة الاحتلال، وبين حركة حماس في مرحلة أولى، يتلوها مراحل أخرى من دخول المساعدات الإنسانية، وعودة النازحين إلى منازلهم المهدمة، وبحث وضع القطاع مستقبلا، من خلال تولي حكومة فلسطينية متوافق عليها.
فخلال هذا العام الثاني، ركزت دولة الاحتلال على عدة خطوات منها، ما سمي بخطة عربات جدعون الأولى والثانية، والتي جاءت بهدف احتلال كامل لغزة، وتهجير أهالي القطاع إلى جنوب المدينة، واستمرار النزوح.
وقد أشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إلى استمرار صدور أوامر الإخلاء الإسرائيلية، وفرار السكان؛ خوفا على سلامتهم، ليلتمسوا الأمان، أينما كان ذلك ممكنا.
وفي مؤتمر صحفي مؤخرا ، ذكر أن شركاء الأمم المتحدة سجلوا نزوح أكثر من 36,200 ألف شخص منهم أكثر من 11,600 من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، منذ 14 آب/أغسطس، وأن أكثر من ثلثيهم توجهوا إلى دير البلح، ونحو الثلث إلى خان يونس. وأشار المتحدث الأممي، إلى أن غالبية سكان غزة اضطروا إلى النزوح أكثر من مرة.
وجاءت أهم الانتهاكات من خلال الآتي:
ـ استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين بشكل واضح ومستهدف، والذي توازى معه وقف نشاط منظمة الأونروا “وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين” وغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة عن عملياتها الإنسانية، واستبداله بما سمي “مؤسسة غزة” التي كان عليها عشرات من علامات الاستفهام حول نشاطها، ومدى تغطيتها للاحتياجات الإنسانية لأهالي القطاع.
ـ استهداف المدنيين بالقتل أثناء محاولاتهم الحصول على تلك المساعدات أمام النقاط المحدودة التي خصصت لتوزيع هذه المساعدات.
ـ استمرار استهداف الصحفيين والإعلاميين العاملين بالقطاع من مختلف المؤسسات الإعلامية وبشكل خاص قناة الجزيرة.
ـ استمرار استهداف المستشفيات والمرافق الصحية، كما فعلت في العام الأول من الإبادة الجماعية.
ونبدأ هنا بسرد أهم الجوانب القانونية التي مثلت انتصارا للقانون الدولي، وأكدت اعتبار ما يحدث في غزة “إبادة جماعية”، حسب ما وصفته منظمات أممية ومنظمات حقوقية مرموقة، ومنها منظمتي العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، وعشرات المنظمات المهتمة بالانتهاكات التي تحدث في القطاع.
التطورات القانونية فيما يتعلق بجرائم دولة الاحتلال
حدث هنا ثمة تطور مهم، يخص التأكيد على ما ذكرناه في التقرير الأول، ودعمته عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والعربية، باعتبار الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” جرائم إبادة جماعية، وأبرزها تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
اعتبار الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال تقع في إطار “الإبادة الجماعية”
في هذا السياق، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة- بما فيها القدس الشرقية– والتي أُنشِئت من قبل مجلس حقوق الإنسان عام 2021، أن “إسرائيل” ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وحثت إسرائيل وجميع الدول على الوفاء بالالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي “لإنهاء هذه الإبادة الجماعية ومعاقبة المسئولين عنها”.
ـ استمرار الهجمات على المدنيين من خلال استهداف البنايات المدنية.
– استمرار الاحتلال في القيام بتجويع أهل قطاع غزة، ووقف المساعدات.
– وقف التعاون مع المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وإنشاء منظمة غزة المشبوهة.
ـ تردي الخدمات الصحية واستهداف المستشفيات.
حصار الحقيقة: الاستمرار في استهداف الإعلاميين
يشير تقييم مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” للعام الثاني من حرب الإبادة على قطاع غزة، لاستمرار دولة الاحتلال في نفس انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، وارتكاب نفس الجرائم بشكل جماعي سواء من خلال القتل بالقصف، أو بالتجويع أو بإجبار الفلسطينيين على النزوح من مكان لآخر في ظل معاناتهم من الجوع.
ونلمح هنا إلى فشل مجلس الأمن في إصدار قرار بوقف إطلاق النار، وهو ما تكرر عدة مرات خلال العامين الماضيين، بسبب استخدام حق “النقض” الفيتو من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استخدمته مؤخرا في 4 يونيو، و18 سبتمبر 2025، ضد مشروعي قرارين في مجلس الأمن، يطالبان بالوقف الفوري والدائم وغير المشروط لإطلاق النار في غزة، قدمته الدول العشر غير دائمة العضوية بالمجلس. وفي كل من المرتين صوت لصالح مشروع القرار 14 عضوا من إجمالي عضوية الـ15 عضوا.
يشير تقرير المركز أيضا إلى التطورات التي حدثت أخيرا بانعقاد قمة شرم الشيخ في 13 أكتوبر 2005، والتي استضافتها مصر بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدد آخر من رؤساء الدول الأوروبية والعربية، ومن أبرزها “فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، ألمانيا، تركيا، وكل من قطر، والأردن، والبحرين وإندونيسيا، وباكستان.
أوقفت “القمة” إطلاق النار عبر ما تبتنه باسم “خطة ترامب“، وأكدت على تبادل الأسرى بين كل من حركة حماس ودولة الاحتلال، كما أكدت على إدخال المساعدات من خلال منظمات الأمم المتحدة، وذلك ضمن المرحلة الأولى للاتفاق.
وأعرب التقرير عن الأمل أن يمثل ذلك الاتفاق بداية لوقف إطلاق النار بشكل مستدام، وإدخال المساعدات الإنسانية، والتأكيد على قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
ويدعم ذلك اعترافات عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية مؤخرا في ظل تصاعد الحرب، وتصاعد التضامن الشعبي العالمي ضد حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل.
كما يؤكد المركز على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، والتي تعرضت لانتهاكات متعددة من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما توثقه عشرات التقارير والأدلة التي جمعتها منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية.
ويشدد تقرير المركز على ضرورة سير المحكمة الجنائية الدولية في طريقها لمحاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية طوال عامين، حيث أصدرت قرارات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. وجاءت أوامر التوقيف ضد نتنياهو وجالانت التي صدرت عن قضاة المحكمة في نوفمبر 2024، بتهم تتعلق بـ”ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة”، من بينها استخدام التجويع كوسيلة حرب، والقتل العمد للمدنيين، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية. وأكدت على ضرورة قيام أي دولة بتنفيذ هذه القرارات في حال وجود هؤلاء المجرمين على أراضيها.
كما يشدد تقرير مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” على استكمال التحقيق في جرائم قتل المدنيين الفلسطينيين أثناء محاولتهم تلقي المساعدات الإنسانية من “مؤسسة غزة” المشبوهة، ورصد كل الجرائم التي ارتكبت خلال الفترة من 7/ أكتوبر 2023 حتى 1 أكتوبر 2025.
لقراءة التقرير كاملا: