أب يعتدي على ابنته، زوج يقتل زوجته بعدة طعنات، أم تشنق طفليها لتتخلص من صوتهما المزعج، زوج وزوجة يضعان ابنيهما على سلم العقار بعد انفصالهما للتخلص من مسئوليته.. عناوين كثيرة تصدرت الصحف والمواقع الإلكترونية على مدار السنوات القليلة الماضية، جميعها اتسم بالعنف والعدائية الشديدة بين الجاني والمجني عليه، بالرغم من الصلة التي تربطهما، البعض فسر هذا على أنه راجع للضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والبعض الآخر أرجعه للاختلافات النوعية في سمات البشر مع تطور الأجيال، إلا أن كلا الفريقين اتفقا على أن هناك خلل يهدد منظومة الزواج، وعلاقات أفرادها بعضهم ببعض، بمن فيهم أبناء هذا الزواج، وهو ما أدى للجوء إلى عنصر مساعد لتأهيل أفراد المنظومة الأسرية.
دورات تأهيل الأزواج
لم يكن الأمر مقتصرًا على العنف فحسب، بل لوحظ أن هناك ارتفاع ملحوظ في معدلات الطلاق التي شهدتها مصر خلال الآونة الأخيرة، حيث وصلت نسبته بحسب إحصاء أممي إلى 20 حالة في الساعة الواحدة، ما يعادل 170 ألف حالة سنويًا، الأمر الذي استرعى اهتمام عدد كبير من علماء النفس والاجتماع لبحث الأزمة والعمل على إيجاد حلول لها.
وكان على رأس تلك الحلول، إنشاء مراكز تأهيل للإناث والذكور قبل الزواج، يعمل القائمون بها على فحص الزوج والزوجة وإمدادهما بالمعلومات والنصائح التي سيحتاجون إليها قبل دخولهما الحياة الزوجية.
تقول “منال زكريا” أستاذ علم النفس الاجتماعي “فكرة إنشاء مركز تأهيلي للزوجين قبل الزواج مستمدة من بعض الدول الغربية التي تقدم فيها النصائح على شكل معلومات إرشادية، وهو ما حاولت تطبيقه في مصر بمساعدة بعض المختصين، وقد تم تقسيم النصائح إلى عدة أنواع منها النصائح النفسية – النصائح الاجتماعية – النصائح الحميمية – النصائح التربوية للأبناء، وقد اهتم المركز كثيرًا بإدراج كل ما يؤرق الحياة الزوجية تحت تلك العناوين .
وأوضحت “أن معظم الحالات التي تمت مقابلتها، لُوحظ أن فقدان الاستقرار وعدم الشعور بالأمان مشكلة كبيرة يعاني منها الجميع حتى في حديث الذكور والإناث، كل منهم كان يطلب الاستقرار دون أن يتحمل المسئولية الكاملة تجاه الطرف الآخر، أو يبذل جهدًا لتحقيق الاستقرار له، وهو ما يفسر أزمة الاستمرارية في العلاقات الزوجية، فبالرغم من قصص الحب التي تسبق معظم الزيجات في مجتمعات الوطن العربي، إلا أن سمة أمور تعكر صفو الحياة وهو استمرارية الاستقرار، فحتى لو بدأت الحياة الزوجية وبها قدر من الاستقرار، تتكالب المسئوليات على عاتق الطرفين، فينخفض معدل الاستقرار شيئًا فشيئًا، إلى أن يصبح الطلاق أمرًا لابد منه، بعد أن تمر الأسرة كلها بممر عنيف من المشاجرات والتعدي والضرب والسباب، ويتفاقم الأمر سوءًا في حالة وجود أطفال”.
وتشير إلى أن هذا يحدث “بخلاف الاحتواء وتوفير قدر من الأمان لدى كل من الطرفين، وهي الشكوى العامة أو المطلب الجماعي الذي يسعى إلى تحقيقه كل المقبلين على الزواج، ويٌنصح هنا بالمشاركة بين الزوجين في كل شيء، سواء في الأعمال المنزلية أو تربية الأبناء، فالمشاركة تمنح الطرفين الإحساس المطلوب بمساندة الطرف الآخر له، وهو من شأنه أن يزيد تمسكهما ببعض” .
إرشادات العلاقة الجنسية
يقول “رياض نصر الدين” معلم لغة عربية، إنه ذهب للمركز قبل زواجه بـ 6 أشهر بعد أن علم به من بعض أصدقائه، معربًا عن انبهاره بالخدمة التي يقدمها.
وقال إن المركز “يقدم إرشادات كاملة عن آداب العلاقة الحميمية بين الزوجين على يد متخصصين، ويتم تقديمها بمنتهى الرقي والاحترام دون اللجوء لأسلوب غير لائق أو أي شيء خادش للحياء، بالعكس كان القائمون على تقديم النصائح مهتمين بتوصيل المعلومة في أبسط صورها مع الحفاظ على الآداب العامة للحديث”.
ويتذكر الجملة الأولى التي قالها أخصائي “إن الهدف من العلاقة الجنسية المتعة المشتركة، ولا يجب أن تتحقق بشكل فردي لطرف دون الطرف الآخر، فاللذة هنا منقوصة”.
كان “رياض” يحتاج إلى نصائح عدة في هذا المجال، خاصة وأنه كان يبعد قدر المستطاع عن نصائح أصدقائه ولم تكن له تجارب حقيقية قبل الزواج، فساعدته هذه الدورة كثيرًا على أن يكون ناضجًا ومتفهمًا لاحتياجات كل طرف بشكل علمي وإنساني، وقد استفاد من ذلك كثيرًا وهو الآن متزوج ولديه طفلان .
ويقول “رياض” إن أحد أهم الدروس التي تعلمها على يد المختصين في المركز، ضرورة الحفاظ على الاحترام المتبادل بين الزوجين، مشيرًا إلى أن مقدم النصائح حرص وقتها على توصيل معلومة واحدة للمقبلين على الزواج، وهي أن فقدان الاحترام ينتج عنه تدني الحياة الزوجية إلى أن تتلاشى تمامًا وتُصبح بلا معنى، مهما كان قدر الحب قبل الزواج، فالحب دون احترام هو رماد يطير دون أثر يُذكر، وهو ما يزيد من معدلات الطلاق أو الانفصال الوجداني بين الزوجين داخل المنزل الواحد حتى لو لم يحدث الطلاق بشكل رسمي حفاظًا على الأبناء أو لاعتبارات اجتماعية أخرى.
ويضيف “كثيرًا ما يلجأ البعض لهذا تجنبًا لتدمير حياة الأطفال من وجهة نظرهم، إلا أن الأمر يكون شديد الخطورة على الأبناء لأنهم يدركون جيدًا حقيقة تلف العلاقة بين أبويهما”.
مبدأ هام وضعه الأخصائيون مقدمو الخدمة التي تنتشر في معظم مراكز تقديم الإرشاد الأسري، وهي أن التقدير والاحترام المتبادل بين الزوجين يجعل من الحياة الزوجية حياة مستقرة، ويشعر كل منهما بالارتياح النفسي الذي ينعكس بدوره على تصرفاتهما تجاه بعضهما البعض.
تقول “إيناس العسال” طبيبة أسنان 32 عامًا، إنها لجأت لمركز متخصص في الإرشاد الأسرى قبل زواجها بشهرين تقريبًا، وأقنعت خطيبها في ذلك الوقت بالذهاب معها إلى هناك، بعد أن لاحظت ارتفاع معدل المشكلات بينهما خلال مراحل التجهيز للزفاف، وبالفعل تحسنت أحوالهما كثيرًا بعد زيارتين فقط للمركز، الذي حرص من المرة الأولى على استقبالهما بالابتسامة وتخفيف حدة التوتر التي تصيب جميع العرسان قبل الزفاف، واتضح أنها حالة عامة يعانى منها جميع الشباب.
وتوضح “حرص الأخصائي النفسي القائم على توجيه النصائح وقتها على بث رسائل الطمأنينة لنا، موضحًا أن ما نمر به أمر طبيعي يحدث لجميع المقبلين على الزواج وأن الأمر لم يتعدى حدود التوتر العادي، كما حرص على توجيه بعض النصائح لنا، والتي من شأنها تهدئتنا خلال تلك الفترة”.
ساعدت تلك المراكز كثيرًا خلال الفترة السابقة على التقليل من حدوث حالات الطلاق في عدد من المجتمعات، وأصبحت فئات كثيرة من المجتمع على قدر من الوعي يتيح لهم الذهاب بمنتهى البساطة لطلب المساعدة دون تعقيد الأمور أو الالتفات لبعض الآراء التي من شأنها عرقلة الحياة الأسرية، وبالرغم من ذلك فمعدلات العنف والقتل والاحتجاز بالقوة، ارتفعت بين الأزواج خاصة في مصر كنموذج عربي تتسع فيه رقعة العنف الأسري، ولم تكن مصر وحدها، ففي 2016 صوت مجلس الشورى بمملكة البحرين، في إحدى جلساته على إجراء قانون جديد يلزم المقبلين على الزواج بدخول دورات تدريبية حول الزواج كشرط لإتمام عقد القران نفسه، وذلك أسوة بشرط الفحص الطبي، ومن يمتنع عن ذلك يُمنع من الزواج دون أي استثناءات، كما أوصت لجنة الخدمات بالمجلس بالموافقة على مقترح القانون، ورأت بأنه يسهم في التقليل من المشكلات الأسرية، والحد من ظاهرة الطلاق وحالات العنف الأسري المؤدية إلى تشتت الأسرة.
نشأة برامج التأهيل
لم تكن برامج التأهيل على الزواج حديثة العهد أو وليدة العصر الحالي، بينما أقيمت أول دورة تدريبية لتأهيل المقبلين على الزواج تحديدًا عام 1930 في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك استجابة من المؤسسات الاجتماعية للتغيرات المختلفة التي كان يمر بها الزواج وقتها في المجتمع الأمريكي، حتى تبلورت واختلفت أشكالها، فأصبحت برامج التأهيل للزواج تقدم الآن على مستوى واسع في معظم دول العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك أنواع عديدة من برامج التأهيل، يتم تصنيفها وفقًا للهدف منها.
تقول “لمياء عز” أخصائي علم نفس الاجتماعي، إن هناك أربعة أنواع من دورات تأهيل المقبلين على الزواج، الأول دورات معنية بالثقافة الزوجية ومهارات الزواج، وتنميط العلاقات الشخصية داخل مجتمع الأسرة، أما الثاني فهو معني بدورات خاصة لفترة الخطبة وللعزاب المهتمين أو المقبلين على اتخاذ خطوات جدية نحو الزواج، والنوع الثالث يهدف لتحسين الزواج، وجعله أكثر إيجابية في حياة الطرفين، أما النوع الرابع والأخير من الدورات فهو معني بخفض معدلات الطلاق ويتم تقديمها للمتزوجين الذين يواجهون مشكلات زوجية”.
وتشير إلى أنه من الأفضل من الناحية العلمية، أن يتلقى المقبلون على الزواج جميع الدورات بأنواعها الأربعة، قبل أن يفكروا في إنجاب الأطفال، حتى يتمكنوا من مساعدة أبنائهم على بدء حياتهم بصحة نفسية سليمة.