تعتزم وزارة النقل إنشاء خمسة مواني جديدة لتضاف لقرابة 19 ميناء تجاريًا في مصر حاليًا؛ بهدف تعزيز دورها في التجارة العالمية، ما يثير تساؤلات حول الدوافع وراء زيادة أعداد المواني المصرية، والأولويات الاقتصادية، خاصة مع تصنيف المواني كاستثمارات مُكلفة، إذ تتطلب محطات مناولة وتخزين للبضائع، وشبكة واسعة من البنى التحتية الداعمة كالمستودعات والرافعات وخطوط النقل.

تتراوح تكلفة بناء ميناء بحري بين حوالي 16 مليون دولار أمريكي (770 مليون حنيه) لكل رصيف بطول 300 متر، ويعتمد السعر الإجمالي لتكلفة ميناء بحري على عوامل مثل حجم الميناء ونوعه وموقعه، بالإضافة إلى أعمال التجريف والبنية التحتية والخدمات الإضافية اللازمة.

تتضمن الخطة الحكومية حاليًا، إضافة مواني أبو قير والمكس وجرجوب على ساحل المتوسط، ومينائي برنيس وطابا على البحر الأحمر مع استراتيجية تقوم على التوسع في الأرصفة والمحطات الجديدة لتصل أطوالها إلى 70 كيلو مترًا بأعماق تتراوح بين 18 و25 مترًا، بما يرفع إجمالي الأرصفة، إلى ما يتجاوز 100 كيلو متر.

تبلغ التكلفة الاستثمارية لميناء أبو قير البحري، بمحافظة الإسكندرية 35 مليار جنيه، وتم توفير جزء من التمويل عبر قرض بنكي بقيمة 3.8 مليارات جنيه، ويتضمن المشروع تنفيذ أرصفة بطول 6.5 كم، بجانب حاجز أمواج بطول 8.9 كم، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذ المشروع في غضون سنة أي بحلول نوفمبر 2026.

أما ميناء جرجوب البحري، الذي يقع بمنطقة النجيلة بمحافظة مطروح، فبطول أرصفة 3500 كم وحواجز أمواج بطول 8 كم، ويتضمن منطقة لوجستية بإجمالي استثمارات حوالي 16 مليار جنيه.

في نفس الوقت، تقوم وزارة النقل بتطوير 14 ميناءً بحريًا على البحرين الأحمر والمتوسط، تشمل العريش وشرق وغرب بورسعيد ودمياط والإسكندرية والدخيلة، إضافة إلى مواني بور توفيق والأدبية والسخنة والغردقة وسفاجا ونويبع وشرم الشيخ والطور، وذلك من أصل 19 ميناءً، تمثل إجمالي منظومة المواني التجارية في مصر.

تحويل مصر لمركز لوجستي عالمي

يقول مسئول بوزارة النقل إن إنشاء المواني الجديدة يأتي ضمن خطة تحويل مصر لمركز عالمي للوجستيات وتداول البضائع، مشددًا على أن مصر تحتاج المزيد من المواني، فالولايات المتحدة على سبيل المثال لديها 300 ميناء بحري، وإيطاليا لديها 30 ميناءً بحريًا كبيرًا، وعددا أكبر من المواني الصغيرة.

في التجارة الدولية، تُعد المواني بوابات لاستيراد وتصدير البضائع، خاصة مع ربطها بسلاسل التوريد العالمية، ما يتيح لها عملية إعادة الشحن، ومناولة الشحن بالحاويات وعمليات الشحن السائبة وخدمات الرحلات البحرية للركاب.

وتتضمن الخطة الحكومية المصرية ربط المواني بشبكات النقل البري والسكك الحديدية والمطارات، مما يخلق شبكة متكاملة من الخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى التطوير الكبير في المواني الجافة، مع التزام بالمعايير البيئية العالمية والتحول الرقمي، مما يجعلها مواني خضراء تدعم التنمية المستدامة.

فتطوير المواني يجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجالات مثل، الشحن والخدمات اللوجستية والصناعات المرتبطة بالمواني. هذا بالإضافة إلى أن عملية التطوير ستخلق فرص عمل جديدة في قطاعات النقل واللوجستيات والبناء، فضلاً عن تعزيز النمو الاقتصادي، والذي سيسهم في زيادة التجارة والاستثمارات.

تتضمن الخطة الحكومية للمواني أيضًا إنشاء حواجز أمواج جديدة بطول 35 كيلو مترًا، منها الحواجز بمواني الإسكندرية ودمياط والعريش وجرجوب، مع تنفيذ أعمال تكريك واسعة، رفعت أعماق الممرات الملاحية والأحواض لما بين 18 و25 مترًا. كما تم انتشال 21 سفينة غارقة، و5 مراكب صيد لتأمين حركة الملاحة واستقبال السفن العملاقة.

أشار المسئول، إلى أن مساحة المواني البحرية ارتفعت من 40 مليون متر مربع عام 2014 إلى 75 مليون متر مربع في 2025، مع استهداف الوصول إلى 100 مليون متر مربع بحلول 2030. وتم تحقيق ذلك عبر التوسعات الخلفية وردم مسطحات بحرية مثل، مشروع ميناء المكس والمنطقة خلف حواجز أمواج السخنة التي أضيفت لها 4 ملايين متر مربع. كما جرى تحديث منظومة التشغيل بـ 44 ونش رصيف، و128 ونش ساحة للتعامل مع أحدث أجيال السفن.

7 ممرات بحرية متكاملة

ووفقا للوزارة، فإن وجود مناطق اقتصادية في مصر يُعظم العبور من قناة السويس، ويزيد الدخل من العملة الصعبة”، خاصة أن الوزارة خططت لإنشاء 7 ممرات دولية متكاملة، أهمها ممر طابا العريش، كما تعمل الوزارة على تطوير الأسطول البحري ليصل إلى 40 سفينة عام 2030″، كما حققت “المواني المصرية أرقاماً قياسية في التصنيفات العالمية، حيث حصلت على المركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً، وضمن أفضل 100 ميناء حاويات”.

يوجد فرق بين الممر البحري والميناء، فالممر البحري: هو مسار ملاحي مفتوح، يستخدم للملاحة بين نقطتين مختلفتين، أو ما يمكن تسميته بـ”مرفأ”، وتتسم المياه بالهدوء بما يسمح بدخول وخروج السفن بسهولة، عكس الميناء الذي يحتاج في غالبية الأحيان لكواسر للأمواج ومصدات للرياح، وقنوات ملاحية.

يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن تطوير المواني يجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمجالات مثل الشحن والخدمات اللوجستية والصناعات المرتبطة بالمواني. بالإضافة إلى أن عملية التطوير ستخلق فرص عمل جديدة في قطاعات النقل واللوجستيات والبناء، فضلاً عن تعزيز النمو الاقتصادي، والذي سيسهم في زيادة التجارة والاستثمارات.

أشار إلى أن المواني المصرية استطاعت جذب استثمارات إماراتية ضخمة، ما يحقق النفع للاقتصاد المصري، ويقلل من أعباء التنفيذ على الموازنة العامة للدولة.

لماذا كل هذا الإسراف؟

لكن نادر نور الدين، مساعد وزير التموين السابق، يرى أن مصر لديها ست مواني كبيرة على مستوى عالمي، تستقبل سفن بسعة ٦٠ ألف طن، وهي الدخيلة والاسكندرية ودمياط وبورسعيد والسويس وسفاجا ومينائي حاويات وركاب في العين السخنة ونويبع وبعض المواني الأصغر.

أضاف أن أكبر دول العالم لا يتجاوز موانيها الكبيرة عن ميناء أو اثنين فقط، وعدد من دول أوروبا لا يتجاوز موانيها سعة ٣٠ ألف طن فقط للسفن التي تدخلها! فلماذا كل هذا الاسراف؟! لقد كانت المواني المصرية تتصل بنا في وزارة التموين لتوجيه بعض سفن القمح إليها لتحسين دخلها، بينما إنشاء مواني جديدة، يعني السحب من دخل المواني الحالية وتراجعهاـ مشددا على أن الحكومة عليها النظر للأولويات، فالإنجاز للدولة ولحاجة المواطن.

وفقا للدراسات، فإنه حينما تنخفض كميات البضائع في ميناء معين، تقوم الشركات الملاحية بتغيير ترددات سفنها عليه وتحويل مسارها لميناء يحري جديد، يحقق لها تدفق البضائع بكميات اقتصادية، كما أن هذه الشركات في حاجة لإدارة عملياتها على أساس الطاقات والتسهيلات المتاحة في الميناء البحري لخدمة السفن، فإذا عجز الميناء عن تحقيق ذلك، تبحث الشركات عن ميناء جديد.

للوزارة رأي آخر

وزارة النقل ترى عكس ذلك، موضحة أن المواني المصرية استقبلت نحو 1.6 مليار طن من البضائع المختلفة بين عامي 2015 و2024، إلى جانب 72 مليون حاوية مكافئة.  خلال عام 2024 الماضي وحده، وصلت كميات البضائع المتداولة إلى 210 ملايين طن، إضافة إلى 9 ملايين حاوية، بينها 5 ملايين حاوية ترانزيت، ما يعكس تطور القدرة الاستيعابية للمواني.

وسجلت مصر قفزة في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي لعام 2023 بالوصول إلى المرتبة السابعة عربيًا والثالثة إفريقيًا والـ57 عالميًا بعد قفزها 10 درجات، عما كانت عليه في 2018، ما يعكس الطفرة الكبيرة التي حققتها مصر في قطاع اللوجستيات خلال السنوات الأخيرة، بحسب المركز الديمقراطي العربي.

هل نحتاج مواني جديدة؟

الدكتور محمد الأباصيري، رئيس قسم الدراسات الاقتصادية والإدارية، بمركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحري، يقول إن دراسات إعداد مخطط تطوير المواني تقوم على 4 مراحل، أولها تقييم حالة المواني الحالية والطاقة الاستيعابية للأرصفة والساحات والمعدات، ومقارنة تلك الطاقة مع حجم الأداء والأعمال الفعلي المؤدي بالمواني لتحديد مدى ونسب استغلال الطاقات الاستيعابية لتلك المواني.

تقوم المرحلة الثانية على التنبؤ بحجم الطلب المتوقع على المواني المصرية من خلال المقارنة بين التوقعات ونسب الاستغلال الفعلية، لتحديد الاحتياجات اللازمة للوصول لحجم الطلب المتوقع، في ضوء دراسة الاقتصاد المصري والإقليمي والتغيرات والتحديات التي تواجه التجارة وقطاع النقل البحري، أما المرحلة الثالثة، فتتضمن تحديد الاحتياجات والمتطلبات اللازمة للتطوير سواء في الأرصفة أو الساحات أو المعدات، وكذلك على الجانب الإداري الممثل في النظم الإدارية ونظم التشغيل.

وأوضح الأباصيري أن اللجنة تقوم على تقييم وقياس كفاءة الأداء، بحيث تحدد إذا كانت متطلبات التطوير تشمل إقامة توسعات أم تحديد أولويات وتحسين استغلال المنشآت سواء الأرصفة أو الساحات، وكذلك تطوير الكوادر البشرية والعمالة بالمواني، إضافة إلى اقتراح المشروعات، وهو ما يمثل المرحلة الرابعة من الدراسات.

وتتمثل مكتسبات تطوير المواني، بحسب الخبير الاقتصادي نادي عزام، في ربط المواني المصرية بمناطق الاستثمار، وهو عنصر مهم لتسهيل استيراد المادة الخام، وكذلك الآلات والمعدات، وتحويل مصر إلى مركز عالمي للطاقة والتجارة واللوجستيات على المستوى الإقليمي والإفريقي والعالمي، ورفع التصنيف البيئي الدولي للمواني البحرية المصرية إلى مواني خضراء لتحقيق الاستدامة البيئية.