قوة الرأي العام أهم أدوات جمال عبد الناصر في سياسته الخارجية

ونقطة ضعفه.. !!

تحرك عبد الناصر قبل باندونج وتأميم قناة السويس ومواجهة العدوان الثلاثي، لحشد أعضاء الجامعة العربية، التي بدأت بدعوة رؤساء الوزارات ووزراء الخارجية في دول الجامعة العربية (باستثناء نوري السعيد) إلى القاهرة في 22 يناير 1955، عقدت سلسلة من الاجتماعات، لمعارضة سياسة الأحلاف مع الدول الكبرى، وليؤكدوا مبادئ ميثاق الأمن الجماعي العربي، الذي كان ما يزال في الأدراج، لكن دون نتيجة؛ لأنه لم يكن قد حاز بعد هذا التأييد الجماهيري. 

كان ميثاق الضمان الجماعي العربي هو الحل الذي يراه جمال عبد الناصر، لمشكلة الدفاع عن المنطقة، فقد كان عليه أن يدير بصره في العالم العربي، وأن يتعرف على الأمر الواقع فيه، قبل أن يدخل في مفاوضات حول الجلاء، يصر فيها على استبعاد الدفاع المشترك مع الغرب، والتركيز على ميثاق الضمان الجماعي لدول الجامعة العربية. ولكن مهما اشتط الخيال في ذلك الوقت، لم يكن يعقل أن يفسح أيُ من نوري السعيد رئيس وزراء العراق، أو الملك سعود ملك السعودية، أو أديب الشيشكلي رئيس سوريا، أو كميل شمعون رئيس لبنان، أو الملك حسين ملك الأردن، أو سالم الصباح أمير الكويت، أو الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا، المجال أمام ناصر لوضع سياسة خارجية واحدة للعرب. في حين كان ناصر يميل للاعتقاد بإمكانية تحقيق ذلك، إذا ما وقفت الدول العربية أمام الدول الكبرى كلها مجتمعة في صف واحد، مهما كانت الفوائد التي تجنيها الدول العربية متفرقة من الدول الكبرى.

جاء إعلان مبدأ أيزنهاور عام 1957؛ كنتيجة من نتائج فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد أبرق السفير المصري في واشنطن لناصر، يخبره عن آخر موقف لواشنطن في المنطقة، أنها أدركت أن خروج بريطانيا من المنطقة بعد هزيمتها في السويس، سيترك فراغًا فيها، يسعى كبار مخططي السياسة الأمريكية لمعالجته. وقد قدم الرئيس الأمريكي في 5 يناير 1957 اقتراحًا للكونجرس، يخول له حق إرسال القوات المسلحة الأمريكية، للدفاع عن أي من حكومات الدول الصديقة في الشرق الأوسط، التي تواجه تهديدًا من أية دولة، وقد وافق عليه على الفور مجلسا الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة، وأصبح نافذ المفعول ابتداء من شهر مارس. مما قد نتج عنه مجموعة كبيرة من المكاسب والمخاطر بالنسبة لناصر، وكان أول ما لاح في الأفق دخول الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في منافسة شديدة؛ لكسب ود ناصر واستمالته.

وحدة مصر وسوريا في فبراير عام 1958

ويقول أنتوني ناتنج في تفسيره لسبب موافقة عبد الناصر على الوحدة مع سوريا، وهي الدولة التي لم يقع عليها بصره قط: “حقيقي أنه كثيرًا ما كان يحث العالم العربي على الوحدة، وبصورة ضمنية على الأقل، على أن يتحد تحت زعامة مصر، إلا أن كل ما كان يبتغيه فعلًا من وراء سوريا في هذه المرحلة، كما هو من وراء كل دولة عربية أخرى، هو توجيه سياستها الخارجية والدفاعية، للحيلولة دون انضمامها إلى العراق في ظل نوري السعيد، والإبقاء عليها بمنأى عن أية صورة من صور الأحلاف الأجنبية، سواء مع الغرب أو مع الكتلة الشرقية”. وهذا يؤكد ما ذهب إليه مايلز كوبلاند وسبقت الإشارة إليه.

ما دار من حوار بين عبد الناصر وفتحي رضوان عضو لجنة صياغة بيان الوحدة، يدل على قلقه البالغ من الوحدة المتسرعة بين مصر وسوريا. كذلك يقول دكتور عبد الجليل العمري: “صارحت جمال عبد الناصر منذ اليوم الأول برأيي، في عدم إمكانية الوحدة بين مصر وسوريا، ولكن كان رده عليَ، أن الوحدة فُرضت عليه، وما كان بمقدوره أن يرفضها، حتى لا تقوم حرب أهلية في سوريا”.

طعنة الانفصال ونتائجها

 انهارت الوحدة المصرية السورية في 28 سبتمبر عام 1961، عندما قام عدد من ضباط الجيش السوري بانقلاب عسكري. وكانت الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والمملكة السعودية، والمملكة الأردنية، أول الدول التي اعترفت بالانفصال.

ومما لا شك، أن خضوع عبد الناصر للضغوط المعنوية التي تعرض لها، ليقبل وحدة اندماجية بين مصر وسوريا، كانت خطأه السياسي والاستراتيجي، الذي جر عليه خطأين آخرين، مما أجهد تجربته الكبيرة. فقد دفعه الانفصال بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف علي الوحدة، إلى التورط في حرب اليمن بعد سنة واحدة من الانفصال، لتأكيد عدم تخاذله عن قيادة الثورة العربية.

 وقد كان من الأفضل الاستمرار في دعم الثورات بالمساعدات الخارجية، مثلما فعل مع ثورة الجزائر، دون التورط بالدخول بجيش نظامي في حرب عصابات، ومسرح عمليات غريب عليه. والأخطر، أنه كان موضع تربص الدول العظمي، وهو ما تحقق في عدوان 1967.

وليس هذا طعنًا في القيادة التاريخية الفذة لجمال عبد الناصر، أو تقليلًا من أهمية الدور الذي لعبه، ولكن هذه هي أهمية درس التاريخ، فقد كان دور جمال عبد الناصر دورًا فريدًا في التاريخ المصري والعربي، كما أنه عبر باقتدار عن الطاقات الكامنة للدور المصري في الإقليم والعالم، وتفاعلاته المتبادلة بينهما.

ولا شك أنه يقف في خلفية هذه السياسة، أن قوة الرأي العام العربي هي السند والحصن الحصين لقيادة جمال عبد الناصر، ودوره الثوري في العالم في مواجهة القوتين الأعظم. فكان السعي لبناء وكسب قوة الرأي العام، من خلال الأداة الإعلامية، هي إحدى أهم الأدوات السياسية الخارجية الأربع المعروفة، بجانب الأداة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.

كان الاقتصاد المصري لدولة طال تخلفه، وجيشها يفتقر للتسليح والتدريب والتجربة القتالية، باستثناء فئة الضباط التي نشأت، بعد التوسع في قبول الطلاب في الكلية الحربية بعد معاهدة 1936 والحرب العالمية الثانية.

لذلك كانت أهم أداتين للسياسة الخارجية لجمال عبد الناصر، هما الأداة الإعلامية والأداة الدبلوماسية. في مجال الحركة في الدوائر العربية والإسلامية والإفريقية، بل ومواجهة القوى العظمى.

الأداة الأولى تسعى لبناء قوة الرأي العام المصري والإقليمي والعالمي. فتعبئة الجماهير هي من أهم عناصر القوة في السياسة الداخلية والخارجية على السواء، وقد ثبتت أهميتها حتى اليوم الأخير في حياة جمال عبد الناصر.

والأداة الثانية وهي الأداة الدبلوماسية، وتعني المباحثات واللقاءات والمؤتمرات، وبناء العلاقات والتحالفات والتكتلات، والتي تطورت بدءًا من الدائرة العربية، لمقاومة ولمواجهة سياسة الأحلاف، كبديل للاحتلال، ثم بناء تجمعات الدول الإفريقية الآسيوية حديثة الاستقلال في باندونج عام 1955. 

لكن دولة الوحدة بين مصر وسوريا، قد خالفت قاعدة سياسية أولية، وهي عدم وجود جيش قادر على حماية إقليم الدولة، فما بالك بانفصال إقليم الدولة إلى شطرين، بينهما إسرائيل، ويحيط بهما الأعداء والخصوم من كل جانب.

 إضافة إلى التورط في السياسة الداخلية لسوريا، وما نتج عنه من تشتت في مشكلات الإدارة السياسية لمجتمع آخر غير المجتمع المصري، ووصمها باستعمار مصري لسوريا. مما أدى لإرباك الأولويات السياسية المصرية، التي كانت تخوض معارك كبرى داخلية وخارجية، في قيادة التحرر الوطني والتنمية المستقلة، فلم يستطع إكمال التخطيط الخمسي، واقتصر على خطط سنوية. 

ذروة الصعود– عام المؤتمرات

 حيث كانت مصر في عام 1964 ملتقى مؤتمرات عالمية: مؤتمر قمة عربية في القاهرة (13 يناير عام 1964)- مؤتمر قمة عربية سوفيتية (مايو 1964) بين خرشوف وجمال عبد الناصر، حضره الرئيس الجزائري “بن بيلا”، والرئيس العراقي “عبد السلام عارف”- مؤتمر قمة إفريقي في القاهرة أيضًا (يوليو 1964)- ومؤتمر قمة عربي ثاني في الإسكندرية (5 سبتمبر 1964)- ومؤتمر قمة الدول غير المنحازة قي القاهرة (5 أكتوبر 1964) الذي حضرته 48 دولة بجانب إحدى عشرة دولة بصفة مراقب.

ولم يكن ذلك كله مقبولًا في البيت الأبيض، الذي أصبح يجلس فيه الرئيس الأمريكي “ليندون جونسون” في مكتبه البيضاوي عام 1964، ولم تكن القرارات الصادرة عن قمم القاهرة متفقة مع سياساته أو مع ميوله، ولم يكن سعيدًا، وهو يرى القاهرة، وقد تحولت سنة 1964، لتصبح أقرب ما تكون إلى عاصمة للعالم الثالث.

 بجانب نجاحها في تحقيق معدل نمو عالٍ في الخطة الخمسية الأولى عام 1965. مع نهاية الخطة الخمسية الأولى في منتصف عام 1965، أصبحت مصر تتفوق في مؤشراتها الاقتصادية، على بلدان مثل كوريا الجنوبية، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي المصري 5.1 مليارات دولار، ونصيب الفرد في الناتج المحلي 173 دولارا، مقابل 3 مليارات دولار للناتج المحلي الإجمالي الكوري، و105 دولارات نصيب الفرد فيها.

ففي نهاية عام 1964، كانت مصر قد عززت مكانتها الدولية، وبدأت القيادة العربية الموحدة في وضع خطتها الدفاعية ضد العدوان الإسرائيلي، وإن كان الفريق علي عامر القائد العام، قد أوضح للرؤساء العرب في سبتمبر، أن الجبهة الشرقية التي تضم الأردن وسوريا ولبنان، لا تستطيع بوضعها الحالي مواجهة الهجوم الإسرائيلي، ورأى بضرورة سرعة تزويد هذه الدول بالأسلحة، وأن تصبح الجبهة الشرقية جبهة عسكرية واحدة. وأوضح أن هذه الخطة الدفاعية، يحتاج تنفيذها لثلاث سنوات على الأقل. وقد أصبح واضحًا، أن الدول العربية ستكون معرضة للعدوان الإسرائيلي خلال السنوات التالية، خاصة بعد أن زالت الضمانات الدولية لحفظ السلام. فقد انتهكت إسرائيل اتفاقية الهدنة، وأعلنت انتهاءها على إثر اشتراكها مع بريطانيا وفرنسا للقيام بعدوان 1956، ولذلك كان الطريق مفتوحًا أمام إسرائيل للقيام بعدوانها عام 1967.

ميز التعايش المتململ مع القومية العربية أيام أيزنهاور الأخيرة. وترحيل المشكلة إلى إدارة كيندي، الذي تواصل شخصياً مع عبد الناصر. فقد حاول احتواء الخلاف معه، فتبادل الرسائل معه، وواصل تقديم معونات اقتصادية لتوفير احتياجات مصر من القمح. وقد اتضح من رسائل كنيدي إلى جمال عبد الناصر، أنه يبذل مجهودًا صادقًا؛ لتفهم المشكلة الفلسطينية، على ضوء الحقائق التي كان يزوده بها عبد الناصر في رسائله، ولكنه قتل في 22 نوفمبر عام 1963. ويقول محمود رياض: “لقد أسر لي بعض الشخصيات الأمريكية، أن مقتله على يد أوزوالد اليهودي، يثير شكًا في احتمال وجود دور للعناصر الصهيونية”.

ويقول جون بادو سفير الولايات المتحدة في القاهرة في إدارة جون كنيدي: “إن إحدى مشكلاتنا كانت إيجاد مصلحة مشتركة مع مصر، يمكننا تطويرها، وبالتالي تجنب بعض الطرق المسدودة التي وصلنا إليها، إذ كانت لدينا مصلحة مشتركة. فلقد رأت إدارة كينيدي، أن مصر النامية المستقرة، حتى في نمط ثوري، كانت في مصلحتنا كثيرًا. حيث إنها إذا لم تكن مستقرة، فإنها قد تقع بسهولة في نوع من الثورة أو الانقلاب، الذي ربما يمنح السوفيت الموجودين بالفعل، فرصة لتعزيز موقفهم، وقد يكون لذلك تأثير الدومينو في جميع أنحاء المنطقة العربية، وتكون هناك فرصة حقيقية لحدوث تداعيات. لذلك كان الاستقرار في صالحنا. أما السبب الآخر، كما بدا لي، فهو أنه كان من مصلحتنا، أن ينجح نموذج عبد الناصر من اشتراكية الدولة العملية، بدلاً من دفعه في اتجاه الحياة الاقتصادية والسياسية الشيوعية الحقيقية. فقد كان رجلاً عمليًا بالفعل، وليس أيديولوجيا Ideologue؛ لقد أخذ شيئًا من النظام الشيوعي، وشيئًا من النظام الرأسمالي. وكانت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت تعتبر ذلك نوعًا من التطعيم- ولم تكن فكرتي فقط- إذا جاز التعبير ضد هجمة حقيقية لمرض أسوأ”.

ويذكر جون بادو: “عندما ذهبت إلى القاهرة، كانت الإدارة قد بدأت للتو في النظر في برنامج غذائي متعدد السنوات وفق قانون pl-480، وقد حدث ذلك على ما أذكر؛ لأنه كانت هناك أيضًا مفاوضات مع إسرائيل بشأن برنامج متعدد السنوات. وفي محاولة الإدارة لتحسين النوايا، اعتقدنا أنه يتعين علينا التحرك بنفس الطريقة تجاه عبد الناصر. لذا فإن أحد أول الأشياء التي قمنا بها، كان التفاوض على اتفاقية متعددة السنوات وفقًا لقانون PL480، والتي تضمنت ما يقرب من 200 مليون دولار. وقد أعطى برنامج عبد الناصر للتغيير الاجتماعي الذخيرة لمنتقدي PL480. وكانت اتفاقية لمدة 3 سنوات، ولم يكن لدينا أي أساس للتنصل منها، ولم يكن يكلف الولايات المتحدة أي شيء، فقد كان كل ذلك غذاءً فائضًا، ولكنه تعرض لقدر كبير من الانتقادات من عدد من أعضاء الكونجرس، حول تقديم المساعدة والدعم للاشتراكيين، وكذلك للشيوعيين والمثيرين للجدل.

وعندما قام ناصر بالتأميم في يوليو عام 1961، قررت تكوين فريق عمل من رجال السفارة لدراستها بدقة، وانتهينا إلى أن حجم القطاع العام الجديد الذي تم تأميمه في مصر حوالي 18% من القدرة الإنتاجية لمصر، بينما لاحظنا، أنه في إسرائيل- أحد الأصدقاء الأقرب للولايات المتحدة، بها قطاع عام بنسبة 30% تقريبًا، وفي الصين الوطنية/ فرموزا حوالي 25%، وفي الولايات المتحدة نفسها نحو 29% من القدرة الإنتاجية الأمريكية، تقع تحت سيطرة حكومية بصورة أو بأخرى.

من جهة أخرى، وكما ذكر مايلز كوبلاند: “تلقى كيندي من عبد الناصر رسالة، قال فيها إنه من دواعي سروره، أن يستقبل مبعوثًا موثوقًا منه، حتى يطلعه على الحالة في مصر، وكان ناصر قد اتخذ إجراءات التأميم، ويسهل له دراسة أوضاعها ومشاكلها عن كثب. وفي مايو 1962، قرر كيندي إرسال إدوارد ماسون صديقه الحميم، وأستاذه في علم الاقتصاد في جامعة هارفارد. وكان ماسون قد ألف كتبًا عدة، ونشر مقالات كثيرة حول اقتصاد الدول المتخلفة. ووصل ماسون إلى القاهرة، ومنذ اليوم الأول لوصوله، أخبره ناصر، أنه أعطاه الحق كاملًا، بأن يدقق في أمور البلاد وشؤونها، دون تحرج أو تكلف، حتى يلمس المصاعب، كما يلمسها ناصر بنفسه. وطلب من نوابه ووزرائه وكافة المسئولين الرئيسيين، تزويد ماسون بتقارير شاملة وافية عن شؤون البلاد وأوضاعها. وفي خلال لقاءاته مع ماسون، كان ناصر يسأله قائلًا: مستر ماسون، هل تظن أنك كنت ستتصرف بغير الطريقة التي نسلكها، لو كنت حاكمًا لهذا البلد؟ وكان ماسون يجيبه: كلا سيدي الرئيس.

وفي يونيو عام 1962، عاد ماسون لواشنطن؛ ليخبر الرئيس كيندي، أنه لم يجد خطًأً، وأنه ليس لديه ما ينتقده. لقد أقنعه ناصر، بأن كل تصرفاته التي كانت ننكرها عليه، ومن بين تلك التصرفات تأميم ناصر لأجزاء ضخمة من الاقتصاد المصري، واتخاذ إجراءات مثل فرض رقابة صارمة على الصحافة، واعتقال بعض المخالفين في الرأي، وشن الحملات الدعائية ضد الزعماء العرب الموالين للغرب في اعتقاد ناصر. وقال ماسون: لقد كان ناصر يعاني من صعوبة الاختيار وقسوته، وكلما وقف ناصر عند مفترق الطرق، وجد أن عليه أن يختار أكثرها صعوبة وأوعرها مسلكًا.

 ولكن ماسون في إحدى جلسات الاستجواب التي عقدت في وزارة الخارجية الأمريكية رفض أن يكون تقريره، على أنه توصية منه لتقديم مساعدات أكبر لناصر، وقال إن مسألة انسجام سلوك ناصر وأسلوبه مع المصالح الأمريكية أمر آخر تمامًا. أما المسئولون الذين استجوبوا ماسون، فقد جزموا أن سلوك ناصر وتصرفاته معادية للمصالح الأمريكية، وغير منسجمة معها أبدًا”.       

ورغم ما بدا من رغبة الإدارة الأمريكية من تقبل الثورة في مصر، ومد يد العون لها، كانت هناك أيضًا رغبة مستترة في تطويعها وترويضها؛ لتكون في خدمة الأهداف الأمريكية في المنطقة. وقد ظلت السياسة الأمريكية تتأرجح بين هذين الاتجاهين.

وللحديث بقية…

اقرأ في هذه السلسلة:

على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952 (1)

الحلقة الثانية على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952

على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952 الحلقة الثالثة

على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952 الحلقة الرابعة أهم نتائج العدوان