أطلقت تركيا أمس “السبت” مناورات عسكرية جديدة في شرق البحر المتوسط تستمر أسبوعين قبالة سواحل قبرص، مما يزيد من حدة التوتر في شرق المتوسط. المناورات التركية جاءت ردا على مناورات مشتركة بين كل من اليونان وقبرص وفرنسا وإيطاليا جنوب اليونان.
كان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد هدد بشن حرب على اليونان، وقال لا يمكن لليونان توسيع حدود مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا في بحر إيجة فهذا سبب للحرب”.، بحسب ما نقلت عنه وكالة “الأناضول” الرسمية:”
ويسعى كل من البلدين إلى الوصول للثروات النفطية المتواجدة في شرق الأبيض المتوسط. وكانت تركيا قد بدأت منذ عدة شهور عمليات تنقيب الغاز في حوض “لفونتان” المتنازع عليه. وأرسلت في 10 أغسطس/آب سفينة حربية “أوروس رايس” مصحوبة بتعزيزات عسكرية أخرى إلى جزيرة “كاستلوريزو” اليونانية. الأمر الذي أثار غضب اليونان التي وصفت الخطوة التركية بعملية استفزاز.
ويحتوي حوض “لوفنتان” الذي يمتد من اليونان وجزيرة “رودس” غربا حتى السواحل الأسيوية شرقا على 5765 مليار متر مكعب من الغاز، حسب تقديرات اللجنة الجيولوجية الأمريكية التي قامت بدراسة في 2010.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت تركيا على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية لتوسيع مساحة مياهها الإقليمية . فيما أثر هذا القرار سلبا على مشروع أنبوب غاز المسمى “إيست ميد” الموقع من طرف قبرص وإسرائيل واليونان.
ولمواجهة المشروع التركي، وقعت قبرص بدورها في بداية شهر أغسطس/آب الحالي على اتفاق مماثل مع مصر يسمح للبلدين استغلال أكبر قدر من الموارد المتوفرة في المناطق الاقتصادية الحصرية”، من بينها احتياطات النفط والغاز بحسب وزير الشؤون الخارجية المصري.
وزارة الدفاع التركية، كانت قد أعلنت، أن مقاتلات تركية اعترضت 6 طائرات يونانية، الخميس الماضي، لدى اقترابها من منطقة تعمل فيها سفينة «أوروتش رئيس» التركية للمسح الزلزالي، منذ 10 أغسطس الجاري، ما اضطر المقاتلات اليونانية للعودة أدراجها.
تحذير من فرض عقوبات
ومن جانبه، حذر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، تركيا من احتمال تعرضها لعقوبات جديدة، تشمل تدابير اقتصادية واسعة النطاق، ما لم يتم تحقيق تقدم باتجاه خفض التوتر مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط.
فيما قال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي، أن بلاده تنتظر «الإنصاف» من الاتحاد الأوروبي بخصوص شرق المتوسط، وأنها لن تتنازل عن أي متر مربع في المنطقة مهما كلف الثمن. وفيما يتعلق بسعي اليونان لتوسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا، قال أوكطاي: «هل تنتظرون منا قبول هذا؟ إن لم يكن ذلك سببا للحرب، فماذا سيكون؟
وحمل نائب الرئيس التركي اليونان وقبرص، مجددا، المسؤولية عن التوتر في شرق المتوسط، من خلال مطالباتهما وإجراءاتهما، التي وصفها بـ«المخالفة للقانون الدولي».
الموقف الفرنسى
حدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطوطا حمراء لتركيا في شرق المتوسط في خطوة استباقية لاحتمال قيام تركيا بمهاجمة اليونان. فيما يعد إشارة إلى إمكانية دخول البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في صدام بسبب أطماع تركيا المتزايدة في المتوسط.
ودعا ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى التضامن مع اليونان وقبرص في الخلاف حول احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة قبرص، ويضغط ماكرون على الاتحاد الأوربي لفرض المزيد من العقوبات تركيا.
وأضاف” ماكرون” ما فعلته فرنسا هذا الصيف كان مهما، إنها سياسة تتعلق بوضع خط أحمر. لقد طبقتها في سوريا، في إشارة إلى الغارات الجوية الفرنسية على ما يشتبه بأنها مواقع أسلحة كيميائية في سوريا.
وانتقدت أنقرة موقف الاتحاد الأوروبي كما هاجمت اليونان واتهمتها بالسعي للحرب، وحاولت تركيا التخفيف من موقف حلف شمال الأطلسي (ناتو) عبر اتصال هاتفي بين الرئيس رجب طيب إردوغان مع السكرتير العام للحلف ينس ستولتنبرغ.
أمريكا والصراع
أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية سفنا حربية في إطار مهام حلف شمال الأطلسي إلى البحر المتوسط. لكن واشنطن لا تريد أن تكون طرفا في النزاع. فالمدمرة “وينستون تشرتشل” أجرت تدريبات عسكرية مع البحرية اليونانية في 24 أغسطس/آب ثم مع البحرية التركية في 26 من نفس الشهر وذلك حفاظا على مبدأ الحياد.
جذور العداء
تمتد جذور العداء اليوناني التركي إلى ما قبل إنشاء الجمهورية التركية الحديثة. فقد أدى الغزو التركي للجزيرة في عام 1974، والذي نجم عن انقلاب عسكري مدعوم من اليونان، إلى احتلال القوات التركية للثلث الشمالي للجزيرة ونزوح القبارصة اليونانيين من المنطقة.
وتصاعدت التوترات بين اليونان وتركيا منذ ذلك الحين، وفي عام 1996 اقترب البلدان من الحرب على جزيرتين غير مأهولتين في بحر إيجه بالقرب من الساحل الغربي لتركيا.
وتعتبر تركيا أي صفقات توقعها قبرص بشأن استغلال الطاقة غير قانونية ما لم تشارك جمهورية شمال قبرص التركية فيها. في المقابل، تعتبر اليونان التنقيب التركي عن الغاز بالقرب من قبرص غير قانوني.
وتوترت العلاقات أكثر في يوليو الماضي بسبب تحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، وقد أدى ذلك إلى إحياء نزاع دام قرونا حول أحد أكثر المباني الدينية في العالم، وأثار غضب روسيا واليونان، وهما مركزا المسيحية الأرثوذكسية.
وفي نوفمبر الماضي وقعت تركيا اتفاقًا بحريًا مع الحكومة الليبية في طرابلس، يسمح بتوسيع عمليات الحفر التركية في شرق البحر المتوسط.
واتخذت فرنسا، إلى جانب اليونان وقبرص، موقفًا متشددًا ضد تركيا، مقارنة بالنهج الأكثر تصالحية الذي يفضله الاتحاد الأوروبي، خصوصا من دول مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا.
ووقعت مصر قبل أسابيع اتفاقية مع اليونان بشأن تطوير منطقة اقتصادية بحرية مشتركة، وقد أقر البرلمان اليوناني هذه الاتفاقية.
بعد أسابيع من التوتر في شرق البحر المتوسط، كثفت كل من تركيا واليونان من مناوراتها العسكرية في الفترة الأخيرة. ويتنازع البلدان على تقسيم المياه الإقليمية وخصوصا من أجل حقوق التنقيب عن النفط.