يشغل ملف تمكين المرأة ومشاركتها السياسية، حيزًا كبيرًا من الجدل على طاولة الأحزاب والمؤسسات النسوية المهتمة بالدفاع عن حقوق المرأة، بعكس قضايا “الجندر” والعنف القائم على أساس النوع، التي لا تحظى بنفس الحماسة في التناول والاهتمام عند الأحزاب، حيث إن قضايا التحرش والاغتصاب التي كُشف النقاب عنها في ساحات التدوين حتى انتقلت إلى ساحة المحاكم، استدعت تفاعلًا لم نلاحظه وأظهرت صمتًا غير مبرر تجاه هذه القضايا التي تهز المجتمع من حين لآخر.
وكشفت قضايا التحرش والاغتصاب التي تحقق فيها النيابة العامة حاليًا أو حققت فيها مؤخرًا، غياب تفاعل لجان المرأة بالأحزاب مع مثل هذه القضايا، ما يعكس عدم اهتمام غالبية الأحزاب المصرية بقضايا النساء وحقوقهن، خاصة التي تتعلق بالعنف القائم على أساس النوع.
مناقشة وتفاعل
تقول فاطمة خفاجي، عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن الحزب في المقام الأول يولي اهتمامًا لتمكين المرأة والمشاركة السياسية الفعالة داخل الحزب، وزيادة عدد النساء في المكتب السياسي والأمانات.
وتضيف أن قضية العنف المبني على النوع الاجتماعي، خاصة العنف الأسري والتحرش، من القضايا التي يناقشها الحزب كونها تؤثر على مشاركة المرأة في السياسة، لأن التحرش الجنسي يفقدها الثقة في نفسها وقدرتها على إحداث أي تأثير ولعب أدوار ملموسة في الحياة السياسية والمجتمع.
وتشير إلى أن الحزب أنشأ دليلًا تدريبيًا ودورات مكثفة في المحافظات وورش عمل عن العنف الجندري تحديدًا، ومدى تأثيره على المشاركة السياسية، لافتة إلى أن الحزب تبنى حملات في أوقات مختلفة من أجل إقرار قانون شامل واستراتيجية كبيرة لمكافحة العنف ضد المرأة.
وتبرر “خفاجي” عدم اشتباك الأحزاب السياسية مع قضايا التحرش المنتشرة الآن والتي تحقق فيها النيابة العامة، لتركيز أنشطتها على العضويات في الريف والمناطق الشعبية، حيث تستهدف مجتمعات مختلفة بقضايا أخرى عن مجتمع المثقفين وجمهور النخبة.
كما تلفت إلى أن لجنة المرأة تتطرق باستمرار إلى قانون الأحوال الشخصية والتمييز ضد المرأة، بما يسمح بتأديب المرأة وغياب فكرة عقاب الزوج الذي يمارس العنف ضد زوجته بدواعي الوصاية والتحكم السلطوي للرجل.
وتقول إن أبرز الأزمات التي واجهتها، هي أن ملايين من السيدات في الريف والصعيد لا يحملن رقمًا قوميًا لأن العائلات لا تسجل السيدات في المواليد وتعتبر ساقطة قيد مما يمنعها من المشاركة السياسية وحرمانها من الدعم والحقوق القانونية الكاملة، موضحة أن هناك 4 ملايين سيدة بلا رقم قومي في مصر بسبب هذه التعقيدات القبلية.
أمر حتمي
استهداف الأحزاب والضغط عليها وإحراجها للتفاعل مع قضية العنف الجنسي ضد النساء أمر هام وحتمي، حسبما توضح “مزن حسن”، المديرة التنفيذية لمركز نظرة للدراسات النسوية.
وتتبني “حسن” رأيًا يؤمن بضرورة أن تكون هذه القضية جزء من الأجندة السياسية لهذه الأحزاب، وتقع عليها مسؤولية سياسية وعملية عليها لتأمين هذا المجال العام ليصبح صالحا لمشاركة الجميع.
برأي “مزن” الحاصلة على جائزة نوبل البديلة في ملف مكافحة العنف الجنسي، فإن طرح قضايا النساء بشكل عام مثل تمثيل المرأة في الوظائف العامة والمجالس المنتخبة ما زال يواجه صعوبة في المجتمع، لذا تندرج قضايا الجسد ضمن القضايا الحساسة التي ترفض بعض الأحزاب الاشتباك معها.
ورصد “مصر 360 ” غياب التفاعل في الفترة الأخيرة مع قضايا التحرش التي هزت المجتمع مثلما حدث في واقعة اتهام أحد خريجي الجامعة الأمريكية باغتصاب والتحرش بعشرات الفتيات، وكذلك الشهادات التي اتهمت صحفيًا شهيرًا، وكذلك غابت عن القضية الأكثر انتشارًا في الفترة الأخيرة وهي جريمة “فيرمونت”، ومن قبلها القضايا التي أدين فيها فتيات “تيك توك” باعتبارها من القضايا التي تهم الأسرة المصرية.
لا تقصير
أما النائبة البرلمانية دينا عبد العزيز، فإنها لا ترى الأحزاب مٌقصرة في الدفاع عن حقوق المرأة في هذا الملف، كونها تخدم سيدات المجتمع من خلال الأجندة التشريعية التي تُقر وتُعدل قوانين العقاب، مشيدة بدور البرلمان في تعديل قوانين العنف الجسدي ضد المرأة.
وتقول “عبد العزيز”: “البرلمان لم يتوان في الدفاع عن حقوق السيدات وغلظ من عقوبات المتحرشين، كما وافق على قانون حفظ سرية بيانات الضحايا والناجيات من حوادث التحرش والاغتصاب، فالمشرع هنا كان إيجابيًا للغاية والكرة في ملعب الأسرة والمؤسسات المسئولة عن التربية سواء كانت الأسرة أو مؤسسات تشكل الوعي”.
ووافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يقضي بحماية سمعة المجني عليهم في جرائم هتك العرض والتحرش، عبر عدم الكشف عن هويتهم.
ويهدف هذا التعديل إلى حماية سمعة المجني عليهم من خلال عدم الكشف عن شخصيتهم في الجرائم التي تتصل بهتك العرض، وفساد الخلق، والتعرض للغير، والتحرش، الواردة في قانون العقوبات وقانون الطفل، خشية إحجام المجني عليهم عن الإبلاغ عن تلك الجرائم.
بالنسبة لنائبة حلوان، فإن “صور العنف المتكررة في مجتمعنا سببها الوعي والثقافة وغياب التسامح، فالبيئة ليست عاملًا أساسيًا إذ رأينا هناك من يدرس بالجامعة الأمريكية ويعمل بالصحافة، وآخرين من أبناء عائلات رفيعة ويصدر منهم أفعال غير سوية، إذ إن الظاهرة ليست مرتبطة بالفقر والجهل كما نردد باستمرار بل بالوعي”.
وطالبت “عبد العزيز” المؤسسات النسوية والمجالس المتخصصة بالاشتباك المباشر مع هذه القضايا، وأن تكون أكثر فاعلية معها لحماية أبناء المجتمع.