تزامنًا مع إعادة محاكمة 14 شخصًا في فرنسا، بتهمة مساعدة المسلحين في الهجوم على مجلة “شارلي أبدو”، أعادت الأخيرة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم يوم أمس الثلاثاء، في خطوة وصفها الكثيرون بـ”الاستفزازية” لمشاعر المسلمين، في المقابل رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إدانة تصرف المجلة، وأعادت المجلة نشر رسومات مسيئة عن النبي محمد (ص)، عرضتها لهجوم مسلحين متطرفين منذ خمس سنوات.
ونشرت المجلة، أمس الثلاثاء، على غلافها 12 رسمًا عن النبي (ص)، كانت صحيفة دنماركية قد نشرتها من قبل، وتظهر إحدى الرسومات النبي محمد وهو يضع قنبلة على رأسه بدل العمامة، بعنوان: “كل هذا من أجل هذا”.
وكشفت المجلة أنها تلقت طلبات متكررة بمواصلة نشر الرسومات منذ هجوم عام 2015، معلقة: “رفضنا فعل ذلك، ليس لأنه ممنوع، فالقانون يسمح لنا بالنشر، بل لأننا كنا ننتظر سببًا وجيهًا له معنى ويقدم مادة للنقاش وإعادة نشر الرسومات في الأسبوع الذي بدأت فيه محاكمة المتهمين في الهجوم يبدو لنا مناسبًا”.
وبارك فيليب فال، مدير الصحيفة عند وقوع الهجوم عليها، مبادرة المدير الجديد بإعادة نشر الرسومات، واصفا إياه بالصحفي الممتاز.
وفي وقت سابق، عبر الرسام الدانماركي كورت فيسترجارد، صاحب الرسوم المسيئة عن غضبه لأنه تعرض للتهديد بعد سنوات من نشره الكاريكاتير، ولكنه لا يشعر اليوم بالأسف، بحسب “فرانس برس”.
تحريض على الأديان
بينما اعتبر محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، إعادة نشر الرسوم المسيئة، نوع من التحريض على الأديان، ولا يمت لحرية التعبير والفكر بصلة.
وتابع أن أي مجلة أو صحيفة تنشر هذه الأعمال فهي تسعى إلى نشر الكراهية والحض على العنف وهو ما يلزم ردعه.
واستطرد “عبد الحفيظ” أن كل دولة لها قوانينها ولوائحها الخاصة، لاسيما في الدول الأوروبية، فأقصي عقوبة ستكون توقيع غرامات أو لفت نظر، ولكن لا يمكن اتخاذ إجراء يسلب حريات، مؤكدًا أن مثل هذه العقوبات لن تكون رادعة بالطبع.
وتحي فرنسا في السابع من يناير من كل عام، ذكرى الاعتداء على مقر مجلة “شارلي أبدو” المثيرة للجدل من قبل متطرفين، بعد نشرها صورًا مسيئة عن النبي (ص)، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 12 شخصا بينهم شرطيان.
في نفس اليوم من عام 2015، فتح الأخوان سعيد وشريف كواشي، المسلحان ببنادق آلية، النار في مكاتب مجلة شارلي أبدو، وجرى تعقب المنفذين الاثنين وقامت الشرطة بقتلهما بعد حصارهما.
وفي مكان آخر بباريس في نفس اليوم، قتل شخص آخر يدعي أحمدي كوليبالي شرطية بإدارة المرور، وأربعة آخرين في متجر يهودي، وقامت الشرطة أيضًا بقتله.
وقال “كوليبالي” في تسجيل مصور إنه يعمل باسم تنظيم الدولة الإسلامية، وقتلت الشرطة المهاجمين الثلاثة في مواجهات منفصلة.
غير أخلاقي
من جانبها، أكدت آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن ما أقدمت عليه مجلة “شارلي أبدو” هو عمل غير لائق وغير أخلاقي، لافتًة إلى أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، نبي الرحمة والإنسانية، وأول من نادى بالتعايش السلمي والإنساني بين البشر وحتى مع الأعداء.
وتابعت أن الرسول عليه الصلاة والسلام، هو أول من وضع صحيفة أو “دستور” في البشرية، وذلك عندما هاجر إلى المدينة، وهو ما خلق جوًا من التعاون والتسامح بين الطوائف، في معاهدة بين المسلمين وغيرهم لتصبح المدينة وحدة تدافع عن كيانها وتواجه الأعداء، وهو ما انتصر على التفكك المجتمعي حينها والتميز الطبقي.
وأضافت أن الرسول (ص) رسخ مبادئ عدة وسبق بها جميع البلدان التي تدعي الحرية في الوقت الراهن، حيث رسخ هذه البنود في “دستوره”، ومنها أن الحرية الدينية مكفولة للجميع، فضلاً عن الأخلاق المجتمعية والتأكيد على الرحمة في التعامل، وهذا يعكس الفارق بين ما دعا له النبي (ص) وما جاء عند صمويل هنتجون، الذي يفترض أن الصراع هو القاعدة في علاقة الإنسان بأخيه الانسان.
محاكمة المتهمين
وتتم محاكمة 14 شخصًا، بتهمة تقديم مساعدات مادية وسلاح لجماعة التي هاجمت مقر المجلة الفرنسية.
ويحاكم ثلاثة من المتهمين غيابيًا، إذ يعتقد أنهم هربوا إلى شمالي سوريا والعراق، الأماكن التي كان يسيطر عليها تنظيم “داعش”، بينما إذاعة فرنسا الدولية قالت إن عدد المدعين في القضية بلغ 200 شخص، كما يحضر المحاكمة عدد من الناجين من الهجوم، للإدلاء بشهاداتهم.
وكانت المحاكمة مقررة في مارس الماضي، ولكنها تأجلت بسبب وباء كورونا ويتوقع أن تستمر إلى شهر نوفمبر القادم.
ويواجه المتهمون الأربعة عشر، ومنهم ثلاثة سيحاكمون غيابيا وقد لا يكونون على قيد الحياة، اتهامات منها تمويل الإرهاب والانضمام لمنظمة إرهابية وتزويد المهاجمين بالسلاح.
ويجدر الإشارة، إلى أن مجلة “شارلي إيبدو” اشتهرت بالإثارة بسبب أسلوبها الساخر من السياسيين، وجوانب من الكاثوليكية واليهودية والإسلام.
وكان قد خرج آلاف الأشخاص بعد هجوم على المجلة في مسيرات تضامنا مع المجلة، رافعين شعار “أنا شارلي”، وقد انتشر هاشتاج “أنا شارلي” على مواقع التواصل الاجتماعي عبر العالم.
وقال مدير التحرير، جيرار بيار، لبي بي سي عام 2016 “إن بروز المجلة كرمز دولي لحرية التعبير، جلب معه أيضا جانبا من الانتقاد لأسلوبها المستفز والمثير للجدل، وطالبها الكثيرون باحترام معتقدات الآخرين”.
ماكرون: لا تعليق
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء، إنه ليس في موقع يمكنه من إصدار حكم على قرار مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة، نشر رسم كاريكاتيري مسيء للنبي محمد (ص).
وأضاف الرئيس الفرنسي أن بلاده تتمتع بحرية التعبير وحرية العقيدة، لكنه يتعين على المواطنين الفرنسيين إظهار الكياسة واحترام بعضهم وتجنب الانسياق وراء “حوار الكراهية”.
الأزهر يندد
في المقابل، أعلن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عن رفضه الكامل واستنكاره الشديد لما قامت به مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، من إعادة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وحذر المرصد من أن الإصرار على جريمة إعادة نشر هذه الرسوم المسيئة، يرسخ لخطاب الكراهية ويؤجج المشاعر بين أتباع الأديان، ويقف حائط صد نحو خلق بيئة صحية يعيش فيها الجميع على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، ويعد استفزازا غير مبرر لمشاعر ما يقارب الملياري مسلم حول العالم.
كما أنه كفيل بأن يعرقل جهودا عالمية قادتها كبرى المؤسسات الدينية على طريق الحوار بين الأديان، بلغت ذروتها بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين أكبر.