ليس خافيا على أحد، وليس بجديد أيضاً، أن نذكر، بأن المهندس/ هيثم الحريري، كان عضوا في مجلس النواب دورة 2015/ 2020، كما أنه قد خاض انتخابات مجلس النواب عن الدورة الماضية، ولم يحالفه التوفيق، وبالتالي، فمن المؤكد، ومن المعلوم بالضرورة، أنه قد تحقق بشأنه الاشتراطات القانونية اللازمة للترشح لمجلس النواب، إذن فلماذا تم استبعاده من الترشيح لذات المكان في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ دونما أن يكون قد ارتكب من الجرائم، ما يحول دون حقه في الترشح لهذه الانتخابات، وهل كان إعفاؤه من الخدمة العسكرية غير معروف وقت خوضه الانتخابات ونجاحه أول مرة، أم أن هناك تغييرا قانونيا قد تم، يسمح باستبعاده هذه المرة.

بمراجعة قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، نجد أن المادة الثامنة منه قد بينت الشروط الواجبة، لمن يترشح لمجلس النواب، وقد جاء في الفقرة الثالثة من هذه المادة شرط الخدمة العسكرية، على النحو التالي: أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفي من أدائها قانوناً.

ولكن تم استبعاد المهندس/ هيثم أبو العز الحريري من خوض الانتخابات، على أساس مخالفته لشرط أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، وقد سلك السبيل القانوني للطعن على ذلك القرار أمام محكمة القضاء الإداري، ولكنها قضت بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعاً، بما يؤيد قرار استبعاده من خوض الانتخابات، وقام فريق دفاع بالطعن على ذلك الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ولكن دائرة فحص الطعون قررت رفض الطعن المقدم على ذلك الحكم، وهو الأمر الذي بات بمثابة حكم بالإعدام السياسي للمهندس هيثم الحريري.

وإذا ما تطرقنا إلى السبب الذي ارتكن عليه حكم استبعاده من خوض الانتخابات، فقد ارتكن إلى أنه قد صدر له قرار باستثنائه من أداء الخدمة العسكرية، وهو ما اعتبرته محكمة القضاء الإداري، وأيدتها في ذلك المحكمة الإدارية العليا بمثابة التخلف عن شرط أداء الخدمة العسكرية، أو الإعفاء منها.

وإذ أن النص القانوني الحاكم لهذا الأمر وفق ما ورد في المادة الثامنة من قانون مجلس النواب، وكذلك ما تؤكده المادة العاشرة من ذات القانون، لم تفرق بين سبل الإعفاء، وهو ما تؤكده صيغة الإطلاق التي وردت في ذلك النص، ولم يضع المشرع أي استثناءات حول كيفية الاستبعاد من أداء الخدمة العسكرية، وكذلك لم يفرق بين صور الاستبعاد المختلفة. فلماذا فرقت المحكمة في حالة استبعاد المهندس/ هيثم الحريري، واعتبرت أن استبعاده من أداء الخدمة العسكرية قد جاء بقرار من وزير الدفاع، وهو ما اعتبرته المحكمة غير محقق للشرط اللازم في المادة الثامنة من قانون مجلس النواب، على الرغم من عدم وجود أي استثناءات في مواد القانون المتعلقة بالخدمة العسكري، فهو الأمر الذي يوحي بالتوسع في تفسير المادة، وهو الأمر الذي كان يقتضي الرجوع إلى الأعمال التحضيرية لهذا القانون، بما في ذلك النقاشات التي تمت وقت إقراره، وهو الذي لم نجد له صدى في أوراق القضية، كما أنه من نافلة القول، فقد كان الأحرى أن تحيل أي من المحكمتين الأمر برمته إلى المحكمة الدستورية العليا، لتبين هل هذا التفسير يوافق صحيح القانون، أم غير ذلك؟ وفي المجمل لتقول المحكمة الدستورية العليا قولها الفصل في مدى دستورية النص، ومدى صحة التأويل الذي ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري، وهو ما كان من بين طلبات فريق دفاعه في صحيفة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، لكن جاء قرار دائرة فحص الطعون، والتي لنا على وجودها في مجمله العديد من أوجه الملاحظات.

إذن، فماذا يعني صدور ذلك الحكم، والذي يعد من قبيل مصادرة الحق في الترشيح للمجالس النيابية، والحق في المشاركة السياسية بشكل عام، و يعتبر الحق في المشاركة السياسية أهم الحقوق المرتبطة في المجال العام؛ لكونه يشمل حق الترشح والانتخاب وحق تقلد الوظائف العامة، وهو بقول مغاير مساهمة المواطنين في النظام السياسي، وبلغة علمية، فقد عرفها صاموئيل هنتنجتون: بأنه تعني ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء كان نشاطاً فردياً أم جماعياً منظما أو عفويا، متواصلاً أم منقطعاً، وهو شكل مهم من أشكال الممارسة السياسية، تتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عمله، ومن زاوية مغايرة، فإن المشاركة السياسية تُعد من المؤشرات الدالة على مدى نضج المجتمع، بما يتيحه من فرص للانخراط في نشاطات الحياة العامة وممارسة الحقوق المدنية والسياسية المكفولة دستورياً وحقوقياً.

كما وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال، أن يتم منع المواطنين من حقهم في المشاركة السياسية، سواء بالترشح أو الانتخاب بشكل مطلق، وهو ما نجد له صدى في القوانين العقابية، والتي تجيز حال الحكم على أي مواطن في جريمة مخلة بالشرف منعه من ممارسة النشاط السياسي، إلى ان يتم رد اعتباره، وليس إعداما سياسيا بشكل كامل طوال العمر، إذ يمثل منعه من ممارسة النشاط السياسي هو عقاب مؤقت، مرتبط بما اقترفت يداه من جرم، ولفترة مؤقتة، وليس بصورة مطلقة.

وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 131 لسنة 6 قضائية، على أن “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون. ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني”. ومؤدى ذلك، أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة. ومن بينها حق الترشيح الذي عنى الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قادتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة. ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً، يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم، فإن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق، يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، وألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور، بما نص عليه في المادة 8، من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” وفي المادة 40، من أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. لا تمييز بينهم في ذلك؛ بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.

فهل هناك قول قانوني أعلى مما تؤكده عبارات حكم المحكمة الدستورية، بما يؤكد على عدم جواز مصادرة حق الترشح للانتخابات بشكل مطلق، أم أن للأمور صور أخرى مغايرة لما تبينه الأوراق، ولم تفصح عنه الجهات المسئولة عن تنظيم تلك الحقوق، وهو الأمر الذي يمس بسلامة العملية الانتخابية برمتها، ولا يتماشى مع القيم الديمقراطية.