كوتة المرأة أو حصة المرأة في البرلمان، هي من الأمور التي عكفت عليها أنظمة الحكم في مصر لسنوات طويلة، وتعززت تلك الكوتة بعد مؤتمر بكين للمرأة 1995، الذي أقر بإمكان النظم السياسية تمكين المرأة برلمانيا عبر نظام الكوتة. وعلى الرغم من أن هذا النظام لا يحقق المساواة القانونية، لأنه يفضي إلى تمييز للمرأة، إلا أن مقررات بكين أقرت، بأن هذا الأمر هو نوع من التمييز الإيجابي لحين تعتاد الشعوب على تلك المساواة.
في مصر، تم إعمال الكوتة في عديد من النظم الانتخابية التي مرت بها مصر، وفي مرات أخرى أُلغيت تلك الكوتة، وفي كل مرة، كان إقرار الكوتة محاولة من قبل نظام الحكم المعني بكسب المزيد من الشعبية والدعم من قبل نساء مصر. هنا يكمن السؤال بعد هذا التأرجح: هل حققت كوتة المرأة بعد إعمالها لعدة فصول تشريعية الغرض منها، أم أنها كانت وبالا ليس على المرأة فقط، بل وعلى مصر لكون إعمالها قد أفضى إلى وجود نظم انتخابية أغلبية، انتشرت فيها الرشاوى والعنف، وعناصر نسائية جيدة فقط، من حيث الكم لا النوع.
وضع المرأة انتخابيا حتى العام 1979
البداية كانت عام 1979، حيث شجعت السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس السادات تقرير كوتة قانونية للمرأة في مجلس الشعب الذي انتخب في نفس العام خلفا للمجلس المنتخب عام 1976، والذي حُل بقرار من الرئيس السادات للخلاص من معارضي الصلح مع إسرائيل. وكانت تلك التجربة هي الأولى من نوعها لتقرير كوتة المرأة في النظام الانتخابي المصري، منذ أن نالت المرأة حق الترشيح والانتخاب عام 1956، وقد قُنن ذلك في قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956، الذي منح المرأة أيضا قيدا إجباريا، وليس اختياريا في جداول الناخبين. جدير بالذكر، أن مصر في هذا العام وافقت على اتفاقية الـCEDAW، وذلك للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وكانت مصر قد سبق لها أن أقرت نظام الكوتة للمرة الأولى عام 1964، عندما أقر قانون الانتخاب كوتة للعمال والفلاحين بنصف عدد مقاعد البرلمان.
أسفر منح المرأة لحقي الترشيح والانتخاب عن تمثيلها في مجلس الأمة، ثم الشعب حتى العام 1979 بشكل بسيط، إذ مثلت في مجالس1957 و1960 و1964 و1969 و1971 و1976 بعدد 2 و6 و8 و3 و8 و6 امرأة على التوالي. وكان هذا التمثيل قد حكمه وجود النظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي، وهو نظام يحد من تمثيل المرأة على العكس من النظام النسبي الذي يجعل هناك إمكانية أكبر لتمثيل المرأة، كما حكمه ارتفاع نسبة الأمية، خاصة بين النساء، وحداثة العهد بمشاركة المرأة في التمثيل والاقتراع على السواء.
انقطاع الكوتة في انتخابات1987 وما بعدها يؤكد فشل التجربة
عام 1979 بدأت الكوتة النسائية خلال النظام الأغلبي وذلك بوجود 30 مقعدا للمرأة في مجلس الشعب، بعدها كانت انتخابات 1984، حيث بقت الكوتة النسائية إلى جانب كوتة العمال والفلاحين، بوجود 31 مقعدا للمرأة، وكان النظام الانتخابي هنا هو النظام النسبي المقيد بعتبة انتخابية كبيرة، تقدربـ8%. في هذا الصدد، مثلت المرأة في المجلسين بعدد 33 و35 امرأة على التوالي، ما يعني أن وجودها خارج الكوتة لم يزد عن 3 و4 سيدات في انتخابي 1979 و1984 على التوالي. عقب ذلك، ألغيت الكوتة عام 1986، بعد أن أقر تقرير مفوضي المحكمة للدستورية بعدم دستورية النظام الانتخابي، وضمنه كوتة المرأة التمييزية، وكانت حيثيات الحكم تشير إلى القيود الشديدة المحيطة بالنظام الانتخابي، ومنها أنه منع المستقلين من المشاركة في الترشيح.
على أن ما ميز تلك الفترة هو أن المرأة قد مثلت بمجلس عام 1987 (الخالي من كوتة النساء) بعدد 14 امرأة، ما يعني أن الكوتة السابقة لم تجعل المصريين يعتادوا على وجود المرأة في البرلمان بشكل كاف على الإطلاق. وقد استمر التدهور بشكل كبير في الانتخابات التي تلت ذلك، إذ مثلت المرأة في برلمانات 1990 و1995 و2000 و2005 بعدد 4 و5 و7 و4 سيدات على التوالي. وقد كان أحد أهم أسباب هذا التدهور الكبير مقارنة بالتدهور المحدود بين انتخابي 1984 و1987 (أي بين وجود 35 امرأة في نظام الكوتة و14 في نظام خالي من الكوتة)، يرجع إلى أن النظام الانتخابي منذ العام 1990 كان النظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي، وهو نظام العصبيات والرشاوى مقارنة بالنظام النسبي الذي كان لا يزال قائما في مجلس 1987 مطعما بمقعد فردي واحد في دوائر الجمهورية الـ48.
عودة الكوتة النسائية 2010 و2012 بين التمثيل والترشيح
من المهم، ونحن نتحدث عن نظام الكوتة، أن نفرق هل النظام الانتخابي اختار كوتة تمثيل أم ترشيح، بمعنى هل الكوتة أيا كان نوعها (عمرية/ فئوية/ دينية/… إلخ) هي كوتة لمجرد الترشيح من قبل القوى السياسية جبرا أو اختيارا، أم أنها كوتة ترشيح، بمعنى أن القائم بفرز أوراق الاقتراع وإعلان النتائج عليه، أن يختار جبرا عددا محددا بالقانون لإنجاح عضوات من المرشحات.
هنا من المفيد المقارنة بين كوتة النظام الانتخابي لانتخابات 2010 التي عُدت واحدة من أسوأ الانتخابات في مصر، وبين كوتة انتخابات 2012 التي عدت واحدة من أنزه انتخابات في مصر إلى جانب انتخابات 1976 و1924. في انتخابات 2010 كانت الكوتة لاختيار 64 امرأة جبرا، فكانت كوتة تمثيل، وكان النظام أغلبي عبر الأسلوب الفردي. أما كوتة انتخابات 2012 فكانت كوتة ترشيح، لأن القانون أجبر القوى السياسية التي تُعِد القوائم النسبية على وضع ولو امرأة واحدة، ولم يشترط مكانا محددا في القائمة، ما جعل كل الأحزاب تضعها في النصف الأخير من قوائمها، ما قلل من فرص فوزها. وبالفعل لم تفز في هذا النظام) (وثلثاه بالقوائم النسبية وثلثه بالنظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي) سوى بـ9 سيدات ضمن ترشيح القوائم.
نظام القوائم المطلقة فاقم من مثالب الكوتة
في انتخابات 15/ 2016 وانتخابات 20/ 2021، بدأ الأخذ بأسلوب القوائم المطلقة (إلى جانب الأسلوب الفردي)، وهذا الأسلوب يمكن أن يسمى بحكم الأمر الواقع نظام تزوير إرادة الناخبين، لكونه ينقل أوراق اقتراع 49% من أصوات الناخبين لقائمة ما إلى القائمة إلى حصدت 51% من الأصوات. وقد أقر هذا النظام كوتة نسائية للتمثيل ضمن 5 كوتات دستورية أخرى، وهي أكبر عدد كوتات في تاريخ أي حياة نيابية في أي نظام سياسي حول العالم في الانتخاب الواحد. حيث أقر بانتخاب 56 سيدة جبرا في انتخابات 15/ 2016، و142 سيدة جبرا في انتخابات 20/ 2021، وهو ذات الأمر الذي ستجرى عليه انتخابات اليوم.
والشاهد من انتخاب الشق الفردي في الانتخابين الأخيرين، مقارنة بالكوتات الحالية، أن سيدات الشق الفردي كن (عامة) قديرات بالعمل البرلماني. ففي انتخابات 15/ 2016 فاز خارج الكوتة 19 امرأة، كلهن من المستقلات وأحزاب المعارضة، ولم يكن منهن أي من المنتميات لأحزاب السلطة (مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري). وفي انتخابات 20/ 2021، فازت خارج نظام الكوتة 6 سيدات فقط نصفهم من مستقبل وطن والنصف الآخر من المستقلين.
وعلى أية حال، فقد أثبتت التجربة، أن أفضل وضع لتمثيل المرأة من حيث الكيف هو النظام النسبي، وهو نظام كانت فيه سيدات مثل نوال عامر وألفت كامل وأمينة شفيق وغيرهن من رائدات العمل النسوي في مصر، وأن النظام الأغلبي عبر كوتات القوائم المطلقة يهدر تمثيلها، لكونه نظام شائه، لا يهتم بالمرأة إلا لمجرد كونها عددا. من هنا، فإن أسلوب القائمة المطلقة ضمن النظام الأغلبي لا يحقق للمرأة أية ميزة، لكونه قد ارتبط باختيار بعض الأحزاب لأسوأ العناصر النسائية، وذلك من سيدات أغلبهن عديمي الخبرة بالعمل السياسي، ممن تختارهم الأحزاب مجبرة لتكريس وتحقيق الكوتة الدستورية. الدليل على ذلك، العطاء الضحل للمرأة في مناقشة قوانين العمل والأحوال الشخصية وقوانين الانتخاب وغيرها.
أن أفضل الأوضاع لتمثيل المرأة عوضا عن القوائم المطلقة (نظام التزوير الفاضح لإرادة الناخبين)، لا يأتي إلا بفتح المجال العام، الذي يمَكن ليس فقط العناصر النسائية الكفؤة لاعتلاء المواقع البرلمانية، بل وأيضا احتلال الرجال الأكفاء لتلك المواقع، لكون الكثير منهم أيضا دون المستوى الكاف لتلك المكانة. كما أن تمكين المرأة لن يتأتى إلا بمنح السلطة الحوافز للأحزاب التي ترشح المرأة، بدلا من الكوتات الجبرية التي تهتم بالكم على حساب الكيف. وأخيرا وليس آخرا، فإنه على المدى المتوسط والبعيد، فإن النظام النسبي كفيل بتحقيق التمثيل الأفضل للمرأة، مع الاهتمام بمستوى تعليم المرأة وكذلك عملها، حيث يعتبر ضعف القدرة الاقتصادية للسيدات أحد أسباب انخفاض العناصر الجيدة منهن في الترشيح، وبالطبع لا ننسى أهمية تقدير الثقافة والإعلام والسينما للمرأة، لأن الحط من صورتهن في الفن والثقافة يؤثر على قرار الناخبين في اختيارهن.






