تطورات سريعة يشهدها الملف الليبي، بعد تظاهرات غاضبة في طرابلس احتجاجا على الفساد ونقص الكهرباء والمياه والوقود، وأطلاق مسلحون النار على المتظاهرين. كانت ميليشيات ليبية أطلقت الرصاص على المتظاهرين، كما شنت تشكيلات الوفاق عمليات مداهمة وقبضت على عدد من الناشطين الذين كانوا قد حاولوا الخروج للتظاهر قرب “قاعة الشعب” في طرابلس. وأقامت حواجز أمنية في العاصمة توقف المارة فيقوم ملثمون بتفتيش هواتفهم. واتهم المتظاهرون حكومة الوفاق باستخدام العنف ضد المحتجين لإخماد التظاهرات بالرصاص.

ويسعى رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، لاحتواء الغضب بالإعلان عن إجراء تعديل حكومي استجابة للسخط الشعبي المتزايد في طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا الخاضعة لسيطرته.

وفى هذا الإطار أعلنت حكومة الوفاق الوطني الليبية، أمس السبت، تعيين وزير دفاع ورئيس أركان للجيش جديدين، وصدر القراران بعد ساعات من إعلان حكومة الوفاق تعليق عمل وزير الداخلية، فتحي باشا آغا، إثر إطلاق ميليشيا النار على متظاهرين سلميين.

وجاءت هذه التغييرات بعد اجتماع عقده المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وحضور نائبي الرئيس أحمد معيتيق وعبد السلام كجمان، وعضوي المجلس محمد عماري زايد وأحمد حمزة.

وأعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق تكليف العقيد صلاح الدين علي النمروش بمهام وزير الدفاع المفوض، وتعيين الفريق أول محمد الحداد رئيس لأركان الجيش الليبي.

إيقاف وزير الداخلية

كانت حكومة الوفاق قد أعلنت أول أمس الجمعة في بيان “إيقاف وزير الداخلية فتحي علي باشا آغا احتياطيّاً عن العمل ومثوله للتحقيق الإداري أمام المجلس الرئاسي خلال أجَل أقصاه 72 ساعة من تاريخ صدور هذا القرار“. والتحقيق معه “بشأن التصاريح والأذونات وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين والبيانات الصادرة عنه حيال المظاهرات والأحداث الناجمة عنها التي شهدتها مدينة طرابلس“. وكلّف مرسوم آخر قوة من المناطق العسكرية المقسمة في غرب ليبيا بقيادة أسامة جويلي وهو قائد من الزنتان، وهي مدينة أخرى ذات نفوذ عسكري، بالمساعدة في ضمان الأمن بطرابلس.

وزير دفاع جديد

وشغل وزير الدفاع الجديد صلاح الدين النمروش، وهو من مدينة الزاوية غرب ليبيا، منذ أكتوبر 2019، منصب وكيل لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق، حيث بدأ مشواره المهني ضابطا ومهندسا بإدارة المشتريات العسكرية عام 2000، ثم تدرج في وظيفته حتى عيّن آمرا لمكتب المعلومات والدراسات بإدارة المشتريات العسكرية، وقد شارك بعدة دراسات وأبحاث في مجال الحاسوب وتقنية المعلومات بالمجال العسكري.

أما الحداد الذي أصبح رئيسا جديدا للأركان العامة لقوات حكومة الوفاق، وهو من مدينة مصراته، فقد كان آمرا للمنطقة العسكرية الوسطى، وشغل منصب قائد “لواء الحلبوص”، وهي أكبر الكتائب العسكرية في مدينة مصراتة.

عودة وزير الداخلية

وتزامنت هذه التكليفات مع وصول وزير الداخلية المقال من حكومة الوفاق الليبية فتحي باشاغا، إلى العاصمة طرابلس واستقباله بالمطار من طرف أكثر من 300 آلية عسكرية تابعة لميليشيات مصراتة، وسط أجواء من التوتر وتهديدات متبادلة بينها وبين ميليشيات طرابلس الموالية لفايز السراج.

ونظم المئات من سكان مدينة مصراتة، مسقط رأس وزير داخلية حكومة الوفاق المقال فتحي باشاغا، اعتصاما احتجاجا على إيقافه من المجلس الرئاسي وتحويله للتحقيق الإداري، وقد أعلن باشاغا في بيان موافقته على التحقيق معه، مطالباً بأن تكون الجلسة علنية ومنقولة إعلاميا.

وأعلن عدد من ميليشيات مصراتة النفير واستعدت من أجل التوجه إلى العاصمة طرابلس، لاحتمال حدوث أي مواجهات مع الميليشيات المؤيدة لفايز السراج، معتبرة أن قرار السراج بإقالة باشاغا جاء لإرضائها.

أنباء عن انقلاب

فيما قالت مصادر لقناة العربية إن إيقاف وزير داخلية الوفاق فتحي علي باشا آغا عن عمله جاء على خلفية تخطيطه لمحاولة انقلابية على فايز السراج رئيس حكومة الوفاق بالتنسيق مع خالد المشري وجماعة الإخوان.

توقعت مصادر سياسية ليبية أن يستمر الصراع على السلطة بين رئيس الحكومة فايز السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا الذي تواترت أنباء خلال الأيام الماضية بشأن سعيه للانقلاب على السراج وسط دعوات دولية للتهدئة.

ويأخذ الصراع بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية بعدا جديدا، حيث وقفت ميليشيات طرابلس مع السراج ضد باشاغا المنحدر من مدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري المهم غرب ليبيا، والتي تهيمن على السلطة منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي مستفيدة من قيادتها لمعركة إسقاطه.

تحذير من صراع قادم

ولم تستبعد المصادر أن يتطور الصراع خلال الأيام القادمة إلى صراع مسلح بين ميليشيات طرابلس ومعها القوات التابعة لأسامة الجويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية من جهة وميليشيات مصراتة من جهة أخرى.

قلق دولى

ويتابع المجتمع الدولي بقلق التطورات في العاصمة الليبية حيث أصدرت السفارة الأميركية بيانا دعت من خلاله للتهدئة. وقال البيان “تدعم الولايات المتحدة سيادة القانون، وتقدر الشراكات الوثيقة مع رئيس الوزراء السراج ووزير الداخلية باشاغا، كما تحث على التعاون من أجل توفير الحكم الرشيد للشعب الليبي”.

وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إن ليبيا بحاجة ملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة، لتلبية تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثّله بشكل ملائم، وإلى الكرامة والسلام”.

وأوضحت في بيان لها أن ليبيا تشهد تحوّلا لافتا في الأحداث، يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبّي تطلّعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم. 

وحثت البعثة على الهدوء وتطبيق سيادة القانون والحفاظ على حقوق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم، في إشارة إلى قمع ميليشيات طرابلس للتظاهرات السلمية التي شارك فيها المواطنون، احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية.

من جانبها دعت السفارة الألمانية لدى ليبيا القادة الليبيين إلى التصرف بحذر واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين. وقال سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفتشا إن بلاده تدعو “إلى الاعتدال واحترام الحقوق الأساسية”.