تتم الانتخابات البرلمانية وفق نظامين ممزوجين، أولهما النظام بالقائمة المغلقة، ويتبعه في إتمام العملية الانتخابية النظام الفردي، فبحسب القانون رقم 85 لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، تم استبدال نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة، والتي نصت على أن تقسم جمهورية مصر العربية إلى عدد من الدوائر تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، وعدد (4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القائمة، يخصص لدائرتين منهما عدد (40) مقعدا لكل دائرة منهما، ويخصص للدائرتين الأخريين عدد (102) مقعد من المقاعد لكل دائرة منهما، ويحدد قانون خاص نطاق ومكونات كل دائرة انتخابية، وعدد المقاعد المخصصة لها، ولكل محافظة.

وهذا ما كان أثره أن حسمت كل هذه المقاعد، لما تم تسميته بالقائمة الوطنية، حيث لم يكن هناك انتخابات بشأنها، وذلك لعدم وجود قوائم منافسة، وهو الأمر الذي حول المشهد الانتخابي إلى ما كان يطلق عليه معنى الاستفتاء سابقا، وبعيداً عن احتواء الانتخابات بهذه الطريقة، التي شهدت تحكمًا من الأحزاب الموالية للسلطة، وتفردها بالنسبة الغالبة في تشكيل هذه القوائم، ومن ثم، فإن حسم الأغلبية قد تم من غير حاجة لوجود أي انتخابات من أصله، إذ تفردت أحزاب مستقبل وطن، وحماة الوطن، وحزب الجبهة الوطنية بالأغلبية الضامنة؛ لتحكم الحكومة في المسار العملي لمجلس النواب المقبل، ذلك بخلاف ما سوف تحصده من مقاعد أخرى على النظام الفردي.

لكن لماذا تصر الدولة على نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة على الرغم من عدم تناسبه مع متطلبات أو احتياجات الشارع المصري، مستخدمة في ذلك تحكمها في الأغلبية التصويتية في مجلس النواب المنقضي، وتمريرها لهذا القانون، على الرغم مما شهدته جلسات الحوار الوطني الذي دعت إليه الدولة كنافذة للحوار المجتمعي، من مناقشات واعتراضات على ذلك النظام الانتخابي، وكانت أغلب الأصوات في جلسات الحوار الوطني تأمل أن تتخذ الدولة نظام القائمة النسبية حال تمسكها بوجود نظام الانتخاب بالقائمة.

وهناك من الناحية العلمية أوجه اعتراض لنظام الانتخاب بالقائمة، إذ أن ذلك النظام الانتخابي من الناحية النظرية يمنح الأحزاب الحق في تقديم قوائم مرشحين مغلقة، حيث لا يمكن للناخب اختيار مرشح معين داخل القائمة، بل يصوت للقائمة ككل، وتفوز المقاعد حسب نسبة أصوات كل قائمة، مما يعني أن الأحزاب الكبرى تهيمن على المشهد، ويُستخدم في مصر لضمان تمثيل فئات معينة وتركيز القوة الحزبية، ولكنه يثير جدلاً حول التعددية السياسية، ويقلل من دور الفرد في الانتخابات. كما أنه من الناحية العلمية فإن ذلك النظام الانتخابي، لا يتناسب إلا مع المجتمعات الأكثر ثقافة، وانطلاقاً إلى الحرية السياسية، كما أنه يتناسب مع المجتمعات التي تشهد تواجداً قوياً ومؤثراً للأحزاب السياسية في الشارع السياسي، بما يعني أنها بالفعل سوف تمثل في الانتخابات قوة انتخابية أو منافسة مشروعة بين القوائم المختلفة.

لكن هذا النظام لا يتفق مع الوضع المصري الحالي، إذ أن حال الأحزاب السياسية لا يخفى على أحد، فالكلمة العليا للأحزاب المحسوبة على النظام السياسي الحاكم، ولا وجود فاعل ومؤثر، لما يطلق عليه من الناحية النظرية لأحزاب المعارضة، إذ تتسم حالة أحزاب المعارضة المصرية بالضعف والهشاشة، وعدم القدرة على مجابهة الأحزاب السلطوية، وهو الأمر الذي يعدم المقارنة بينهما، ويحسم أمر التواجد لصالح أحزاب السلطة.

كما وأن هذا النظام الانتخابي يجبر المواطن على اختيار قائمة بأكملها، قد لا يعلم عن أغلب ممثليها شيئا، ولا يدرك مدى قدرتهم على تحقيق مصالحه العادية داخل المجلس النيابي، وهو ما يعدم فكرة التواصل المجتمعي أو التواصل السياسي ما بين أعضاء القائمة وبين كتلة الناخبين، وذلك يعود من ناحية ثانية لاتساع النطاق الجغرافي للدائرة الانتخابية، بما لا يسمح بوجود تواصل فعلي وفعال بين الأعضاء والمواطنين.

وعلى الرغم من كل تلك العيوب والسلبيات، إلا أن الدولة قد أصرت على وجود ذلك النظام الانتخابي في المشهد الحالي، بغض النظر عن العيوب التي تم توجيهها إليه في الانتخابات الماضية، أو من خلال جلسات الحوار الوطني، أو من خلال الدراسات والمقالات العلمية المتخصصة، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى وجود قائمة واحدة، حسمت الصراع الانتخابي قبل أن يبدأ. وهو ما أنتج مجلس نواب ذات طابع حكومي من الطراز الأول، وهو ما سوف يؤثر على العمل النيابي الحقيقي ولمدة خمس سنوات مقبلة.

وإذ إن الانتخابات لا تمثل مجرد حركة ميكانيكية، تتم بشكل دوري، كأنها حركة وظيفية، تديرها أجهزة الدولة بنفسها ولصالح سلطتها، بما يضمن نفاذ سياستها وإدارتها لمدة انعقاد المجلس، إلا أنه في حقيقة الأمر، فإن الانتخابات من المفترض أنها حالة سياسية تجدد النقاش والصراع الفكري والأيديولوجي بين المنافذ الفكرية والحزبية المختلفة، بما يضمن تمثيلا للعديد من الصنوف الفكرية والأنماط السياسية التي تنتمي إليها الأحزاب، أو الأفراد على حد سواء.

لكن في خاتمة الانتخابات البرلمانية المصرية، والتي شهدت الكثير من العيوب والخروقات القانونية، والتي أيدها رئيس الدولة ذاته، وأقرتها الهيئة الوطنية للانتخابات، كما أكدتها المحكمة الإدارية العليا، وهو الأمر الذي أسفر عن إلغاء النتائج في أغلبية الدوائر الفردية على مستوى الجمهورية، ولكنه لم يسفر عن شيء بخصوص القائمة المطلقة، وذلك لعدم وجود منافس لها، فلم تشهد أية انتخابات حقيقية.

إذن، فماذا سيسفر عنه المجلس الوليد وفق هذا النموذج الانتخابي غير غلبة حكومية، بما يضمن تحكمها في مسار عمل مجلس النواب لمدة خمس سنوات مقبلة، حال استمرار ذلك المجلس في حيز الوجود، وهو الأمر الذي أشك فيه، إذ استشرف عدم بقاء ذلك المجلس لفترة طويلة، وقد يلغى بحكم دستوري بعد فترة من الزمن.

لكن ما هو الأوجب على النظام الحاكم في مصر حال تفرده بالتحكم في السلطة التشريعية، أرى أنه يجب أن ينسجم على أقل تقدير مع ما أطلقه في جلسات الحوار الوطني، والتي أسفرت عن عدم صلاحية ذلك النظام الانتخابي للمشهد المصري العام، كما وأن غالبية الأحزاب السياسية على الرغم من ضعفها البنيوي، إلا أنها جميعها قد دعت إلى إلغاء ذلك النظام، والبحث عن نظام يتوافق على أقل تقدير مع محددات المجتمع المصري واحتياجاته، وبما يتناسب مع اتساع الرقعة الجغرافية، وهشاشة الوضع السياسي المصري العام، بحيث يضمن على أقل تقدير وجود للمعارضة الحقيقية، أو لما يسمى بفئة المستقلين، فربما يكون لهم دور في التواصل ما بين الحكومة والمواطنين.