تعد المشاركة في الترشيح أحد مؤشرات مدى ثقة مجتمع الناخبين في النظام السياسي عامة، والرضاء عن مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية خاصة. وقد ارتبطت عملية الترشيح ببعض الأمور الورقية والبيروقراطية الضرورية، المتعلقة بجنسية الناخب المصري، ووجوده في قاعدة بيانات الناخبين، وسن الناخب (25 عاما على الأقل)، وموقفه من الخدمة العسكرية (أدى الخدمة أو أُعفي منها)، ودائرة ترشحه التي يختارها، ومؤهله (إتمام التعليم الأساسي)، وعلاقته بالكوتات الانتخابية حال ترشحه على القوائم، وصلته بالقوى السياسية المشاركة في الانتخابات (حزبي/ مستقل)، وغيرها من الأمور التي تتشابه فيها إلى حد كبير النظم الانتخابية حول العالم. وعامة، فإنه من خلال البيانات الأساسية المتوفرة عن المرشحين الحزبيين ودوائرهم، يمكن الإدلاء بالملاحظات التالية: –
– عندما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات قوائم المرشحين، أعلنت أنها قد استبعدت ثلاث قوائم، وقبلت قائمة واحدة. فهي قد استبعدت قائمة الجيل، والتي ترأسها حزب الجيل الديمقراطي، والتي تشكلت بغرض التنافس على قطاعي/ دائرتي شرق وغرب الدلتا. كما استبعدت قائمة صوتك لمصر في غرب الدلتا، والتي ترأسها حزب مصر العربي الاشتراكي. وبذلك تكون الهيئة قد اكتفت بقبول قائمة واحدة هي، “القائمة الوطنية الموحدة من أجل مصر”، وقد ذكرت الهيئة أسبابا واهية وبيروقراطية وورقية لرفضها القائمتين، ولو قبلتهما لكانت الانتخابات تنافسية، ولو من حيث الشكل، وهو أمر لا شك أفضل كثيرا من الإجراء الذي اتخذته، والذي جعل الانتخابات على نصف مقاعد مجلس النواب، نوع من التزكية أو بالأحرى التعيين المُقَنع. وكل تلك الأمور أفقدت الانتخابات زخمها، ووسمتها- ضمن أسباب أخرى كثيرة- بعدم التنافس وعدم الموضوعية وعدم النزاهة.
في نفس السياق، استبعدت الهيئة مترشحين أفرادا كثيرين، ونظرا لأن بعض هؤلاء المرشحين من قادة المعارضة المعروفين، فقد وسمت قرارات الهيئة بالجائرة وغير الموضوعية، رغم أنها استندت إلى أحكام القضاء. وكان أبرز الأسماء التي تم حذفها تلك التي تنتمي لقائمة أحزاب الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية “حق الناس”، والتي خصصت للتنافس على الشق الفردي فقط، والتي يقودها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ما جعل كل القائمة (باستثناء حزب الكرامة) تنسحب من الانتخابات؛ احتجاجا على شطب بعض مرشحيها، والتي كان سبب رفض الهيئة لهم، يتعلق بموقفهم من التجنيد أو وجودهم ضمن قوة الاحتياط العسكرية.
– يتبين من الحصر الحزبي للمرشحين، أن عدد الأحزاب المشاركة في الترشيحات 34 حزبا، وهو عدد يقل قليلا عن عدد الأحزاب المشاركة في انتخابات 2020 (36 حزبا). وكان ضمن الأحزاب التي تقدمت بالترشيح 12 حزبا في القوائم، وهي نفسها الأحزاب التي تقدمت بالترشيح على المقاعد الفردية مضافا إليها 22 حزبا. ولأن عدد الأحزاب السياسية المصرية يناهز الـ104 أحزاب سياسية، ولأنه من غير المجدي، اعتبار نصف تلك الأحزاب المشاركة مشاركة حقيقية، لكونها لم تقدم ما لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة من الأسماء، فإنه من الناحية العملية لم يشارك إلا نحو 15% من الأحزاب القائمة في الانتخابات، وهو أمر يشير إلى حالة من حالات فشل النظام الحزبي التعددي في مصر، نتيجة هذا العزوف في واحدة من أهم مواقف ظهور أية أحزاب سياسية قائمة في أي نظام سياسي.
– في إطار إعداد حزب مستقبل وطن للقائمة الموحدة من أجل مصر، وعقب تخصيص مقاعد بعينها لكل قوى سياسية، أدركت أو وعدت بالمشاركة في القائمة، تم بيع بعض الأحزاب للمقاعد المخصصة لها، وذلك إلى أشخاص بعينهم من رجال الأعمال. وقد أثار ذلك موجه غضب كبيرة في أوساط الرأي العام، لا سيما بعد أن شاهدوا أحد السيدات من أعضاء حزب حماة الوطن، وهي تتحدث بكل جرأة وجسارة عن طلب 25 مليون جنيه، منها نظير قبول الحزب لوجودها بالقائمة المحسوم فوزها في الانتخابات. ولعل الأغرب في المشهد، أنه قد جرى تحقيق قضائي مع السيدة، ولم يتم التحقيق مع قادة الحزب الذي يهيمن عليه ثُلة معتبرة من كبار ضباط الجيش المتقاعدين. وبعد التحقيق أطلق سراح السيدة، وأعلنت عقب التحقيق- بكل ثقة- أنها لن تعتذر عن كلمة واحدة قالتها. وعامة، فقد تردد على لسان مصادر وثيقة وشخصيات حزبية كثيرة، أن مشهد بيع حماة الوطن للمقاعد المخصصة له، تكرر على الأقل في أربعة أحزاب أخرى هي، مستقبل وطن والجبهة الوطنية والوفد والإصلاح والتنمية.
– أسفرت ترشيحات القوائم والفردي في انتخابات مجلس النواب 2025 عن الكثير من الأزمات داخل الأحزاب السياسية، وقد وصلت تلك الأزمات إلى حد اتهام قيادات الحزب بالسلطوية والتفرد في اتخاذ القرار سواء بسبب المشاركة في القائمة الموحدة من حيث المبدأ (الوفد)، أو المشاركة وغبن حق الحزب في التمثيل بشكل أقوى (التجمع)، أو تحديد رئيس الحزب لممثلي الحزب في القائمة الموحدة (الوفد/ التجمع/ المصري الديمقراطي الاجتماعي)، أو لأن رئيس الحزب يريد أن يبقى في قيادة الحزب رغما عن لوائح الحزب (الدستور/ البناء والتنمية/ التجمع)، أو اللجوء إلى ترشح شخصيات من خارج الحزب ورفض ترشح شباب الحزب وكوادره (الوعي/ إرادة جيل/ الجيل الديمقراطي/ الشعب الجمهوري/ حماة الوطن).
– في المقاعد الأساسية الخاصة بالقائمة المطلقة وعددها 284 مقعدا، والتي قاد إعدادها حزب مستقبل وطن بالتعاون الواضح مع جهات معروفة من خارج الأحزاب في تسمية القوى السياسية المشاركة وعدد المشاركين فيها وأوزانهم النسبية، شارك نحو 13 من القوى السياسية في تلك الترشيحات، ولأن هذا المقال لم يجد أي مصدر رسمي للإعلان عن تلك القوى وأوزانها، فقد اعتمد على دراسة، أعدها الباحث عبد الناصر قنديل للائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية، والتي أشار فيها إلى مشاركة مستقبل وطن بـ121 مقعدا مقابل 145 في انتخابات 2020، وحماة الوطن 54 مقابل 19 مقعدا، والجبهة الوطنية المُنشأ حديثا كان نصيبه 43 مقعدا، والشعب الجمهوري 16 مقابل 28، والمصري الديمقراطي 9 مقابل 7، والوفد 7 مقابل 22 والمؤتمر 3 مقابل 7، والإصلاح والتنمية 8 مقابل 9، والعدل 8 مقابل 2، والتجمع 4 مقابل 5، والحرية 2 مقابل 5، وإرادة جيل 1 مقابل 2، والمستقلون 8 مقابل 22. وتشير البيانات إلى عدم تمثيل حزب مصر الحديثة، كما حدث في انتخابات 2020، كما تشير إلى أن انخفاض تمثيل بعض الأحزاب من الناحية العددية قد رجع ضمن أمور كثيرة، لوجود حزب الجبهة الوطنية الذي تأسس في فبراير 2025، واقتنص 43 مقعدا. أخيرا وليس آخرا، من المهم الإشارة إلى أن تنسيقية شباب الأحزاب قد شاركت بتمثيل منتمين إليها في القائمة الوطنية، لكن أعضاءها من الأحزاب تم إضافتهم هنا للأرقام المذكورة آنفا.
– يُظهر التحليل المبدئي لأسماء مرشحي القوائم، أنه قد تم وضع عشرات الأقارب لقيادات الأحزاب بالقائمة الأساسية ضمن القوائم الاحتياطية الـ284 المناظرة لذات العدد من الأسماء الأساسية، وذلك في رغبة ونية حقيقية لتوريث مقاعد البرلمان حال إسقاط أو إبطال عضوية أو وفاة أي من الأعضاء الأساسيين. كما تظهر أسماء القائمة الموحدة أحد أهم نواكب إفشال النظام الحزبي في البلاد، لكونها استغلت القانون- البند 2 من المادة 8 من قانون مجلس النواب، التي تتحدث عن أن المرشح هو من يسجل بقاعدة بيانات الرقم القومي في أية محافظة، حيث تضمنت ترشيحات القائمة عن بعض المحافظات للعديد والعديد من المرشحين من قبل محافظات مغايرة، لما هي مسجلة بالرقم القومي أو التي لا ينتمون لها كمسقط رأسهم، ما يجعل الناخب، لا يثق على الإطلاق في الأحزاب، لكونه يدعى إلى اختيار أو تزكية قائمة بها أسماء من خارج محافظة أو قطاع أو دائرة الناخب. فمثلا محافظة البحيرة ويخصها 19 مرشحا أساسيا في القائمة المطلقة، يتبين أن من بينهم 11 اسما من خارج المحافظة، وربما خارج القطاع الانتخابي بأسره. الملاحظة الأخيرة هي أن القائمة وهي في إطار إعداد الأسماء والتزامها بالكوتات الست الدستورية، لم تتورع أن تضع أسماء تجمع أكثر من صفة، فمثلا تضع مرشحا ينطبق عليه وصف مسيحي وشباب وفلاح، أو ذوي إعاقة ومسيحي وعامل، وهكذا، ما يجعل الحرص الشديد من قبل الدولة عامة ولمن أعد القائمة خاصة على بقاء تلك الكوتات في الدستور (وقد أربكت المشهد الانتخابي برمته)، مجرد كلام نظري لا أساس له ولا مردود له في الواقع على الأرض. هنا يرصد عبد الناصر قنديل أيضا، أنه من بين 163 مرشحا من أصحاب الكوتات في القائمة الموحدة، يوجد 55 شخصا جمع بين صفتين و6 أشخاص جمعوا بين 3 صفات، وأن المسيحيين وعددهم 28 مرشحا، معظمهم من السيدات (23 امرأة مقابل 5 رجال)، وأن كل ذوي الإعاقة من السيدات، وكلهم اختيروا لكونهم يحملون صفات أخرى تتصل بالكوتة.
– ضمن المرشحين على المقعد الفردي والبالغ عددهم 2598 مرشحا، مستقبل وطن 125 مرشحا بنسبة 44% من جملة المطلوب انتخابهم والبالغ عددهم 284 مشرعا. هذا العدد يقترب من أعداد المرشحين مجتمعة، فيما يخص الأحزاب الثلاثة الأخرى القريبة من السلطة إلى جانب مستقبل وطن، وهي الجبهة الوطنية ورشح 46، وحماة الوطن ورشح 69 والشعب الجمهوري ورشح 11، أي بإجمالي 126 مرشحا، وبنسب متتالية تقدر بـ16% و24% و4% تقريبا من جملة المطلوب انتخابهم. هذا الأمر يشير، إلى أن مستقبل وطن وهو في قيادته للمشهد الانتخابي حزبيا، حافظ على ذات درجة قُرب حزبي حماة الوطن والشعب الجمهوري منه مقارنة بانتخابات 2020(حيث لم يكن حزب الجبهة قد أُسس وقتئذ)، إذ كان المرشحون الفرديون في مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري يبلغ عددهم 280 و121 و58 مرشحا.






