أعلن والى العاصمة السودانية حالة الاستنفار القصوى وسط الارتفاع القياسي لمنسوب فيضان نهر النيل، وهو الأمر الذي أثار حالة من الجدل حول تأثر السودان السلبي ببدء ملء السد الإثيوبي المختلف عليه حتى الآن، وهو الأمر أيضًا الذي أثار المخاوف بشأن مستقبل الداخل السوداني جراء الأحداث الأخيرة التي أودت بحياة الكثيرين في موجة الفيضانات الأخيرة.
خسائر مادية وبشرية
أعلن اتحاد المهنيين السودانيين، أن الوضع أصبح أكثر تعقيدًا وبات يتطلب تدخلًا حكوميًا واضحًا، وإعلان حالة الطوارئ خاصة في الولايات التي تضررت من الفيضانات وارتفاع منسوبها القياسي، مطالبًا بتدخل من القوات النظامية لإجلاء المتضررين عن الولايات المنكوبة.
وذكرت وزارة الداخلية السودانية أن الفيضانات عصفت بجانب كبير من الاقتصاد السوداني، حيث دمرت حتى الآن نحو 149 مرفقًا وما يقرب من 318 متجرًا كما تسببت في نفوق نحو 5500 رأس ماشية.
وأضافت “الداخلية” في بيان لها بشأن تأثير الفيضانات على الداخل السوداني، أن عدد الضحايا حتى الآن يُقدر بنحو 90 قتيلًا، فضلًا عن فقدان الآلاف لمنازلهم التي لم تستطع مقاومة ارتفاع منسوب الفيضان وتهاوت تاركة السكان بلا مأوى مما يزيد الوضع الداخلي تعقيد وتأزمًا.
يُذكر أن الحصر المعلن حتى الآن لعدد المنازل التي راحت فريسة مياه الفيضان وفقًا لوزارة الداخلية السودانية يُقدر بنحو 32 ألف منزل.
لجنة الفيضانات في وزارة الري والموارد المائية السودانية أكدت أن حصيلة القرى المدمرة كليًا أو جزئيًا نحو 40 ألف قرية، معظمها في ولايات الجزيرة والبحر الأحمر وكسلا.
لم يحدث منذ قرن
لم يكن الحديث عن ارتفاع منسوب فيضانات النيل مجرد تقدير عابر لقوته الأخيرة، ولكنه كان ناتجًا عن تأكيد وزارة الري والموارد المائية عن صدمتها تجاه الأمر وتشديدها على أنه الأعلى منذ تسجيل مناسيب النيل.
ياسر عباس، وزير الري السوداني، أكد أن منسوب مياه النيل الأزرق خلال الأيام القليلة الماضية هو الأعلى منذ بدء تسجيل بيانات ومناسيب النيل في عام 1912، معربًا عن مخاوفه وتوقعاته التي تتجه نحو استمرار ارتفاع منسوب النيل عن هذا الحد، وهو ما يهدد مختلف نواحي الحياة في الداخل السوداني المادية منها والبشرية.
وزير الموارد المائية السودانية أكد أن ملء سد النهضة سيساهم بشكل كبير في تحجيم الفيضانات التي تتعرض لها السودان ويكبح جماحها وذلك لأن الملء يتم في فترة الفيضانات وهو ما سيساهم في التخفيف من حدتها، مشيرًا إلى أن هذا سيحدث خلال الأعوام القليلة المقبلة ولكن ما يعيقه هو عدم توصل الجانب الإثيوبي لاتفاق حول شروط ملء السد مع دولتي المصب مصر والسودان.
فيما لاقى الحديث حول تأثير سد النهضة وإنقاذه للسودان من الفيضان جدلًا كبيرًا، حيث أكد الباحث السوداني أحمد عبد الله الشيخ، أن هناك الكثير يعتبرون أن السد الإثيوبي له دور في الحماية من الفيضان.
واعتبر أن كل هذه الأحاديث يتم ترويجها فقط لإقناع السودانيين بأهمية السد، مؤكدًا أن الأمر قد يحدث بشكل عكسي على غرار فيضان عام 1988 فحينما يشكل الفيضان خطرًا على السد يتم فتح بواباته وهو ما يتسبب في تضاعف تأثيره السلبي ويصبح هنا عدم وجوده أفضل.
وأضاف “الشيخ” في تصريحات صحفية أن منظمة الأنهار الدولية التي اعتبرت أن اعتبار السدود حامية للبلدان من مخاطر الفيضان هو مجرد حجج حكومية لإقناع المواطنين بضرورة بناء السدود.
مشاهد من الكارثة
“بيوتنا اتخربت”.. بهذه العبارة وبعض الصرخات التي تعالت وصف مواطن سوداني مشهد الخراب الذي حاصره في مقطع فيديو وقف فيه مواطنون متشابكي الأيدي في محاولة ضعيفة لعمل متاريس بأجسادهم الهزيلة لمواجهة الكارثة المقبلة بغزارة وتداهم منازلهم معرضة حياتهم وذويهم للخطر.
كما اجتاحت الفيضانات أحد أبرز المعالم التاريخية السودانية وهو مسجد “النيلين بأم درمان”، كما سيطرت المياه تماما على أحد الطرق المهمة التي تربط ولاية الجزيرة في الوسط السوداني والخرطوم.
المجلس القومي للدفاع المدني السوداني، أكد أن الأضرار التي نجمت عن ارتفاع منسوب النيل وحدة الفيضانات الأخيرة تركزت في عدد من الولايات وهي ” البحر الأحمر وكسلا وشمال دارفور والجزيرة والخرطوم”.
رامي الشيخ، أحد أعضاء المكتب الإعلامي لمبادرة “نفير”، وصف المشهد في السودان بأنه يتحول من سيء لأسوأ قائلا: “مئات الأسر أصبحت الآن بلا مأوى”، مضيفًا أن منسوب النيلين الأبيض والأزرق في ارتفاع مستمر والوضع الداخلي أصبح في أمس الحاجة إلى العمل على توفير مأوى بديل للأسر المنكوبة فضلًا عن الاحتياج إلى الأغذية والأمصال الواقية من الأمراض المتوقع انتشارها جراء الوضع الراهن.
وأضاف “الشيخ” أن هناك الكثير من المتطوعين يعملون على قدم وساق مع الجهات الحكومية في مساعدة ضحايا الفيضانات معتبرًا أن الفترة المقبلة خطرها سيتجاوز الوقت الراهن حيث أصبحت منطقة الوزارات والمؤسسات الحكومية الواقعة في وسط الخرطوم مهددة نتيجة تسرب المياه إليها.
50 ألف شخص
عقبت الأمم المتحدة على حجم الخسائر الناجمة عن ارتفاع مناسيب الفيضانات السودانية لأرقام قياسية مؤكدة أنها أضرت على الأقل بنحو 50 ألف شخص في تعداد أولي قابل للارتفاع.
وأضافت الأمم المتحدة أن البنية التحتية السودانية تضررت بشكل ملحوظ وتأثر بها نحو 14 لـ 18 ولاية، ونقلت تقريرها إلى “مفوضية العون الإنساني” لتقديم جميع أوجه المساعدة على وجه السرعة للسودان الذي وصفته بالمنكوب.
يذكر أن السودان لم يمر بتجربة أليمة على هذا النحو منذ عام 1988 الذي ارتفعت فيه مناسيب النيل وحدة الفيضانات ونتج عنها دمار شبه كامل للعاصمة الخرطوم، وتم إعلان حالة الطوارئ 6 أشهر متواصلة بقرار من رئيس الوزراء وقتها الصادق المهدى.