قبل الانتخابات البرلمانية، كان الرهان على حزبيّ “مستقبل وطن” والجبهة الوطنية لتصدر المشهد الانتخابي، لكن المؤشرات التي ظهرت حتى الآن في الدوائر التي تم حسمها قبل إعلان نتائج الإعادة في الدوائر الـ30 الملغاة من المحكمة الإدارية العليا بالمرحلة الأولى، تظهر أن حماة الوطن كان الحصان الأسود.

بحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، فازت “القائمة الوطنية من أجل مصر” بقطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، بعدد 102 نائبا وقطاع شرق الدلتا بـ40 نائبًا بإجمالي 142 مقعدًا، بعد أن نالت 11.84% من إجمالي أصوات الناخبين في هذا القطاع.

كما فازت القائمة الوطنية، التي تمثل 12 حزبًا سياسيًا، في المرحلة الأولى بقطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد وقطاع غرب الدلتا بـ142 مقعدًا إجماليًا بعد حصولها على متوسط 19% من إجمالي أصوات الناخبين المقيدين بقاعدة البيانات.

حماة الوطن يدفع الجبهة للمرتبة الثالثة

من بين الأحزاب الـ12 داخل القائمة، تصدر “مستقبل وطن” الصدارة بـ121 مقعدًا موزعة على القطاعات الأربعة، وجاء حماة الوطن في المركز الثاني بـ54 مقعدًا، أما الجبهة الوطنية فحل ثالثًا بـ43 مقعدًا، يليه حزب الشعب الجمهوري بـ15 مقعدًا، وحزب مصر الديمقراطي الاجتماعي بـ9 مقاعد، وحزب العدل بـ8 مقاعد.

وحصل كل من حزب الوفد والإصلاح والتنمية على 8 مقاعد لكل منهما، وحزب التجمع على 4 مقاعد، وحزب المؤتمر على 3 مقاعد، وحزب الحرية على مقعدين، وحزب إرادة جيل على مقعد واحد، فيما حصل المستقلون على 8 مقاعد.

تعتبر المقاعد الفردية في انتخابات مجلس النواب الباروميتر الحقيقي الذي يكشف التواجد الفعلي على الأرض، أو قدرة الحزب على انتقاء عناصر ذات شعبية في المناطق التي يخوضون غمار المنافسة بها، خاصة أن القائمة تحتاج إلى 5% فقط من مجموع الأصوات المقيدة للفوز.

بالنسبة للفردي، فاز 40 مرشحا من الجولة الأولى، بينهم 36 حزبيًا و4 مستقلين وحسم 4 مرشحين من المعارضة، ومن بين الـ40 فائزا، فاز حزب مستقبل وطن بنحو 22 مقعدا، تلاه حزب حماة الوطن بسبعة مقاعد، ثم جاء حزب الجبهة ثالثا بحوالي ٣ مقاعد فقط، وبفارق مقعد واحد عن الشعب الجمهوري.

المقاعد الفردية الجولة الأولي

في جولات الإعادة بين 202 مرشحا على 101 مقعد بالمرحلة الثانية، يتصدر مستقبل وطن المشهد بـ33 مرشحا، تلاه حماة الوطن بـ19 مرشحا، والجبهة الوطنية بـ10 مرشحين، بينما كان نصيب باقي الأحزاب 14 مقعدا فقط.

“حماة الوطن” من 17 مقعدا لـ 54 حتى الآن

وصول حزب “حماة الوطن” للمرتبة الثانية في الانتخابات الحالية يمثل صعودا سريعا، إذ حل في انتخابات 2020 رابعًا بـ23 مقعدًا بنسبة 4.05% بعد “مستقبل وطن” الذي استحوذ حينها على 315 مقعدًا بنسبة 55.55% وحزب “الشعب الجمهوري” الذي فاز بـ49 مقعدًا بنسبة 8.64%، ثم حزب “الوفد الجديد” ثالثًا بـ25 مقعدًا، ما يشكل نسبة 4.40%..

صعود حزب حماة الوطن والجبهة دفعا حزب الشعب الجمهوري للتراجع حاليًا للمرتبة الرابعة بـ15 مقعدًا حتى الآن، لكن آمال الحزب ليست كبيرة، خاصة أنه لا يملك أي مرشحين في جولة الإعادة بالمرحلة الثانية.

صعود حزب حماة وطن

في انتخابات 2015، حصل حماة الوطن على 17 مقعدا في مجلس النواب، حيث حصل على 3 مقاعد على قائمة في حب مصر بالمرحلة الأولى، و5 على المقاعد الفردية، وفي المرحلة الثانية 9 مقاعد “فردى وقائمة”، لكن وضعه في القوائم الحزبية بدأ يتزايد بعدها على حساب أحزاب تقليدية قديمة.

حماة الوطن استفاد من مشكلات الجبهة

مسئول بحزب “حماة وطن”، يقول إن الحزب كان لديه رهان كبير على الشارع وعلى اختيار عناصر موجودة على الأرض، وليس المرشح ذا الملاءة المالية، إضافة إلى سمعة مرشحيه الذين يرى فيهم الشارع حد صد، في ظل ما يتعرض له الأمن الوطني المصري من تحديات.

يضيف المسئول أن عناصر الحزب لديهم ارتباط وثيق باحتياجات المواطنين في دوائرهم، فالجانب الخدمي لا ينفصل عن التشريعي، لأن الإلمام باحتياجات المواطنين من الخدمات يعطي رؤية واضحة لما يحتاجونه من تشريعات.

استفاد حزب حماة الوطن من الجدل الذي صاحب حزب الجبهة الوطنية قبل الانتخابات، وفصل أعضاء به مثل المرشح محمد عوض عن دائرة أرمنت بالأقصر من الحزب بدعوى عدم التزامه وخروجه عن قيم ومبادئ الحزب؛ بسبب تنازله عن الترشح قبل انطلاق جولة الإعادة في الانتخابات، وذلك دون موافقة قيادات الحزب.

كما استقال اللواء صلاح شوقي عقيل، قنصل مصر السابق في إيطاليا، من منصبه كأمين عام لحزب الجبهة الوطنية في محافظة سوهاج، وأمينة المرأة في المحافظة هبة العطار، وكذلك رجل الأعمال المصري محمد ربيع ناصر الذي انسحب من سباق الانتخابات قبيل فتح باب الترشح.

من المشكلات التي أثارتها اختيارات الجبهة أيضا الدفع بأعضاء بعيدين عن دوائرهم منذ سنوات طويلة، وليس لهم ارتباطات بكبار العائلات بها، خاصة في منطقة الصعيد، وهي مشكلة تظهر بقوة، حال إذ كان المرشح لا يملك القدرة المالية التي تمكنه من الإنفاق بقوة.

مسئول بـ “حماة الوطن” يقول، إن الحزب وضع أسسا مختلفة في اختيار مرشحيه للمقاعد الفردية في النواب عن مجلس الشيوخ، ففي الشيوخ أعضاؤه لا بد وأن يملكون الخبرة، أما في النواب فتم الدفع بالشباب، والمرشح الأكثر حضورا في دائرته والتصاقا بمشكلاتها.

الأحزاب بعيدة عن الشارع

لكن حماة الوطن أيضًا لم يخل من تلك المشكلات، إذ اشتكت أمانة الغربية من ترشيح الحزب قادة من خارجها للانتخابات، رغم امتلاكهم قدرة مالية، وارتباطات بالشارع، بحسب حسين العوضي رئيس قطاع المحلة الكبرى وسمنود بحزب حماة الوطن.

فضلت كثير من الأحزاب الدفع بمرشحين ذوي ملاءة مالية كبيرة على حساب أبنائها، في ظل قناعة بأن كبر حجم الدوائر الانتخابية حاليًا، يجعل من الصعب على المرشح العامل على الارض أن يفوز بها، وتعطى فرصا أكثر لمن لديه قدرة على الإنفاق.

لكن د. عمرو سليمان، المتحدث باسم الحزب، يقول إن “حماة الوطن” اعتمد في دعم المرشح الفردي على المؤتمرات الانتخابية التي تدار مع الأمانة المركزية مع أمانات المحافظات، وحملة المرشحين بكل المحافظات، والبرنامج الذي قدمه جميع المرشحين مرتبط بالمقام الأول بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.  

د. علي بركات، أستاذ ورئيس قسم قانون المرافعات بجامعة بنى سويف، يرى أن الأحزاب تواجدها في الشارع ضعيف، وبعضها دفع بكوادر هبطت من السماء على المشهد السياسي، خاصة في انتخابات المرحلة الأولى.

شهدت المرحلة الأولى من الانتخابات تواجدا واضحا لرأس المال السياسي، خاصة مع رهان بعض الأحزاب في اختياراتها على رجال الأعمال لتمويل الحملة الانتخابية.

وتعتبر بعض الأحزاب، خاصة الجبهة الوطنية وجود رجال الأعمال في العمل السياسي أمر إيجابي، إذا ارتبط بالمصلحة الوطنية والشفافية، بدعوى أنهم يمتلكون خبرة اقتصادية وإدارية، يمكن أن تُسهم في تطوير الرؤى والسياسات العامة، بشرط الفصل التام بين النشاط الاقتصادي والقرار السياسي.

أضاف بركات أن السياسي الحزبي لا بد أن يتواجد في الشارع، فلا سياسي يُولد في عمر الخمسين من عمره، ويعتبر نفسه سياسيًا، فالسياسي هو نتاج لتراكم نشاط في الشارع على مدار سنوات.