اليمن.. “مواجهة” سعودية إماراتية على باب المندب.. قلق مصري وترقب إيراني

باب المندب
باب المندب

في أوائل ديسمبر الحالي، وتحديدا في الثالث منه، سيطرت قوات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات على حضرموت والمهرة، وأزاحت القوات القبلية ووحدات الجيش اليمني التابعة للمنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب الإصلاح” الإخواني التوجه”.

 بات المجلس الانتقالي الجنوبي يسيطر على كل أراضي دولة اليمن الجنوبي السابقة تقريباً، بما في ذلك حقول النفط الأكثر إنتاجية.

لم يخف رئيس المجلس الانتقالي، وجهته التالية، حيث أعلن عيدروس الزبيدي، أن تحرير صنعاء من الحوثيين يُعد هدفًا محوريًا، معتبرًا أن العمليات في حضرموت والمهرة؛ تهدف لتأمين الجنوب ومنه الانطلاق نحو الشمال.

ولأسباب عديدة تبدو قراءة تطورات الملف اليمني صعبة نسبياً، حيث تتداخل مسارات الطموح السياسي للفرقاء مع أهداف “الدول الداعمة” وصراعات اللاعبين الإقليميين والدوليين.

المجلس الانتقالي الذي تصاعد دوره، وتوسعت مناطق نفوذه مؤخرا، يسعى ـ حسب وثائقه التأسيسية، خطاباته السياسية، وتصريحات قياداته منذ تأسيسه عام 2017، وحتى الوقت الراهن، إلى استعادة دولة الجنوب إلى حدود ما قبل عام 1990 “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” سابقًا.

وتحت مظلة هدفه الرئيس، شارك المجلس في المؤسسات السياسية، مثل مجلس القيادة الرئاسي، كوسيلة تكتيكية لا كتنازل عن مشروع الانفصال، وأعلن دونما مورابة، أن مشاركته تهدف إلى “حماية مصالح الجنوب”من داخل السلطة.

ولا يخفى على مراقب كون الجنوب مدعوما إماراتيا في المقام الأول، منذ انطلاق مغامرة “عاصفة الحزم” عام 2015 التي استهدفت اليمن، والتي كانت في البداية سعودية إماراتية مشتركة، حيث ركزت الإمارات على الجنوب والساحل الغربي، بخلاف السعودية التي ركزت على الشمال والحوثيين.

مبكرا شرعت الإمارات في بناء قوات محلية جنوبية خارج إطار الجيش اليمني.

إلي أن تم الإعلان رسميا في مايو 2017 عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي، بعد إقالته من منصب محافظ عدن.

ابتداء من تلك اللحظة، قدمت الإمارات الدعم السياسي للمجلس في المحافل الإقليمية غير الرسمية، وأدخلته في اتفاق الرياض للمصالحة في اليمن عام 2019 مع الحكومة اليمنية، وصولا لفرضه كطرف سياسي لا يمكن تجاوزه.

عسكريا، ساهمت الإمارات في تأسيس وتسليح قوات محلية، بينها الأحزمة الأمنية “عدن– لحج– أبين”، وقوات الدعم والإسناد، والنخب “الحضرمية– الشبوانية”، وتم تدريب تلك القوات داخل قواعد ومعسكرات في عدن والإمارات، وإريتريا.

باب المندب

وبامتداد مساره السياسي منذ 2017، حرص “الانتقالي” على طمأنة القوى الغربية، وشركات الشحن، بإعلانه مرارا “الالتزام بحماية الملاحة الدولية وتأمين باب المندب وخليج عدن”.

 لتأتي القفزة قبل أيام، عندما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، عن أن ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن أجروا اتصالات مع مسئولين إسرائيليين، في إطار مساعٍ لكسب دعم إقليمي ودولي، مع تعهّد بالاعتراف بـ”إسرائيل” في حال تحقيق “الاستقلال” في جنوب اليمن.

الاعلان جاء كاشفا، لما هو متوقع من انحيازات “الانتقالي” ودوره على رقعة الصراع الإقليمي.

على الجانب الآخر، تواصل المملكة السعودية دعم ما تسميها “الحكومة الشرعية”، وهي حكومة موالية لها، لدرجة اتخاذها الرياض مقرا لها منذ عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي .

مؤخرا، قالت منصات تابعة للمجلس الانتقالي، إن القوات السعودية نشرت قرابة 400 مدرعة جديدة في منطقة العبر بصحراء حضرموت.

المدرعات الجديدة، سُلمت لفصيل يتبع السعودية، ويُعرف بـ”درع الوطن” الذي يضم الآلاف من المقاتلين السلفيين، ويشرف عليهم سلطان البقمي، قائد الدعم والإسناد السعودي.

ومنذ انتهاء عملية عاصفة الحزم السعودية ضد اليمن، دون أن تحقق أيا من أهدافها المعلنة، تدير السعودية الملف اليمني انطلاقا من “اتفاق الرياض”، وتقدم للحكومة دعما ماليا شاملا للموازنة، والبنك المركزي، إضافة إلى المشتقات النفطية.

ويجمع بين الطرفين “السعودية والإمارات” العداء لجماعة أنصار الله “الحوثيين”، ورغبة في الحفاظ على خطوط الملاحة، وإن كان الاهتمام الإماراتي بالمواني أكثر وضوحاً.

الحوثيون من جانبهم، يعتبرون الصراع الدائر “اقتتالا بين أدوات التحالف على اليمن”، ويلتزمون حيادا تكتيكيا، تاركين الخصمين يستنزفان بعضهما البعض.

ويعتبر الحوثيون، أن السعودية خصم بلادهم الرئيس، بينما يتوقفون فقط عند “احتلال المواني والسيطرة عليها” من قبل الإمارات.

مصر وأمن الملاحة

تاريخيا، تحمل الذاكرة المصرية ندبة عصية على الاندمال، تتعلق بالتورط في الصراع اليمني الداخلي، لكنها تدرك بشكل واضح، أن أمنها القومي والاقتصادي معلقان بـ”أمن الملاحة في باب المندب”.

وتعرف مصر جيدا، أن “ظهور فاعلين جدد غير منضبطين على السواحل الجنوبية لليمن يزيد من مخاطر القرصنة والإرهاب البحري، مما يرفع تكاليف التأمين، ويدفع شركات الشحن إلى التفكير مجدداً في طرق بديلة، حتى في غياب التهديد الحوثي المباشر”.

وهناك تخوفات مشروعة من استغلال الفراغ الأمني النسبي من قبل الحوثيين أو القاعدة، أو تنظيمات أخرى، مثل القاعدة لزيادة استهداف السفن، ما يُفاقم تعقيدات التأمين البحري.

وتفضل مصر التعامل مع دولة يمنية موحدة ومستقرة، أو على الأقل كيان جنوبي مستقر وذي سيادة كاملة، لضمان التنسيق الأمني.

وتثير سيطرة فاعل غير دولتي “المجلس الانتقالي” على مناطق ساحلية حيوية، بدعم إقليمي، قلق القاهرة من تزايد النفوذ الإقليمي المنافس في محيط ترى أنه حيوي لها.

وتفضل مصر العمل على تأمين مياهها الإقليمية والتعاون الأمني الإقليمي، مع تجنب الانخراط في تحالفات عسكرية قد تزيد من تعقيد المشهد.

وتتبع مصر سياسة “النأي بالنفس” عن التنافس الإقليمي الحاد بين القوى الداعمة للأطراف اليمنية المختلفة (السعودية والإمارات).

 ينصب التركيز المصري على استقرار الممرات المائية، بدلاً من الانحياز لطرف على حساب آخر في الصراع الداخلي.

على أنه ــ فيما يبدو ـ ستجد القاهرة نفسها مطالبة بحراك سياسي واضح، تسير فيه بحذر بين داعمي اللاعبين المحليين في اليمن ” السعودية والإمارات” وكلاهما حليف للقاهرة، دون أن تتخلى عن حقها في تأمين شريانها الاقتصادي الأهم، قناة السويس، وبالتأكيد دون أن تتورط  على الأرض في اليمن، وهو الخيار الذي سبق ورفضته ــ بنعومةــ عند انطلاق عملية عاصفة الحزم قبل 10 سنوات.

إيران تراقب

وعلى بعد آلاف الأميال تترقب طهران المشهد اليمني، معلنة من خلال قنواتها الدبلوماسية رفض التقسيم والرغبة في الحفاظ على وحدة اليمن.

لكنه ــ ربما ـ ترى في تباين الموقفين الإماراتي والسعودي فرصة لتنامي دور حليفها “الحوثي” في المشهد اليمني.

وربما تعول على استثمار انقسام الحليفتين الخليجيتين، لترسيخ نفوذها في الممرات الملاحية التي باتت ملعبا لصراعات القوى الكبرى والإقليمية على حد سواء.

.